العطاء بين مفهومين - د. معن المقابلة

mainThumb

21-06-2017 04:01 PM

مفهوم العطاء قيمة إنسانية ليس مرتبط بدين او قوم او فئة او حضارة دون أخرى ، وان أعطتها الأديان قيمة إيمانية وتعبدية ، كما في ديننا الاسلامي الحنيف ، وهذه القيمة يجب ان تُغرس في النشء منذ نعومة أظفارهم ، وفي المراحل المبكرة من حياة الفرد ، فهذه القيمة من شأنها ان تعزز اواصر الالفة والمودة ببن أفراد المجتمع وتُعلي من قِيَم المواطنة والانتماء ، وهذا ما تفتقده مجتمعاتنا العربية في هذا الزمن.
 
في المجتمعات الغربية تتعدد اوجه الأنفاق والعطاء ، كما تتنوع الجهات المتبرعة بحيث تتوزع على رجال الاعمال ، ورجال السياسة ، والأكاديميين ، والفنانين ، والكتاب وغيرهم من الموسرين بالإضافة للمؤسسات الأهلية والشركات ، اذا تتوزع هذه التبرعات على بناء مستشفى ، او تبرع لمستشفى قائم لسد فواتير الفقراء ، او بناء مدرسة ، او جامعة ، ويكفي ان نعلم ان أشهر الجامعات الامريكية أُسست من متبرعين كهارفارد وجورج تاون وغيرها ، او منح لطلاب العالم الثالث للدراسة في جامعات الغرب ، او تبرع لمراكز أبحاث تخدم البشرية ، او تبرع لمحاربة الفقر والجهل والمرض في العالم الثالث ، ودافعهم بذلك إسعاد الانسان والتخفيف من معاناته ، وتكون تبرعاتهم احيانا بالملايين ان لم تكن بالمليارات ، كمؤسس مايكروسوفت بل غيتس بل ان وارن بافت الملياردير ورجل الاعمال الامريكي تبرع بجميع ثروته وهي بالمليارات للمؤسسة التي أنشأها غيتس وزوجته لمحاربة الأمراض ودعم التعليم في افريقيا ؛ وهذا يذكرني بحضارتنا العربية الاسلامية التي انتشر فيها هذا المفهوم للعطاء ، ففي حواضر العالم الاسلامي في العصور الوسطى كدمشق وحلب والقاهرة وقرطبة وإشبيلية والقدس والخليل والقيروان وغيرها ، انتشرت فيها مئات المدارس والمستشفيات ، والتي بنيت بالكامل على يد محسنين كالتجار والعلماء والسلاطين والامراء ، في عصر لم تكن الدولة تقوم بذلك كما في أيامنا الحالية ، ولعب نظام الوقف في الحضارة العربية الاسلامية دوراً اساسياً في استمرار هذه المؤسسات في تقديم خدماتها للمجتمع ، وكانت تخضع هذه المؤسسات لنظام صارم في تقديم خدماتها المتعددة ولفئات بعينها تحددها الوقفيات ، تكون الاولوية فيها للفئات الفقيرة ولطلاب العلم الذين كانوا يتنقلون بين هذه الحواضر للإفادة من هذه المؤسسات المنتشرة فيها والتتلمذ على يد علمائها واطبائها ، بينما في بلادنا في العصر الحديث نجد ان معظم تبرعاتنا لا تعدو عن اطعام فقير هنا اواخر هناك ، وعندما يأتي احدهم للتبرع بمال او اخراج زكاة ماله يسعى بكل الوسائل ان لا يخرج هذا المال من دائرته الضيقة كابنته او ابنه ، ويبدأ بالبحث عن فتاوي ويتم ليّ بعض النصوص الدينية لياً حتى يُبقي هذا المال في هذه الدائرة الضيقة ، بعكس المجتمعات الغربية التي اصبح العطاء فيها مؤسسي ، بل ان كثير من هذه التبرعات تذهب لمجتمعات العالم الثالث ، وهذا في الواقع يكشف عن حجم التناقضات في مجتمعاتنا العربية والاسلامية والتي تظهر وكأنها مجتمعات متدينة ، بينما هي في واقع الحال يسودها الكثير من النفاق الديني والاجتماعي ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان هذه المجتمعات لم تعد تثق بمؤسسات الدولة ، وهذه انتكاسة لهذه المجتمعات ، ففي حضارتنا العربية الاسلامية ارتبط العطاء بالمجتمع ومؤسساته ، كما هو حاصل الان في الغرب فجميع المدارس والمستشفيات (البيمارستانات) التي انتشرت في مدن العالم الاسلامي في الحضارة الاسلامية والتي لا تزال ماثلة أمامنا كالأزهر الشريف في القاهرة ، وجامع القرويين في تونس بُنيت وأُنفق عليها من محسنين وقُدرت اعداد هذه المؤسسات بالألاف ، ولعب نظام الوقف دوراً اساسياً في استمرار هذه المؤسسات في تقديم خدماتها للمجتمع ، وكان يُنفق على هذه المؤسسات بسخاء كبير.في الختام ان غياب المؤسسات الأهلية ورجال الأعمال والسياسة من الأثرياء عن تقديم الدعم المنظم والمؤسسي للمجتمع عبر مؤسساته الموثوق بها غير مبرر ، وما نشاهده في مجتمعاتنا من ابتذال واستغلال في مسألة التبرع للفئات المحرومة يبعث على الأسى والحسرة.
 
Maen1964@hotmail.com  
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد