بعض الناس ينطلقون بسلوكهم ويصدرون أحكامهم من خلال أحوالهم وأوضاعهم فقط ؛ فتراهم يعيشون لأنفسهم ولا يسألون عن أحوال وحاجات غيرهم ...
فكل خطواتهم وقناعاتهم تنطلق من حوائجهم وغرائزهم ؛ فإن جاعوا أحسوا بآلآم الجوع وشعروا مع ملايين الجوعى ؛ وإن شبعوا ؛ فما عاد هناك جوعى .. !!! ... وإن افتقروا أحسوا بآلآم الفقر وشعروا بملايين الفقراء من حولهم ؛ فإن اغتنوا ؛ فلا فقراء ولا محتاجين حولهم ...!!! ... وإن تشردوا أحسوا بآلآم التشرد والضياع ، وشعروا بمعاناة اللاجئين من حولهم ... ؛ فإن حصلوا المساكن والمأوى ... فمشكلات التشرد واللحوء انتهت عندهم ... !!!
وهذه النظرة الضيقة تخلو من الإنسانية وتكرس الأنانية والذاتية ، وأصحابها يخرجون بنظرة مختلة وبقناعات وأحكام خاطئة عن مجتمعهم وعن الناس والحياة من حولهم ...
ولكن المؤمن الحق لن يغفل عن معاناة ومآسي غيره ، وسيتذكر آلآم وحاجات اخوانه في كل أحواله وفي سرآءه وضرآءه ...
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا ، فنزل فيها ، فشرب ، ثم خرج ، فإذا بكلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ، ثم أمسكه بفيه حتى رقي ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ، فقالوا : يا رسول الله ! وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر ...
فبالرغم من إنتهاء معاناة هذا الرجل مع الضمأ والعطش ، فإنه أحس بمعاناة الكلب مع العطش والضمأ ؛ فرق له قلبه وتحركت مشاعر الرحمة لديه ؛ فسقى الكلب ؛ وشكره الله له وغفر له ...
وورد في الحديث النبوي الشريف : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ... فالإيمان لن يكتمل بنائه عند كل من عاش ويعيش لنفسه ... فالمؤمن الصادق لن يهنأ بإيمانه ؛ وفي عالمنا مليارات من البشر يتخطفهم الشيطان ؛ ويتخبطون في شركهم وكفرهم ويسجدون لليقر وللشجر وللحجر من دون الله ...
فحتى هدهد سليمان عليه السلام لم يرض للناس الكفر والشرك والضلالة ، وانفعل وشعر بالقهر وبالضجر عندما شاهد في سبأ ؛ قوما” يسجدون للشمس من دون الله ... !!!
إن نور الإيمان وصل إليك بجهود مريرة من غيرك ، فالواجب الإيماني والشرعي يحتم عليك بذل كل جهد لديك لتوصيل النور الرباني للتائهبن والضالين حول هذا العالم ...
لا أدري ؛ كيف يهنأ بقصره ويرتاح بنومه من يرى ملايين الناس في الصحارى هائمين وفي العراء يبيتون .. ؟! لا أدري ؛ كيف يهنأ بطعامه وشرابه من يرى ملايين الجوعى من حوله .. ؟!
إننا في شهر رمضان المبارك ؛ شهر الانتصار على الشيطان وعل النفس والهوى والكفر والشرك ؛ شهر المحية والتواصل والغفران ؛ وواجبك الإيماني يحتم عليك في هذا الشهر أن تتذكر جوع وحاجات غيرك ...
ورد في الحديث النبوي الشريف : ( أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا في الليل والناس نيام ؛ تدخلوا الجنة بسلام ) ... وأنت تتناول وجبة إفطارك من بعد جوعك وضمئك ؛ تذكرك جيرانك ولا تغفل عن ملايبن الجوعى والمحتاجين من حولك ...
إياك والبقاء ضمن ذاتك ونفسك ؛... حطم قيود نفسك وتجاوز أهوائك ، وانطلق بإبمانك وبعقلك وبقلبك ؛ وتذكر اخوانك المظلومين والمحرومين والجوعى في كل أنحاء هذا العالم ... تذكر الفقراء والمساكين والمشردين في العراء ؛ فإن كان جوعك محصورا في شهر رمضان ؛ فأخوان لك في كل الشهور جوعى ...