هل نحن في ظل الزمن الإسرائيلي؟

mainThumb

30-07-2017 02:28 AM

إسرائيل ومنذ نشأتها عام 1948 تحصلت على اعتراف دولي منذ لحظة إعلانها وخاصة من القوتين الأعظم آنذاك، الاتحاد السوفييتي و الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ قيامها كدولة، فقد عكفت على حشد التعاطف والتأييد الدوليين، وكانت مهتمة بترسيخ شرعية قيامها عبر الاعتراف الدولي و جملة معاهدات و تبادل مصالح و حزمة قيم مشتركة نجحت في تسويقها عبر شبكة علاقاتها السياسية والدبلوماسية و العسكرية الفاعلة دوليا، حتى وصلنا لمرحلة أن الاعتراف أصبح هو الأصل وعدمه هو الاستثناء.

 
ربما كان قيام (الكيان الصهيوني) على حدود 1948 هو حصيلة تفاهمات وإرادة دولية ترسخت منذ (وعد بلفور) و تبنتها بريطانيا عملانيا على الأرض، كدولة انتداب آنذاك، و قد يستطيع المرء "تجاوزا" التسليم بأن إسرائيل على حدود 1948 هي نتاج تفاعلات وتفاهمات عميقة للقوى العظمى، و للموضوعية لم يكن لدى جملة القوى العربية ( والتي كانت ما تزال تحت الاستعمار أو الانتداب الأوروبي ) القدرة الحقيقية لدرء مثل هذه الإرادة، وخاصة في ظل الوجود العسكري على الأرض لكل من بريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص في الشرق العربي.
 
الطامة الكبرى وقعت على الرأس العربي في نكسة 1967 والتي حولت الصراع من مستوى "إنهاء الكيان الصهيوني" إلى إمكانيات "تحرير" الأرض العربية المحتلة في الجولان السورية، والضفة الغربية الأردنية، وغزة المدارة مصريا وسيناء. 
 
اتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل (كامب-ديفيد) كانت التحول الأكبر في الصراع، ليتحول من قضية حرب (عربية- إسرائيلية) إلى قضية صراع (فلسطيني-إسرائيلي) ومن هناك نمت الجرأة على بدء تأطير القضية لتصبح (اتفاقيات سلام منفردة) عوضا عن صراع شمولي وجودي.
 
تفكك الاتحاد السوفييتي أفقد العالم توازنه الطبيعي، وترك القضية الفلسطينية رهنا لتفاهمات (واشنطن-تل أبيب) حصريا في ظل غياب حقيقي للحضور الدولي المؤثر في تسويات الصراع العربي الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تكون الولايات المتحدة هي الضامن للوجود والتفوق الإسرائيلي على إثر تبني واشنطن الملف عقب لندن المؤسسة لإسرائيل.
 
احتلال العراق للكويت كان قد قلب الطاولة على قضية فلسطين بشكل كارثي تماما، فقد أنهى الانتفاضة، و أدخل (ياسر عرفات) في مأزق مواقف تجاه الخليج المغدق على (منظمة التحرير الفلسطينية) بشكل قلص القدرات الفلسطينية بشكل جلي، والأهم أن العراق قد ولج الأعوام الثلاثين الأسوأ في تاريخه منذ احتلال بغداد على يد المغول، الأمر الذي حيد قوة عربية قومية رئيسية فاعلة في الشأن الفلسطيني.
 
الربيع العربي عام 2011 - والذي جاء لينهي الدكتاتوريات و ينشر الحرية و التنمية في الوطن العربي المتهالك - تحول إلى مجزرة مفتوحة على امتداد الأرض العربية، و نظرا لعدم نضوج القواعد الشعبية، و تماسك الدولة العميقة، و نجاح الثورة المضادة، والتدخلات الخارجية في دواخل الثورات، فقد أفشلت أحد أهم الحركات الشعبية العربية التحررية في التاريخ المعاصر.
 
الأهم من ذلك، أن الوطن العربي قد فقد كلا من العراق وسوريا ومصر و ليبيا و تونس واليمن لتصبح جملة دول غارقة في الفوضى والعنف والإرهاب. وربما الأهم من ذلك هو التمدد الإيراني المثير في العراق وسوريا و اليمن و لبنان.
 
بعد كل ذلك، اكتملت حلقات التراجع القومي العربي، لتجد إسرائيل نفسها اليوم واحة آمنة مزدهرة مستقرة في بحر محترق من العرب، والأهم أنها على وشك فرض الأمر الواقع و شروطها المعدلة للحل على الفلسطينيين الذين خرجوا (كآخر الرجال الواقفين) في الشرق العربي في حال تجاوزنا الانقسام الداخلي مابين حماس وفتح.
 
السؤال الذي يشغل الكثيرين هو: هل إسرائيل جادة في السلام؟ وهل هي مضطرة للتنازل والمقايضة؟ والأهم هو التساؤل: هل هي راغبة على إبقاء الأمور على حالها؟ والأخطر من ذلك: هل جاء على إسرائيل يوما كانت في حال أفضل من هذا الحال لكي تفرض شروطها على الجميع؟ 
 
أكثر ما يخشاه العربي اليوم هو أن يصبح هذا الزمن إسرائيليا بامتياز، حيث أن خريطة القوى في عام 2017 لم يعد فيها سوى (تركيا  و إيران و إسرائيل) على مستوى الشرق الأوسط، ولا يتصور أحد بأن العقد القادم يحمل أملا في استعادة أي دور عربي وقومي حقيقي في المنطقة. 
الأسوأ من كل ذلك هو ذلك الموسم المشؤوم للتهافت العربي الرسمي على ود تل أبيب، والذي ينذر  بآخر فصول الاندثار للحس القومي العربي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد