جمر في القلب جزيرة الوراق ومحمدين

mainThumb

19-07-2017 04:13 PM

خرج منتفضاً على غير عادته.. تميد به الأرض كالمخمور.. أليس القهر يسكر حتى الموت!  تجاوز ممرات مبنى الإدارة حتى تصلبت قدماه أمام مكتب المالية.. رفع قبضة يده المتشنجة فانهار قبل أن يطرق الباب مهزوماً... ومات! هذا باختصار شديد.
 
كل شيء تبين لي بعد أن تخاطفت جثمانه الأيادي وهم يهتفون بصوت واحد" الوراق ليست غزة يا ......"
 
وفي هذا اليوم أغلق المصنع حتى تستقر الحالة.. وعممت أوامر الإدارة بإغلاق المصنع وإخراج العمال ففشلت.
 
في مكتب المدير العام كانت جوازات السفر للعمال المصريين ملقاة على مكتب المدير العام كالنفايات..
 
زحف المخول بالقرار الإداري بعينيه التائهتين بين الكلمات بعصا كفيف ماتت الدهشة في قلبه .. باحثاً عن مبرر أن يقوم  بتسليم هذه النفايات لأصحابها من العمال المقهورين خلافاً للتعليمات.. والهتافات خارج المبنى تشق عنان السماء:
 
" لسنا بهائم يا ريس.. "
 
دخل قنصل السفارة المصرية لمكتب المدير الذي تجاهل وجوده وهو يقلب هذا العبء الذي بين يديه بيدين متوترتين.. وقد استقرت عيناه على جواز سفرٍ يحمل اسم الفقيد..
"محمدين حسن نبوي..
 
العمر 52 سنة
 
المهنة: معلم بناء
 
السكن : جزيرة الوراق"
 
وفجأة استيقظ وعي المدير على يد القنصل الممتدة إليه وقد عبقت بعطر مزيف يزكم الأنوف.. صافحه ببرود ثم خلص يده كأنه يبعد شاهده عن الزناد.. ودعاه للجلوس باحتقار.. ومحمدين يستعيد انتباهه مرة أخرى ليتابع القراءة في الصفحة التالية:
 
" الزوجة :خديجة
 
الأبناء: 1.. 2.. 3...........17!!!!!!
دارى المدير دموعه التي ترقرقت في نافذتي وجهه المتجهم..  وبالمناسبة هو أيضاً مصري من النوبة وكان أول المنتخبين للريس.. قال بلهجة صعيدية:
- هذا ضحية أخرى لمأساة الوراق.
 
فرد القنصل باستهجان:
 
- اعترض على هذا التعليق.. ولدي الحق بمقاضاتك باسم مصر.. جئت للتحقيق في ملابسات موته بناءً على اتصالات جاءتني من بعض العمال.. تحديدا...
فقاطعة كمن أمسك بتلابيب متهم:
 
- أنا المتصل.. بادرت بذلك حتى أسمعك إدانة المصريين خارج الشركة لبيع الجزيرة للمافيا.. اسمع هتافاتهم ضدكم.. أنا مصري مثلك..
 
- أنت مثقف ومن المفروض أن تدرك موقف بلادك المستباح من قبل الإرهاب.. فهؤلاء ثلة من الإرهابيين تغلغلت بين البسطاء لتورطهم في تخريب مصر!  
 
- بل أسماك تتلوى بين فكي القرش.. جئت بك إلى هنا لتجلس إليهم فهل لديك الجرأة على فعل ذلك..
 
- إلام ترمي! ومن يقف وراء فعلتك هذه والمخالفة للنظم الإدارية للشركات! هل أنت من الجماعات الإرهابية!  بهذا تتجاوز حدودك.. ضعني في تفاصيل الحدث من فضلك وتصرف بدبلوماسية..
 
- محمدين مات مقهوراً لأنه فصل مرتين من الشركة كونه يثير المشاكل دفاعاً عن "الريس".. فقتلته الخيبة.
فرد القنصل ساخراً:
 
- إذن سنحاسب الخيبة.. فهي الإرهاب بعينه..
 
خرج المدير دون أن يعقب على كلام القنصل.. واسترد صبره قبل أن يلكمه على وجهه فيفقد الموقف بريقه..
 
 أخذته جانباً بحكم مسؤولياتي الإدارية، وكنت قد دخلت المكتب برفقة الضيف، وها أنا أخرج بالمدير هامساً في أذنه:
 
- أنت تأزم الموقف مع أصحاب الشركة.. وتورطهم مع سفارة بلادكم.. عد وصلح الموقف، الرجل في الداخل مرتعد الفرائص!!
 
دفعني بلطف:
 
هذا مع تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطيني.. تدمير البيوت فوق رؤوس الناس الآمنين.. كرهت كل ما يتعلق بالاستثمارات ما دامت تتغول في مصر إلى درجة أن يلتهم سمك القرش الطيبين في الوراق..
وموقفك أمام الإدارة!
 
فرد ساخراً:
 
- أرسلت استقالتي عبر بريدي الالكتروني قبل قليل
- والضيف!
 
- ها هو يعوم في غضب المصريين..
كان العمال المصريون يزحفون هاتفين نحو المكتب الذي غاص بهم، يطوقون القنصل كحبل المشنقة..
 
فاستدرجت على الفور الحراس لفض أي اشتباك قد يحصل بالداخل حماية للضيف المغبون:
 
- اتصلوا بالأمن.. القنصل مطوق بالعمال المصريين.. لا نريد كوارث في المصنع..
 
وفي المكتب.. كان القنصل يجاهد في امتصاص غضب العمال في محاولة منه لفض هذا التلاحم الذي تأجج خلف جثمان محمدين.. وحنجرة أحدهم تردد:
" قتله خبر ما جرى في جزيرة الوراق.. أنتم قتلتموه!
 
 
" قتلته الخيبة"
 
"بل المال الفاسد"
 
محمدين ليس إرهابياً.. هدمت الجرّافات بيته الذي ما زال يسدد أقساطه.. من يعوض ثمن غربة محمدين"...
 
لا أدري كيف خالفت التعليمات هذه المرة، كوني رئيس قسم الأمن والسلامة في الشركة، والتي تفرض عليّ فضهذه الجمهرة الملتهبة.. تركتهم في الكتب كالأبكم الكفيف: " صراع بين الأخوة".. كأن قلبي وضميري يرى ما وراء هذا المشهد وقرأ ما بين السطور:
 
إنه صراع بين الإخوة الحكم هو الله"
ثم ضارباً كفاً بكف أثناء نزوله السلم باتجاه مكتبه:
"لك الله يا مصر!!"

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد