مسرحية القرصنة وادعاءات الواشنطن بوست - ممدوح المهيني

mainThumb

18-07-2017 02:29 PM

 التقرير الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست عن الادعاءات بأن الإمارات خلف قرصنة وكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات لأميرها، يفتقد للحقائق ومتناقض ولا يعتمد على مصادر معلنة، وإنما فقط تقارير استخباراتية مجهولة.

السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة رد عليها، وقال إنها ادعاءات كاذبة، وحتى لو لم يصرح فإن أي متابع محايد سيدرك أن التقرير يستند إلى أسس صحافية هشّة. اتهام صريح بهذا الحجم يجب أن تُقدَّم معه وثائق تؤكد هذا الاختراق، أو يكشف عن أحد المصادر المجهولة. في كلتا الحالتين فشلت الصحيفة في توفير المعلومة الموثقة، ولكنها قامت بمناقضة نفسها حينما أشارت إلى أن مصادرها السرية لا تعرف إن كانت أجهزة إماراتية قامت بالقرصنة أم كلفت بها طرفاً خارجياً!
 
يستغرب البعض أو حتى يحتج من كون صحيفة شهيرة مثلها لا يمكن أن تتعامل مع هذا الموضوع بهذه الخفة. والحقيقة أن البوست صحيفة كبيرة قبل أن يتراجع مستواها وتفقد قوتها إلى جانب وسائل إعلامية كبيرة، مثل النيويورك تايمز والسي أن أن، ارتكبت العديد من الهفوات والأخطاء المحرجة. صحيفة النيويورك تايمز اعتذرت مؤخراً عن تقرير نشرته عن الرئيس ترمب وعلاقة مريبة مع روسيا، حيث قالت إنها اعتمدت معلومات من ١٤ مصدراً يعملون في أجهزة استخباراتية، اتضح بعد ذلك أنها ٤ فقط.
 
ولا تسأل عن القصة، فلم تثبت حتى هذا اليوم مصداقيتها. وعلى نفس طريقة تقرير "القرصنة الإماراتية" تشير تلك القصة إلى مصادر استخباراتية مجهولة وترمي الاتهامات جزافاً. بهذه الطريقة لا يمكن إثباتها أو نفيها. يقوم المتهم بالدفاع عن نفسه ولا تقوم الصحيفة بعدها بأي دور لإثبات ادعائها. ماذا تفعل حينها؟ لا شيء وتمضي لكتابة قصة جديدة.
 
محطة السي أن أن قامت مؤخراً بنشر تقارير مزيفة، وفصلت ثلاثة من موظفيها، وغيرت في طريقة عملها، حيث لا تنشر مواضيع حساسة إلا بعد أن يوافق عليها كبار محرريها. نشرت تقريراً مزيفاً معتمداً على مصادر مجهولة - مرة أخرى - عن ارتباط أنثوني سكاراموتشي، كبير مستشاري ترمب بروسيا، وسعيه لرفعه العقوبات عنها. قصة مختلقة بالكامل، واعتذرت هذه المرة الشبكة ولكن لسبب منطقي. اتصل بها سكاراموتشي، ولمح لرفع قضية. فهمت المحطة وسحبت التقرير وطردت من كتبوه. 
 
كل هذا يؤشر إلى تراجع مؤسف بالعمل الصحافي حتى في وسائل الإعلام العريقة، حيث يقوم الصحافيون تحت ضغط السرعة، أو بحثاً عن التفرد، أو رغبة في شهرة سريعة، أو انطلاقاً من ضغينة أيديولوجية، بنشر تقارير تعتمد على اتهامات خطيرة بدون دلائل واضحة ومثبتة. ولأن سقف المعايير المهنية انحدر، تتكاثر مثل هذه القصص ويزيد عدد بائعيها ومروجيها.
 
دول كثيرة، أبرزها السعودية، كانت محط اتهامات خطيرة تتعلق بدعم الإرهاب والتورط بأحداث ١١ سبتمبر، وكتب الكثير عن الانفرادات الخاصة والـ 28 صفحة السرية التي تكشف تورطها، ولكن كلها تبين زيفها بعد ذلك. كثير من هذه الادعاءات اعتمدت على تقارير استخباراتية مثيرة للشكوك ولكنها انتهت إلى لا شيء حرفياً. هل انتهت هذه الاتهامات؟ وهل قدمت هذه الصحف رواية ثانية جديدة مصححة؟ بالطبع لا. لا شيء بل رددت نفس الاتهامات اعتماداً على التقارير السرية ذاتها.
 
تعبير "التقارير الاستخباراتية" يجب أن يؤخذ بحذر لأسباب عديدة، أحدها أن البيانات المنقولة قد تكون مغلوطة بشكل كامل، أو أن المصدر مخادع ولا يملك أي معلومة موثوقة وإنما ثرثار تحوم برأسه شبهات وربما أمنيات. السبب الثاني متعلق بالانحياز الكامل، حيث يتحدث هذا المصدر المجهول لدعم وجهة نظره وليس لتأكيد الحقيقة. مؤخراً شاهدت مقابلة مع مايكل موريل، النائب لوكالة الاستخبارات الأميركية، الكاره لكل ما يفعله الرئيس ترمب، هاجم الرئيس بسبب خروجه من اتفاقية باريس للمناخ، وأحد تبريراته أن تغير المناخ سيؤدي في المستقبل لنشوب حروب بين الدول. مبالغة لا يمكن هضمها. جعل مستقبل البشرية المناخي ونشوب حروب بربرية بحثاً عن الماء والكلأ مسؤولية رجل واحد فقط. أذكر هذا المثال من شخص كبير في الاستخبارات لأؤكد أن الأسماء الكبيرة قد تتفوه بأتفه الكلمات، وتتحول بسرعة إلى تقارير صحافية لا يطالها الشك.
 
وعودة إلى مسرحية القرصنة القطرية المفبركة التي ظهرت بطريقة إعجازية ليس فقط في الوكالة الرسمية ولكن أيضاً في التلفزيون الرسمي ومواقع إنجليزية قطرية، فلقد باتت قصة بالية عديمة الأهمية. سياسة الدوحة العدائية وتمويلها للإرهاب واحتضانها للمتطرفين، حقائق واضحة تنقل بعضها على الهواء، وليست بحاجة إلى قراصنة ومتآمرين يثبتون ما هو معروف من سنوات.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد