عيد على أفضل حال - علي عبيد

mainThumb

25-06-2017 08:11 PM

 لست متشائماً.. ولن أردد مع الذين سيرددون في العيد بيت أبي الطيب المتنبي الشهير «عيد بأية حال عدت يا عيد». فرغم كل الدخان الذي يغطي سماء أمتنا العربية، ورغم الغبار الذي يثور في معظم أنحاء وطننا العربي، ورغم النيران التي تشتعل في بعض أرجائه، إلا أننا في مرحلة الحقيقية، وهي مرحلة تنكشف فيها كل الأقنعة، وتظهر فيها كل التفاصيل، وتوضع فيها كل الملفات على الطاولة، وتختفي فيها المجاملات، ويصبح الهدف فيها واضحاً، فلا يعود هناك مكان للأجندات الخفية، لأن مصلحة الأوطان فوق كل الاعتبارات والحسابات والخيانات.

 
العصيان طبيعة بشرية منذ أن خلق الله الكون، فحتى أبو البشر آدم، عليه السلام، عصى ربه فغوى، وأكل من الشجرة التي نُهِي عنها بعد أن خدعه إبليس اللعين، وأقسم أنه له من الناصحين.
 
لكن آدم اعترف بذنبه، ولم يصر عليه، بل أناب إلى ربه فتاب عليه واجتباه، وهداه إلى طريق الصواب. فلماذا يصر البعض على المضي في طريق العصيان، ويصرون على أنهم وحدهم الذين على صواب، وأن غيرهم على خطأ، ويمضون مكابرين لا يتعلمون حتى من أبي البشر؟!
 
والاختلاف أيضا طبيعة بشرية منذ أن خلق الله الكون، فقد اختلف ولدا آدم، عليه السلام؛ قابيل وهابيل، وبلغ هذا الاختلاف ذروته عندما قتل الأخ أخاه، لتكون أول جريمة تقع على الأرض بين شقيقين من بطن واحدة، ويكون أول درس في الندم على يد غراب بعثه الله كي يتعلم الأخ منه كيف يواري سوءة أخيه، فلا يترك جثته في العراء، معرضة للهوام والوحوش، ليعضّ الأخ القاتل أصابع الندامة، ويلوم نفسه على عجزه عن أن يكون مثل ذلك الغراب.
 
فلماذا لا يعرف الندم قلوب هؤلاء الذين يقتلون أخوتهم في البشرية كل يوم، ثم يتركون جثثهم في العراء، معرضة لكاميرات مصوري وكالات الأنباء والصحف والقنوات الفضائية، الذين ينقلونها إلى أرجاء المعمورة، ليتفرج العالم كله على الجرائم التي نرتكبها في حق أنفسنا وأخوتنا، وكيف لا يعرف الندم طريقه إلى قلوب أولئك الذين يعينون على قتلهم، ويمدون القتلة بالمال والسلاح دونما ذرة من إحساس بالذنب أو الخجل؟!
 
لست متشائماً.. رغم أن كل ما يحيط بنا هذه الأيام يبدو للوهلة الأولى داعياً للتشاؤم، لأن التشاؤم بداية الطريق إلى الانتحار، ونحن أمة حرّم الله عليها هذه الجريمة، واعتبرها طريقاً إلى النار.
 
وإذا كانت المؤشرات كلها تقول إننا أمة تنتحر، فإن ثمة بصيص أمل يقول إن هناك من يعمل على وقف عملية الانتحار هذه بإعادة الثقة إلى نفوس أبناء الأمة، وتخليصها من بؤر الشر التي تحاول أن تزرع الفتنة في أرجائها، وتغذي الخلافات بين أبنائها.
 
وتجرهم إلى هاوية سحيقة من الاقتتال والخراب والتدمير، لغرض لا يدرك كنهه إلا أولئك الذين يحيكون المؤامرات تحت جنح الظلام في دهاليز معتمة، ويظهرون لنا وجهاً ويخفون عنا وجوهاً، وينكرون الإثم وهم يعلمون أنهم آثمون، ويمكرون وهم يعلمون أن المكر السئ لا يحيق إلا بأهله، ويستكبرون في الأرض وهم يدركون أن الاستكبار هو أول طريق الهلاك والاندحار.
 
يعود العيد ليرسم على وجوه المتفائلين بسمة وفرحة، ويزرع في قلوب المستكبرين والماكرين حسرة وغصة، فحين تتكاتف جهود المخلصين من أبناء الأمة لإسقاط القناع عن وجوه المتآمرين عليها، الساعين لتدميرها وتفكيكها من الداخل، تصبح للعيد فرحة تتجاوز كل الآلام التي تعرضت لها الأمة على أيدي هؤلاء اللئام، ويصبح له لون مختلف عن ألوان كل الأعياد التي مرت على الأمة وهي تردد بيت المتنبي الشهير «عيد بأية حال عدت يا عيد...». فهذا عيد مختلف لأنه عاد علينا بحال جديدة، يراها المتشائمون حالكة السواد تبعث الوجل، ويراها المتفائلون المحبون للخير بيضاء ناصعة مبشرة، تفتح نافذة على الأمل.
 
لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وما الذي دفعنا إلى هذا المأزق، ومن الذي وضعنا فيه، ومن الذي تآمر علينا من الداخل، ومن الذي عاونه من الخارج، ولماذا صبرنا على المتآمرين من أبناء جلدتنا كل هذا الوقت، وكيف يجب أن نتعامل معهم، وما هو الأسلوب الأفضل لمناصحتهم، وهل يجب علينا أن ندفن رؤوسنا في الرمال بعد اليوم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن نجد لها إجابات محددة وواضحة وصريحة، لأن أكبر ما أوصلنا إلى هذه الحالة هو عدم مصارحتنا لأصدقائنا قبل أعدائنا، وحسن ظننا بأشقائنا أكثر من أنفسنا، وصبرنا عليهم طويلا.
 
وقد ثبت أن هذه الطريقة ليست هي الأفضل للتعامل مع أزماتنا والذين يقفون خلفها، والذين يذكون نيرانها، والذين يصبون الزيت عليها لتزداد اشتعالاً، حتى كادت النيران تحرق بيوتنا الآمنة، وتدمر أوطاننا التي بذلنا الغالي والنفيس من أجل بنائها، وقدمنا الدماء الزكية من أجل حمايتها والدفاع عنها، والتي نُعِدّها كي تكون الملاذ الآمن لأبنائنا وأحفادنا، والحصن الحصين لهم في قادم الأيام.
 
لن نكون بعد اليوم مهادنين، ولا مجاملين، ولا لقمة سائغة لأولئك الذين يعانون من اختلال ومركبات نقص، يحاولون أن يسدوها بممارسات هي أقرب إلى المراهقة السياسية منها إلى سياسات الدول التي تحترم أواصر الدين والدم والتاريخ المشترك، وحقوق الجيرة والمصالح الواحدة. وعلى أولئك الذين يعتقدون أنهم سيعيدون عجلة الزمن إلى الوراء أن يفوقوا من أحلامهم، لأن هذه العجلة لن تعود، وسيكون العيد عيداً على أفضل حال.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد