فن اغتصاب العقول - طارق السنان

mainThumb

21-06-2017 03:44 PM

 وهب الله تعالى الإنسان عقلا يفكر به وميزه به عن باقي مخلوقاته، وذلك العقل قد يتحول ـ إن لم يستعمل استعمالا صحيحا ـ ويوظف توظيفا دقيقا يتحول إلى عنصر هدم للإنسان والمجتمع، ولذا فإن تركيع البشر والمجتمعات والشعوب يبدأ أولا بتغييب العقول، وتهميش الأفهام، والعمل على تحجير الأفكار وتجميدها عند لحظة معينة.

منذ فترة قرأت قصة عن موضوع فن اغتصاب العقول أعجبتني كثيرا، فهي دليل واضح وبرهان جلي على ما نتحدث عنه، ولذلك أردت أن أسوقها كاملة لتعم الفائدة.
في العاصمة الهندية نيودلهي كان سفير إحدى الدول الاستعمارية وقتها يمر بسيارته مع قنصل بلاده، وفجأة رأى شابا جامعيا يركل بقرة، وعلى الفور أمر السفير سائقه بأن يتوقف بسرعة، ثم ترجل من سيارته مسرعا نحو البقرة «المقدسة» يدفع عنها الشاب، صارخا في وجهه، ماسحا على جسد البقرة طلبا للصفح والغفران، وسط دهشة المارة وذهول الحاضرين، الذين اجتمعوا بعد سماع صراخه.
اغتسل السفير ببول البقرة، ومسح به وجهه، فما كان من المتجمعين ليروا تلك المعجزة إلا أن يسجدوا للبقرة، إمعانا في قدسيتها التي قدسها ذلك الغريب، ثم أتوا بالشاب الذي ركلها ليسحقوه أمام البقرة، انتقاما لقدس مقامها وعلو جلالها ورفعة مكانها.
وبربطته وقميصه المبلل بالبول، وشعره المنثور عاد السفير ليركب سيارة السفارة إلى جانب القنصل الذي بادره السؤال بشغف ولهفة كبيرين عن سبب ما فعله، وهل هو مقتنع حقا بعقيدة عبادة البقر؟ فأجابه: ركلة الشاب للبقرة هي صحوة، وركلة للعقيدة الهشة التي نريدها أن تستمر وتبقى.
ولو سمحنا للهنود بركل العقائد لتقدمت الهند خمسين عاما إلى الأمام، وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية، ومن هنا يحتم علينا واجبنا الوظيفي هنا ألا نسمح بذلك أبدا، لأننا ندرك أن الجهل والخرافة والتعصب الديني والمذهبي وسفاهة العقيدة هي جيوشنا في تسخير وتركيع المجتمعات.
هذا هو فن اغتصاب العقول! وهو الفكر الذي تتبناه دول كبرى، تخشى تقدم الدول الناشئة، والتي يمكن أن تنافس بعد ذلك منافسة حقيقية، لترتقي صناعيا وزراعيا واقتصاديا لتصل إلى مصاف الدول.
هل عرفنا لماذا الغرب يدعم كل مشروع ديني متطرف وانفصالي وطائفي في عالمنا العربي والإسلامي؟ وهل عرفنا الآن أننا عندما نؤجج نار الطائفية والعنصرية، ونزيد من اشتعال العنصرية والقبلية فيما بيننا، نساعد تلك الذين يتربصون بنا الدوائر ليل نهار، بل نقدم لهم، وعن طيب خاطر، الثقاب الذي يشعلون به حرائقنا ؟!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد