العبودية اعتياد‎

mainThumb

07-05-2017 04:46 PM

 يقال إنه كان في قرية من قرى دلتا النيل، في عصر حكم الهكسوس لمصر، في وقت وجود سيدنا يوسف في سجن العزيز، ثلاثة حمير تكدح عند فلاح ظالم، كان الحمار الأول يعمل في الطاحونة، والثاني يعمل في نقل الحبوب من البيدر الى بيت التخزين في القرية، وكان الثالث يعمل في نقل الماء من مكان على ضفة النيل، اعتاد الفلاحون الذهاب اليه لجلب مياه الشرب.

 
فيعملون طول النهار دون توقف، يظل الأول تحت نير الطاحون يدور فلا يأتي آخر النهار حتى يكاد يسقط على الأرض من التعب والدوار الذي يصيبه، والثاني يبقى طول يومه بين البيدر ومكان التخزين، لا يرى حمارا ولا يطرق أذنيه الطويلتين أي صوت يشعره أنه حمار، أما الثالث فكان أقل منهم مصيبة، فهو يشعر بالتعب، لكن التعب يتلاشى عندما يصل الى ضفة النهر ويرى الحمير الكثيرة القادمة لجلب الماء، فيسمع النهيق والشهيق، ويقف وقتا انتظارا للدور، فيتواصل مع الحمير الأخريات، فيسأل ويُسأل، ويأخذ ويعطي، فيتحصّل عنده بعض الأخبار الحميرية التي تشكل نظرته للحياة والعمل، وأشياء أخرى تجعله متأففاً دائماً.
 
وعند نهاية النهار المضني تجتمع الحمير الثلاثة في حضيرة واحدة، وما ان يتناولوا العليق المعتاد، حتى يدير الأول وجهه الى الحائط الطيني مستعيدا دوار الطاحون، الذي سيطر على دماغه وكل حواسه فلا يستطيع طرده من رأسه، أما الثاني فأقل قليلا من الأول، تطارده صورة الطريق الرفيعة الممتدة من البيدر الى المخزن، ثم لا تمكث كثيرا في رأسه، فبمجرد هز الرأس عدة مرات مع نفرة طويلة،  يكون مستعدا لتقبل موضوع آخر! 
 
أما الثالث فمشهد ضفة النهر لا يفارق خياله، ليس من جهة التكرار الممل، ولكن من جهة الأحاديث التي يسمعها، والاراء التي كونها في رحلاته الى النهر.. ما جعله يعيد النظر في حياته وعمله، وعمل زملائه البائسين الذين يشاركونه المبيت.. وخاصة صديقه الأول الذي يدور حول الطاحون طول النهار، ثم يقضي ليله يعالج الدوار، وما أن يشارف "الدوار" على الرحيل آخر الليل حتى يأتي الفلاح مع الفجر وبيده العصا، يسوقه الى العمل ...
 
قرر الحمار الثالث، بناء على اتساع أفقه وآرائه التي كونها من خلال تعامله مع بيئات أخرى، أن يتحدث مع زملائه، ويفتح عيونهم على حقوقهم التي تجاهلها الفلاح، وصار يعاملهم كالعبيد، وليس من العدل أن يعملوا طول النهار ولا يحصلون على الراحة ولا الطعام المناسب. ويظلون يعانون من التعب حتى في وقت الراحة!!
 
صارحهم ذات ليلة بعد العليق وقبل الدخول في غيبوبتهم الليلية، بما يرى، وكيف أن الحمير حولنا تعيش في بحبوحة، ولماذا لا نكون مثلهم؟!.. وحرضهم على الوقوف بوجه الفلاح، وانتزاع حقوقهم منه.
 
عندما سمع الحمار الأول الكلام مصحوبا بالدوار، لم يسمع الا النصف منه ولم يستوعب  من النصف الا الربع، وكأنه سمع كلمتين فقط :" نقف بوجه الفلاح"  فهاله الأمر، وانتهر الحمار الثالث فأسكته،  ثم قرر أن يجتمع مع الحمار الثاني عند عودته من المخزن وفي غفلة من الفلاح، حتى يتوصل الى نتيجة في أمر الحمار الثالث والتخلص منه، فهو يريد أن يخرب حياتهم، ويفسد عليهم الأمن والأمان، ويذهب بطريقتهم المثلى.!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد