قبل حلول منتصف الشهر ، تلفظ محافظ الموظفين أنفاسها الأخيرة ! فيركنها الموظفون في إحدى زوايا بيوتهم ؛ ولكنهم يحتفظون ببطاقة الصراف الآلي في جيوبهم ، ليكونوا جاهزين لقنص رواتبهم القادمة في لحظة نزولها ... !!!
وفي العشرة الآواخر من كل شهر ؛ يبدأ الموظفون بشن غاراتهم المكثفة على الصراف الآلي ؛ غارة يحركها الطفر والفقر ؛ وغارة يحركها ؛ ( رب ولعل وعسى ) ؛ ... أما الغارات الأعنف للموظفين ؛ فهي الغارات التي تعقب إشاعة أو دعاية عن نزول الرواتب ... !!!
بين الكر والفر والتأهب والترقب والاستنفار ، يمضي الموظف أيام شهره الأخيرة ؛ وكلما فترت همته أيقظها طابور من المتجمهربن أمام صراف آلي معين ... وبسرعة كبيرة يندفع الموظف خلف الناس المتجمهرين ؛ ويدخل بطاقة صرافه وهو يردد بلهفة„ : يــــــا فــرج اللـــــه ... ! يــــــا فــرج اللـــــه ... ! ؛ فإن حصل على راتبه ؛ تهلل وجهه واستبشر ؛ وإن خيب الصراف اللعين ظنه ؛ بدت عليه الكآبة والضجر ... !!!
ولكن لا طريق أمام الموظف وسيعيد الكرة ؛ صباحا” ومساء” وعند الظهيرة ... ! ؛ وكلما هم بإدخال البطاقة ردد وبلهفة„ : يـــــا فــــرج اللـــه ... ! يـــــا فـــــرج اللــــه ... !
فإن أستجيب لمطلبه ، شعر بالإنتصار وجلب لأهله الغنائم ... ولكنه انتصار لن يعمر طويلا” ، فالهزيمة ستتكرر قبيل منتصف الشهر ... !!! ؛ فمتطلبات الحياة أكبر بكثير من الموظف البسيط ومن راتبه ... ومهما فعل الموظف وخطط ورسم ؛ ومهما قنن وتفنن ؛ فراتبه لن يكفيه وأسرته لمنتصف الشهر ... وأي مناسبة أو مفاجئة تواجهه في حياته ستعقد الأزمة وتكدر المشهد ... !!!
المطالب والفواتير والالتزامات على الموظف ليست سهلة ؛ وراتبه البسيط سيخذله ولن يكمل شهره ... ! ؛ وفي لحظة معينة فلا بد للموظف من الإستدانه ... ! ولكن ؛ من الذي سيقرضه ... ؟ وأكثر الأثرياء وأصحاب الأرصدة تحولوا إلى بنوك متنقلة ؛ يقرضون ويشترون وعلى نظام المرابحات الإسلامية وغير الإسلامية ... !!! ...سيتذكر الموظف نصيحة الأجداد القديمة : ( ما حك جلدم مثل ظفرك ) ... وعندها سيذهب لبنكه المعني للكشف على راتبه ؛ وهذا علاج مخدر ولحظي وله أخطاره ... ؛ فالبنك المعني لن ينتظر ، وسيقتص من راتب الموظف عند لحظة نزوله ؛ وعندها ستتفاقم مشكلة الموظف لتصبح أكبر ... !!!
الموظفون الشرفاء والبسطاء ينقصهم الكثير ولديهم الآمال والأحلام الكثيرة ؛ وبعضهم تقاعد وانتهت خدماته وهو يحلم بحياة وظيفية أجمل .... بعضهم كان يحلم براتبين في نهاية العام وعلى غرار بعض المؤسسات والشركات ؛ ... وبعضهم كان يحلم بسكن كريم ينقذه من عناء الإيجارات ... وبعضهم حلم بطرد تمويني يأتيه كل فترة ... وبعضهم حلم بعيدية رمزية تفرحه مع أبناءه ... ! ... أحلام كثيرة لم تجد التعبير ولا التأويل ولا التفسير ... !!! .
حياة الموظف البسيط أشبه بحياة السجين أو الأسير ؛ فهو يستعجل مرور الأيام وينتظر بلهفة„ ساعة الفرج ... الموظف البسيط حياته نصف حياة وشهره تصف شهر ... !
كان الله في عون الموظف البسيط وهو يطارد راتبه المتمنع ... كان الله في عونه كلما وقف أمام الصراف الآلي وردد بلهفة„ :
يــــــا فرج اللـــــــه ... ! يــــــا فرج اللـــــــه ... !