جيش القرن الحادي والعشرين .. سلاحه 140 حرفاً - رقية الزميع

mainThumb

20-07-2017 12:31 PM

 هذه الأيام أصبح امتلاك هاتف محمول أمراً حتمياً لكل فرد، أجهزة الكمبيوتر في متناول الجميع أيضا، كما أن كثيرا منا أصبح لديه وجود رقمي – من خلال حسابات وسائل التواصل الاجتماعي - توفر له حراكاً من نوع ما في هذا العالم الافتراضي. وقبل ذلك، لدينا مئات القنوات التلفزيونية الفضائية ومحطات الإذاعة، كما يوجد ملايين المدونين، وملايين أخرى من صفحات الفيسبوك، ومليارات -حرفيا- من صفحات الويب. وسائل الإعلام اليوم أكثر انتشارا وأكثر فوضى من أي وقت مضى. أصبح للإعلام - بكل أذرعه سواء الرسمي أو التقليدي أو على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي- دور أكبر في تشكيل الرأي العام أو المساهمة بدور قوي في ذلك .

على مر التاريخ، استخدمت الحكومات والجماعات الأخرى الدعاية لإقناع الشعوب بتفاصيل معينة. وحتى وقتنا الحاضر تستمر الحكومات في استخدام الدعاية، لأنها فعاله على نحو كبير. فعاليتها تكمن في إثارة ردود فعل عاطفية، وليس من المهم أن تكون عقلانية، هذه الاستجابات العاطفية غالبا ما تكون هي الدافع لدى العامة لدعم قضية ما، حيث تعمل الدعاية بشكل أفضل عندما يتم نشرها على مجموعات كبيرة من الناس. استخدم الرئيس الأميركي السابق بوش الابن الإعلام للتعبئة الشعبية لضرب العراق، في عام 2003، ذكرت دراسة نشرت من قبل Fairness and Accuracy Reporting (FAIR) أن شبكات الأخبار الأميركية تركز بشكل غير متناسب على مصادر مؤيدة للحرب، وأغفلت بشكل متعمد العديد من المصادر المناهضة للحرب. ووفقاً للدراسة، فإن 64% من مجموع المصادر كانت لصالح حرب العراق. كما أجرت دراسة مماثلة في 2004، ووفقاً لهذه الدراسة فإن المسؤولين الحكوميين أو العسكريين الحاليين -آنذاك- أو السابقين شكلوا 76% من جميع المصادر البالغ عددها 319 مصدراً للقصص الإخبارية عن العراق التي بثت على قنوات الأخبار الشبكية. والآن يقوم الإعلام الأميركي بذات الدور للتعبئة ضد الرئيس ترمب من حملات تستهدف النيل منه.
 
هو بالفعل مشابه للدور الذي اضطلعت من خلاله قناة الجزيرة رائدة الفبركة الإعلامية في الشرق الأوسط. وسمت الجزيرة نفسها بمنبر من لا منبر له، من خلال هذه البروباغاندا استطاعت الترويج لنفسها إقليمياً ودولياً، ولعبت دوراً كبيراً في تنفيذ الأجندة السياسية للنظام الحاكم في قطر لأجل نشر الفوضى والسيطرة على المنطقة، وهو السيناريو المطلوب من قناة الجزيرة في صياغة خطابها الإعلامي من خلال تعمدها إغفال الحقائق بشكل روتيني، وتزوير القصص، ومتابعة نشر الأكاذيب الصريحة في وسائل الإعلام عن المملكة والدول العربية، وإشعال نار الفتنة داخلياً، وتأليب الشعوب على حكوماتها. في تقرير لمجلة الفورين بوليسي في العام 2011 عن دور الدعاية التي قامت بها الجزيرة للتعبئة من أجل زعزعة الأنظمة العربية بأن الثورة في تونس لم يكن لها أن تنجح لو لم تتمكن الجزيرة من نشر دعايتها والتعبئة الشعبية. هتف المتظاهرون "عاشت الجزيرة" في إشارة للدور الرئيسي الذي اضطلعت به هذه الشبكة الفضائية على إحداث الثورات الشعبية في الشرق الأوسط بعد 15 عاماً من بدء البث. توقن الحكومة القطرية أنها لا تملك موارد بشرية تستطيع من خلالها المنافسة إقليمياً، أو تحقيق أهدافها، لذلك استخدمت المال الذي تمتلك منه الكثير والزائد عن حاجتها لخدمة أجنداتها السياسية، والجزيرة إحدى أبرز أذرع النظام القطري لتحقيق أجنداته السياسية التخريبية في المنطقة.
 
سألت هيئة الإذاعة البريطانية فريقاً من الخبراء عن التحديات الكبرى التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين، كثير منهم ذكروا أن مصادر المعلومات الموثوقة هي واحدة من أكثر المشاكل إلحاحاً اليوم. في بعض النواحي، إنها التحدي الأكبر. فبدون نقطة انطلاق مشتركة أو مجموعة من الحقائق التي يمكن أن يتفق عليها الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر مختلفة سيكون من الصعب معالجة أي من المشاكل التي يواجهها العالم الآن. إنه لا ينبغي التقليل من شأن التهديد الذي يشكله انتشار المعلومات المضللة. لقد دخلنا عصراً سياسياً جديداً، ويسود الاعتقاد بأن مستقبل الحوار الحر والبناء يعتمد على قدرتنا على فهم ذلك التحدي. تحديد القضايا التي يجب تغطيتها، وبكل تفاصيلها، تفسير الحقائق وفي أي سياق - والعكس بالعكس، لتحديد القصص التي ليست "أخباراً" وبالتالي لن يتم تغطيتها.
 
الآن يبدو أن وسائل الإعلام الاجتماعية – إن صحت التسمية - كالفيسبوك وتويتر وغيرها، هي الأكثر هيمنة وفعالية، نظراً لأن لديها أنظمة أقل تشدداً ومرونة أكبر بصورة أكبر من وسائل الإعلام التقليدية. إنها غالباً ما تكون رسالة مشتركة فيما بين مجموعة من الأصدقاء أو المتابعين ولدت وسائل أخرى، ومن خلال أدوات تضمن سهولة وصول المعلومات كالوسوم – الهاشتاغات – أو الانفوغرافيك، لتختصر المعلومات في صور يسهل على الكل إلقاء نظرة سريعة لمعرفة المحتوى دون إنفاق الكثير من الوقت في مشاهدة فيديو وثائقي أو قراءة تقرير من عدة صفحات، ولا ننسى توفيرها للاستبيانات السريعة التي لا تحتاج سوى بضعة خيارات للضغط عليها لتظهر لك وللآخرين النتيجة! بتلك السرعة والسهولة، أي أنها أصبحت وسيلة ميسرة للاطلاع لكن بالتأكيد ليس للعلم وزيادة المعرفة. هذه "المساهمات البسيطة" (مثل: التغريد، والإعجاب وإعادة التغريد والوسوم وغيرها) التي تشارك من خلالها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة في الحراك السياسي الاجتماعي، نستطيع من خلالها التعرف على القضايا وتشكيل الهوية الجماعية ومن ثم العمل على دعم مصالح تلك الهوية. أضحى الإعلام الاجتماعي لاعباً أساسياً في مختلف جوانب الحياة ولم يعد مهنة محتكرة على الإعلاميين كما كان الإعلام التقليدي في السابق، الكل يتسابق ليحتل منبراً في الواقع الافتراضي، تتجاوز دائرة تأثيرها لتشمل أيضاً إعادة تشكيل الخطاب السياسي -على مستوى العالم – والذي بدأ يتقلص ليتناسب وشاشات الهاتف الذكي الذي بحوزتنا، ويراعي الصياغة واللغة التقنية المستخدمة في تلك المنصات. أصبحت الحكومات برؤسائها ودواوينها ووزرائها تتنافس لجذب المتابعين ولإيصال رسالتها من خلال بضعة حروف لا تتجاوز 140.
 
جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام التقليدية، وتماشياً مع الموقف الرسمي والرأي العام الواقعي في المملكة، أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي المحلية - منذ اللحظات الأولى للأزمة - قوة وحرفية في هز الموقف القطري في مسعى كان الهدف منه التصدي للبروباغاندا القطرية ووسائل الإعلام المضاد وفضحها ممارساتها الآثمة بحق المملكة ورموزها وفي المنطقة والعالم بشكل عام أمام الرأي العام المحلي والإقليمي، من خلال جيش إلكتروني ملتزم محبة وطوعاً بالدفاع عن سيادة وأمن وطنه.
 
أيضا دعمت وسائل التواصل الاجتماعي بنجاح منقطع النظير موقف المملكة من الأزمة، من خلال توفير الزخم الإعلامي المتسق مع الحدث حتى أصبحت وسيلة ضغط يعول عليها كثيراً ويصعب التصدي لها أو المرور فوقها أمام كل من يحاول المساس بأمن المملكة. المسعى الذي قامت به بكل اقتدار حتى أصبح مصدر قلق للنظام القطري لما لها من تأثير مباشر امتد إلى الداخل القطري والرأي العام العربي والعالمي وزاد من عزلة قطر السياسية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد