التكييف القانوني لجريمة الدبلوماسي الأسرائيلي في الأردن - منير ابراهيم أبو شمالة

mainThumb

26-07-2017 04:45 PM

بعيدا عن السياسة والعاطفة محاولة للتكييف القانوني لهذه الجريمة وإعتمادا على ما كشفه وزير الداخلية الأردني غالب الزعبي للبرلمان الأردني يوم 25 من هذا الشهر، من تفاصيل حادثة القتل في السفارة الإسرائيلية في الأردن  ، حيث قال " أن التحقيقات اثبتت أن الشاب محمد جواوده قام بسحب "مفك" وأنقض به على ضابط الامن الاسرائيلي وطعنه بالمفك ..، هنا أصبح العمل جرمياً ، ليقوم ضابط الامن الإسرائيلي باستخدام سلاحه مما أدى الى مقتل الشاب وإصابة الطبيب بشار الحمارنة الذي توفي لاحقا...".أنتهى
 
بداية وقبل الخوض بالحصانات ، أنه طبقا لتشخيص وزيرالداخلية الأردني للوقائع التي نفهم منها بأن هذا الضابط كان في حالة الدفاع عن النفس....وهنا نتوقف عند حق الدفاع الشرعي وقواعده ، وبشكل سريع نجد أن طفل في أل17 من العمر يهدد ويعتدي على رجل أمن مدرب ومسلح ، يستدعي من الأخير أن يطلق النار فورا وفي منطقة قاتله من جسم الطفل ...هذا التصرف لا يتفق مع القواعد العامة لحق الدفاع الشرعي النصوص عليه في كل القوانين الجنائية ، وخاصة مبدأ التناسب والذي ينص على التعادل الكمي بين فعل الدفاع عن النفس وخطر الاعتداء وجسامته ، أى أن تتناسب وسيلة الدفاع مع وسيلة الاعتداء فإذا كان الأعتداء  بالايدى ، أو بشئ بسيط مثل " مفك "... فلا تكون وسيلة الدفاع بالسلاح. وكذلك إذا كان المعتدي طفل ...أو رجل ضعيف البنية.. والمدافع قوى البنية ..كرجل أمن مدرب ...فلا تناسب بين القوتين ، وبالتالي إذا طبقنا هذه المبادئ العامة على حالة جريمة القتل التي وقعت في سكن السفارة الأسرائيلية في الأردن ، فأنه لا يمكن إعتبار ضابط الأمن القوي البنية والمدرب ..كان في حالة الدفاع عن نفسه ضد طفل لم يبلغ 17 عام ...ومن صوره يظهر أنه ضعيف البنية ...وبراءة الطفولة مرسومة على وجهه...وكان بإمكان هذا الضابط السيطرة على الطفل إذا أفترضنا أن الطفل هو المعتدي ...وبدون قتله ..أو ممكن إصابته في أطرافه وشل حركته ...الضابط لم يفعل ذلك بل وجه له الطلقات النارية في الصدر بهدف قتله ..... إذا نحن أمام جريمة قتل عمد ضد الطفل محمد جواودة الأردني. ..
 
وبما أن ضابط الأمن الأسرائيلي مسجل لدى وزارة الخارجية الأردنية  بأنه دبلوماسي إسرائيلي.. كما صرح مصدر رسمي أردني..، وان مكان وقوع الجريمة هو شقة سكنية تتبع لسكن الدبلوماسيين الأسرائيليين ، وأن الضحيتين هم مواطنان أردنيان ..وبناءا على وصف وزير الداخلية الأردني لوقائع الحدث نحن أمام جريمة قتل متعمد للطفل (محمد جواودة)، وجريمة قتل غيرعمد للطبيب(بشار الحمارنه) الذي أصيب بطلق ناري بالخطأ... وتوفي فيما بعد ... وكيفما كان الحال هناك جريمة وقعت والمنفذ دبلوماسي إسرائيلي ..هذه الجريمة تتطلب بحث وتحقيق وفحص وتشخيص من طرف الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة الأردنية ..وبعيدا عن العاطفة والسياسة سوف نحاول إيجاد التكييف القانوني الذي ينطبق على هذه الواقعة.
 
بداية بإعتبار أن رجل الأمن الأسرائيلي دبلوماسي و يحمل بطاقة دبلوماسية سارية المفعول ،صادرة عن وزارة الخارجية الأردنية ، وإذا لم يكن موظف قنصلي أو خدمي ..إلخ، "حيث في هذه الحالة الأمور تختلف" إذا كان دبلوماسي فإنه يتمتع بالحصانة الدبلوماسية بشقيها القضائي والتنفيذي ، أمام الأجهزة الأمنية والقضائية الأردنية ، وبالتالي لا يحق لأي جهة رسمية أردنية أن تسدعيه أو تسأله أو تحقق معه أو تجبره على المثول أمام القضاء ..أو حتى تجبره على الشهادة في قضية ما ...إلا إذا تنازلت دولته المعتمدة " إسرائيل " عن حصانته ، ولا يحق له هو التنازل عن الحصانة ، لآنها تخص دولته وليس هو بشخصه .إلا في حالة طلبه للشهادة في قضية ما يمكن له أن يقرر أن يدلي بشهادته وبالطريقة التي يريدها أو لا يدلي ..للدولة المعتمد لديها  الأردن إما طلب رفع الحصانة عنه من دولته وبالتالي يصبح شخص عادي يمثل أمام القضاء ..وإذا لم يتم ذلك تستخدم الطريقة الثانية وهي طرده وإعتباره شخص غير مرغوب فيه . ولكن هل تنتهي حقوق دولة الأردن نحو هذا الشخص هنا فقط ؟ لمحاولة الأجابة على هذا التساؤل لابد من القول أن الحصانة القضائية للدبلوماسيين ليست حصانة ضد القانون ، بل هي حصانة تحول دون تطبيق القانون ، أما الحصانة التنفيذية فهي تحول دون تنفيذ أحكام القضاء ، فالحصانة القضائية و التنفيذية لا تنزعان صفة الجرم عن الفعل المرتكب إذا توافرت فيه عناصر الجريمة، وإنما تحول دون محاكمة الفاعل أو إلقاء القبض عليه وتنفيذ الأحكام عليه في الدولة المضيفة، ولا  تحول دون محاكمته أو إلقاء القبض عليه في دولته. ..
 
ولا شك إن موقف اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 واضح بشأن الحصانة الجزائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون، لأن المادة 31 نصت على الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين في المسائل الجنائية بصفة مطلقة.. ، و إذا كانت هذه الحصانة تخدم الدبلوماسيين  وأيضا ضبط علاقات الدول مع بعضها البعض ، ورغم أن هذه الحصانة لا تعني أبدا عدم احترام المبعوث لأنظمة الدول المضيفة، وأن عليه احترامها طبقا للعرف الدولي المقنن في اتفاقية فيينا عام1961، إلا ان هذه الحصانات المطلقة في كثير من الحالات تؤثر سلبيا على مبدأ حقوق الإنسان، فالدولة التي هي طرف في اتفاقية فينا لعام 1961 للعلاقات الدبلوماسية ، تجد نفسها كدولة مضيفة  يصعب عليها إنتهاك الحصانة القضائية التي نصت عليها المادة 31 من اتفاقية فيينا لأنها إن فعلت ذلك تكون قد أخلت بقواعد القانون الدولي ، وهي أيضا ملتزمة بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان ،وبالتالي تجد نفسها في مأزق عندما تتعارض هذه الحصانات الممنوحة للدبلوماسيين مع حقوق مواطنيها الذين تضرروا من تجاوزات وجرائم الدبلوماسيين، وهذا الموقف الذي فيه الأردن الأن...
مما لا شك فيه أنه ثبت أن الحصانة الجنائية للمبعوث الدبلوماسي في كثير من الحوادث أنها تسئ لمبادئ حقوق الإنسان، وذلك لعدم إمكانية محاكمة من يتمتع بها جنائيا أمام المحاكم الوطنية عن الجرائم التي يرتكبها، فضلا عن عدم إمكانية مطالبته مدنيا في أحوال معينة بالحقوق المدنية الناجمة عن الفعل الذي ارتكبه .
 
 وحيث أن حقوق الإنسان لها مكانتها المقدسة في القانون الدولي، وهذا ما أكدت عليه المواثيق الدولية، ولا يجوز للدبلوماسيين إستخدام حصانتهم بالتعرض لأهم حق للأنسان وهو الحق في الحياة . وأن ميثاق الأمم المتحدة قد نص على سمو حماية حقوق الأنسان الأساسية على الحصانات الدبلوماسية وغيرها من نصوص الأتفاقيات الدولية عندما نص في المادة 103 من الميثاق على أن :" إذا تعارضت الألتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي إلتزام دولي آخر فيجب أن يعتد بالألتزامات المنصوص عليها في هذا الميثاق.
 
وقد نصت المادة 27 – الفقرة 2 من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي أنشأت عام 1998 على " أن لا تحول الحصانات والقواعد الأجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء في القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة إختصاصها على هذا الشخص .." وبالتالي لم يعد يتمتع المبعوث الدبلوماسي بتلك الحصانة المطلقة وخاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وبمعنى آخر هذا النص يقول أن الحصانات التي منحت للدبلوماسيين لممارسة وظيفته بطمأنينه ، لا تعني الأفلات من الجرائم التي يرتكبوها..، وأن القانون الدولي عبر اتفاقية فينا الدبلوماسية قد منحهم التمتع بالحصانة أمام محاكم الدول  المعتمدين لديها وذلك لتسهيل القيام بمهامهم الوظيفية ، ولكن نفس القانون المانح لهذه الحصانة ، يوقفها عند إرتكاب جرائم يعاقب عليها القانون الدولي وخاصة ما يتعلق بحقوق الأنسان المقدس في هذا القانون .
 
وبتطبيق ما سبق على حالة جريمة القتل المرتكبة من طرف الدبلوماسي الأسرائيلي بحق الطفل الأردني محمد جواودة ،أنه امام الأردن كدولة معتمد لديها هذا الدبلوماسي ، وكونه أرتكب فعل إجرامي خارج إطار عمله الوظيفي ولا يمكن إعتباره دفاع شرعي عن النفس ، وبعد أن عاد لدولته ....فأنه بإمكانها مطالبة محاكمته في دولته على جريمة القتل طبقا للمادة 31 بند 4 من إتفاقية فينا الدبلوماسية ، التي تنص على عدم إعفاء المتهم من الخضوع لقضاء دولته ، كما تم محاكمة المواطن الأردني الذي قتل البنات الأسرائيليات بعد إهانته والتعدي على كرامته ....وإذا لم تتمكن من إجبار أسرائيل على محاكمة هذا الشخص ...، يمكن لها أن تحاكمه غيابيا طبقا للقانون الأردني حيث أن بعد إنتهاء الحصانة بمغادرة الدبلوماسي ، يحق للقضاء في الدولة المعتمد لديها أن يقاضيه على جرائم أرتكبت أثناء فترة تمتعه بالحصانة وأن تلك الجرائم ليس لها علاقة بممارسة مهامه الوظيفية .وتقديم طلب تسليمه عبر الأنتربول...وإذا لم يتسنى ذلك.. على الأقل يبقى مطلوب ومهدد بالاعتقال أينما ذهب... لأن الحصانة القضائية لا تنزع صفة الجرم عن الفعل المرتكب إذا توافرت فيه عناصر الجريمة، وإنما تحول دون محاكمة الفاعل أو إلقاء القبض عليه وتنفيذ الأحكام عليه في الدولة المضيفة أتناء تمتعه بالحصانة . 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد