في التحولات التركية - مصطفى زين

mainThumb

23-06-2017 10:50 PM

يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إخراج تركيا من دولة وظيفية (عبد الوهاب المسيري)، تنفذ سياسات ترسمها الولايات المتحدة، إلى شريك في القرارات الجيوستراتيجية التي تتخذها واشنطن، وسط الفوضى الكبرى في الشرق الأوسط، حيث الدول معرضة للتقسيم وإعادة رسم حدودها، تماماً مثلما كان وضعها بعد الحرب العالمية الأولى حين انهارت السلطنة العثمانية، فنجده يرسل قوات إلى قطر والعراق، ويستعين بالتركمان في كركوك، ويتدخل في نينوى، ويحتل جزءاً من شمال سورية، ويعرض على السعودية إقامة قاعدة عسكرية (رفضتها الرياض فوراً)، ويشارك في محادثات آستانة السورية، ويعادي مصر لإطاحتها حكم «الإخوان»، ويتحالف مع «حماس» الإخوانية، من دون أن يقطع علاقاته بإسرائيل...

أدرك أردوغان أن التحول من دولة وظيفية إلى دولة فاعلة لا يكون إلا من خلال الابتعاد عما أرساه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، من خلال العودة إلى الإرث الديني العثماني الذي لم تستطع العلمانية القضاء عليه، فاتخذ قرارات شعبوية كثيرة أرضت المتدينين: ألغى قوانين تمنع الحجاب في الوظائف العامة وفي الجامعات والمدارس، عزز التعليم الديني، ضرب المؤسسة العسكرية (حامية العلمانية)، أقال قضاة ومحققين، أبعد أساتذة ليبيراليين من الجامعات، حظر صحفاً وسيطر على أخرى مناهضة لنهجه. وتوّج كل هذه الإجراءات بتعديل الدستور وتغيير النظام البرلماني إلى رئاسي ليتسنى له التدخل في كل الشؤون السياسية والعسكرية، من دون العودة إلى المؤسسة التشريعية، وحصر معظم السلطات في يده.
باختصار انقلب أردوغان على جمهورية أتاتورك، واندمج عضوياً بالتقاليد الاجتماعية والسياسية العثمانية كي يشكل لنفسه ولحزبه قاعدة شعبية واسعة تدين له وتتيح لحكمه تمرير القرارات من دون اعتراضات، وبدا المجتمع التركي في عهده كأنه كان مستلباً (بالمعنى الفلسفي للكلمة) فأعاد إليه هويته الشرقية.
 
هذا التحول في السياسة الداخلية يعني أيضاً تحولاً في السياسة الخارجية وفي علاقة أنقرة مع الحلفاء الغربيين (خصوصاً أميركا)، ويتطلب تشكيل محاور جديدة في المنطقة قد لا تكون متوافقة كلياً مع توجهات واشنطن، وتتعارض معها أحياناً. في المسألة السورية، مثلاً، تعارض تركيا تسليح الأكراد وإعطاءهم دوراً في مستقبل هذا البلد المتعدد الطوائف والمذاهب التي لم تستطع العروبة دمجها. وتعارض توجهات واشنطن في العراق أيضاً، فالأميركيون يدعمون بارزاني في سعيه إلى الانفصال عن بغداد، في حين يرى الأتراك ذلك خطراً على وحدة بلادهم، وهم مضطرون إلى التنسيق مع العدوين الرئيسيين لواشنطن، إيران وسورية، لدرء هذا الخطر الذي يهدد الدول الثلاث.
 
كان النظام في تركيا يعتمد على تحالفاته مع الولايات المتحدة وأوروبا، لحماية نفسه من الأخطار الخارجية الفعلية والمتخيلة، وشكّل، خلال الحرب الباردة الجبهة الأمامية في مواجهة الاتحاد السوفياتي، ينفذ ما يطلب منه في الشرق الأوسط، معتبراً نفسه جزءاً من التحالف الغربي في مواجهة الحركات القومية واليسارية والإسلامية في الداخل والخارج، أي كان يؤدي وظيفة لمصلحة هذا التحالف. والآن اختلفت الأهداف، الأميركيون يحاربون في سورية، ويعملون لاقتطاع الرقة وإسناد إدارتها إلى الأكراد (معهم بعض العرب)، وفي الكونغرس والبيت الأبيض (وإسرائيل) من يسعى جاهداً لتنفيذ هذا المخطط. فيما الأتراك ضد هذا التوجه لأنه خطوة أولى لتقسيم البلدين.
 
لن تنقذ التغييرات الداخلية التي أجراها أردوغان تركيا من السيناريوات المرسومة للمنطقة إلا بمصالحة داخلية سعى إليها في السابق ثم توقف، متوهماً أن الأيديولوجيا الإسلامية المرفقة بمزيد من القمع كفيلة بتوحيد الجميع، ومتجاهلاً أن الأيديولوجيا العلمانية فشلت في ذلك، بعد ما يقارب القرن من تطبيقها بالقوة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد