في متجر الالعاب ..

mainThumb

15-07-2017 07:42 PM

قصه حقيقية ..
في طفولتنا البائسة الشقية التي كنا نحلم فيها بإمتلاك لعبة صغيره لسيارة او لقلاب او جرافه او اي شيء نغذي من خلالة مالدينا من حرمان ..  كنا وكلما زرنا المدينة قادمين من الارياف نختلس الوقت بعيدا عن اعين الناس لنقف مطولا امام متجر الالعاب الذي يعج بانواع كثيرة منها نحلم بيوم ما نحصل على بضع تعاريف نشتري بها لعبة صغيرة فنصحوا على صوت صاحب المتجر يصرخ بنا ويقول : امشي من هون ياولد ؟؟!!  .. وكنا نسد جوع حرماننا وعدم قدرتنا على الحصول على المال بصناعة سيارات من اسلاك البناء نتفنن من خلالها بوضع احلالمنا الصغيره فيها عبر الكثير من اللمسات والاضافات التي نحلم ان نضعها على سياراتنا حينما نكبر .. 
 
كنا اطفالا نصغر اعمارنا بسنين طويلة وكنت انا اصنع السيارات السلكية لابناء صفي الفقراء حينما كنت ادرس في الارياف بمدرسة الشيخ مفرج قرب سيل الزرقاء حيث يتلهف الطلبه لاكمل لهم سياراتهم الجميلة ليسعدوا بها رغم حالة البؤس التي يعيشونها فيتخيلوا انفسهم كأنهم يركبون السحاب .. 
 
كان الكثير من الصبية يجلسون ساعات طوال وهم يتحدثون عن اعجابهم بجرار زراعي ( تراكتور) او بكب ستاوت او جونيور او ديانا .. كانت احلامهم تتغذى مما يرونه حولهم ويلامسونه من مجتمع بسيط محيط بهم .. 
 
كان الصبية لايعرفون اشياء كثيره لم يروها يوما ما حولهم مثل السيارات الفارهه والمولات الكبيره واصحاب البذلات المنمقه الخادعة وصاحبات التنانير القصيره العارية والبيتزا والرحلات  .. كانوا بسطاء بكل ما للكلمة من معنى  ..
كانوا يفهمون النسوه على انهن على شاكلة امهاتهم حيث يرتدين المدارق والملافع والحطات ويفهمون الرجال على انهم على شاكلة آبائهم يعشقون الفوتيك والمزانيك والشمغ والارض . 
 
وكان صديقي عمر ابن صفي الذي يكبرني بعامين يتلذذ وهو يراني احيك له سيارة الاسلاك ويحاول في كل مرحلة من مراحل صناعتها ان يضع احلامه فيها ويتدخل في كل تفاصيلها  لاضع له بعض التعديلات والافكار خاصته  والتي يراها تناسب احلامه ... كان صديقي عمر نقيا تماما مثل سيل الزرقاء الذي كان يجري حول حقول هؤلاء الصبية البسطاء ويمد اراضيهم  الخصيبة بالماء قبل ان تلوثه ايادي هؤلاء الفاسدين الذين خربوا كل شيء  .. 
 
لا استغرب ابدا انني مازلت الى يومنا هذا ازور متاجر الالعاب خصوصا حينما كنت بامريكا بعيدا عن عيون المستغربين والمتطفلين حيث اسد رغبة جامحة في داخلي كبرت انا وشخت ومازلت تلك الرغبة صبية صغيرة في مخيلتي .. 
 
واليوم اثناء مروري من السوق لفتت انتباهي بعض الالعاب في إحدى المتاجر اعادتني للزمن القديم فأخذت اختلس النظرات واسرق بعض اللحظات لاشبع غريزة اصيلة في روحي ثم التفت خلسة حولي لأرى صديقي عمر الذي لم اشاهده منذ سنين طوال والذي قارب الخمسين من عمره يختلس النظر مثلي تماما لذات اللعبه في متجر الالعاب ويمني النفس بها .. كان عمر ذات الطفل الذي نشأت واياه في ذات البيئة التي اساس تكوينها الحرمان والبؤس والقناعه .. فصرخت به باعلى صوتي : انته عمر ؟؟!! فرد علي بالايجاب وحاول ان يتظاهر انه وقف امام متجر الالعاب مصادفة ليصلح رباط حذائه .. فضحكت من قلبي ورأيته يغادر حتى ابتلعه زحام السوق .
مواطن اردني من إحدى شعاب هذا البلد الصامد


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد