إيفانكا .. وهيئة الذوق العام بالمملكة - تغريد الطاسان

mainThumb

24-05-2017 04:16 PM

 منذ القدم ونحن شعب معروف بحسن خلقه، تربينا في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا على قيم ومبادئ مستمدة من الدين الحنيف والموروث الثقافي النابع من العادات والتقاليد العربية الأصيلة، وحين خرج الشاب السعودي والفتاة السعودية إلى العالم الواسع، ليدرسا في جامعاته، كانا خير سفراء لبلادهم.

وبسبب كل ذلك وأكثر يحق لي ولغيري أن تصيبنا دهشة، بل وصدمة حين نرى ما كتبه البعض عن ابنة الرئيس الأميركي إيفانكا في «وسمٍ» احتل الصدارة أثناء الزيارة التاريخية مطلع هذا الأسبوع. قرأنا فيها تعليقات ورأينا مقاطع تجعلنا نفكر باقتراح طرح أيضاً في «وسم» من غيور على وطنه، رداً لفعل مضاد للفعل الذي لا يليق، يجدر بنا التفكير فيه، ألا وهو إنشاء هيئة لـ«الذوق العام في المملكة»، تضع حدوداً لما يصدر عن قلة من محدودي الوعي، قد تسيء تصرفاتهم إلى شعب بأكمله!
من الإنصاف أن نشير إلى أن ابنة الرئيس الأميركي إيفانكا ترامب تثير الاهتمام حيثما حلت، حدث ذلك في ألمانيا حين شاركت في القمة النسائية لدول مجموعة الـ20، وحتى في واشنطن من خلال حضورها البارز في البيت الأبيض، كذلك من العدل أن نعترف بأن العالم الافتراضي لا يعكس في الغالب صورة حقيقية عن المجتمع، لأن الكثيرين يتصرفون بطريقة مختلفة، إذا ظنوا أن هويتهم لم تعد معروفة للآخرين!
لكن كل ذلك لا يبرر أن يطلق البعض العنان لخياله المريض، ولقلمه غير العفيف، ليخوض في الحديث عن سيدة أميركية بما لا يقبله على سيدة سعودية، ومن يتذرع بأن طريقة لبسها تجعلها المسؤولة عن هذه التعليقات، فهذا نمط مريض في التفكير، يتبناه كل من يتحرش بامرأة بزعم أن من ترتدي هذه الملابس إنما تريد أن تثير اهتمام الرجال، وكأن حسن الخلق ومبادئ الدين تظهر حين تحتشم المرأة، وإذا لم تحتشم يمكن التخلي عن هذه القيم.
وما يثير تعجبي من الأمر أكثر هو مشاركة النساء الممجدات لجمال إيفانكا، وحسرتهن أو غبطتهن أو حسدهن من مسكة زوجها يدها، وكأن الرجل السعودي «رجل غاب» متوحش لا يعرف كيف يتعامل برقي مع المرأة! ولو عذرنا الشبان في تضخيمهم لجمال بنت ترامب لخصوصية المجتمع الذي لا يرى فيه المرأة السعودية إلا في حدود ضيقة، فكيف نعذر النساء في هضمهن لحقوق جمال المرأة السعودية وأناقتها التي يشهد لها بها، وتضخيمهم لدرجة جمال لا ينكره أحد، ولكنه ليس نادراً، بل في نساء وطني ما يماثله وأكثر!
إذا كنا نتمتع بالحرية في الإنترنت فإنها حرية مسؤولة، إذا تجاوزت الحد أصبح لزاماً أن نعيد الشخص إلى رشده، ومن تخلى طواعية عن نضجه وتصرف كمراهق، يحتاج إلى من يضرب على يديه، حتى يتوقف عن إساءاته، من خلال مثل «هيئة الذوق العام»، التي تراقب التزام الناس بالقيم المتعارف عليها، والمبادئ التي تقبلها المجتمع.
من حق الدولة أن تراقب التجاوزات السياسية والأمنية في الإنترنت، وأن تدرجها ضمن قائمة الجرائم المعلوماتية وتعاقب من يرتكبها، ومن حقها بالدرجة نفسها أن تحمي الأطفال وتحمينا نحن النساء، وتحمي الأفاضل من الرجال من إساءة استخدام شبكات التواصل، ومن حقها أن تحمي صورة شعب فاضلة أكثر بكثير من مسيئة الذي يعوم بتهور على سطح شبكات التواصل من دون حذر في الغرق إلى عمق الإساءة لوطنه وشعبه، ومن حقنا المطالبة بحمايتنا من قراءة التعليقات التي لا تتفق مع الذوق العام، والتي تعتبر نباتات شاذة في مجتمع تهيمن عليه الفضيلة.
هل يختلف معي أحد في أن أي إيحاءات جنسية، سواء تعلق الأمر بامرأة سعودية أم غير سعودية، يمثل خرقاً لهذا الذوق العام؟ ألا يجيز الحفاظ على سمعة بلادنا وصورة شعبنا؟ أليس من حق السلطات أن تمحو السخافات التي تجعل «وسماً» سخيفاً يحتل مرتبة متقدمة أثناء وقوع قمة تاريخية تعيد صياغة مستقبل العلاقة بين بلادنا وعالمنا العربي والإسلامي وبين القوة العظمى الوحيدة في العالم؟
لست من دعاة المنع والحظر والقيود، وأرى أن الطريق الأفضل هو نشر القيم والمثل ذات الفضيلة وترسيخ الذوق العام من خلال الأسلوب الراقي في التربية، وأن يقدم الوالدان والمعلمون والمعلمات وعلماء الدين المثل الأعلى والقدوة، لكن إذا جاءت لحظة فاصلة مثل الأيام الماضية، ووجدنا البعض يشذ عن المألوف ويتصرف بما لا يليق، فإنني عندها أؤيد وبشدة أن تمارس «هيئة الذوق العام» المنع والحظر والقيود، لمن لا يفهم إلا هذه اللغة.
وتكون من مهمات هذه «الهيئة» صناعة ثقافة الذوق والرقي من خلال الدورات واللقاءات والأفلام، لأننا بحاجة إلى هذا الرقي في كل الفعاليات المقامة والزيارات الرسمية، لنكون دائمين الواجهة الأجمل للشعوب والمجتمعات الإسلامية.
أعود للتأكيد على أن الغالبية العظمى من شعبنا لا يستحق أن يتعرض للإساءة من فئة محدودة، تصرفت في لحظة طيش بطريقة غير لائقة، مع يقيني أن حتى هؤلاء يتحولون إلى أشخاص في منتهى الرقي، بعيدين عن العالم الافتراضي.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد