لماذا يجب أن نشكر المسيء لعبدالحسين عبدالرضا؟! - ممدوح المهيني

mainThumb

15-08-2017 03:31 PM

 الداعية اليمني علي الربيعي الذي أساء للفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا تعرض لهجوم كبير وانتقادات حادة مع أن المفترض أن نقوم بالعكس. نصافحه ونقول له شكراً جزيلاً.

 

نشكره لأنه ساعدنا على أن نرى بشكل واضح الطبيعة الحقيقية للتطرف الذي لا يحتل عقله فقط ولكن يسكن تياراً كاملًا من متطرفين صمموا لعقود خطاب كراهية مقيت لا يعرف أن يخفي قبحه حتى في لحظات الموت المهيبة.
 
وفي الوقت الذي يحاول فيه المتطرفون الأكثر خبثاً ودهاءً التمويه على قناعاتهم الحقيقية في لحظات الموت التي يحترمها جميع البشر الأسوياء خوفا من ردة الفعل حيث يلتزمون الصمت أو يتحدثون عن مواضيع أخرى لصرف الأنظار، يقوم الربيعي بالكشف عنه وعنهم بتغريداته معلناً بشكل تطوعي أهمية القضاء على هذا الفكر عبر قوانين تردع مروّجيه وثقافة وتعليم حديث ومستنير يحصن بهم الطلاب.
 
وإساءة الربيعي مهمة أيضا لأنها كشفت من خلال التغريدات التي ردت عليه واحتفت بالفنان الراحل عن التحولات الثقافية الإيجابية المشجعة التي مرت بها المجتمعات الخليجية في الأعوام الأخيرة.
 
في أوقات سابقة تعرض فنانون وصحافيون ومثقفون لمواقف من ذات النوع لكنهم لم يحظوا بالتأييد والدعم النفسي، بل على العكس. إساءات متكررة ومتواصلة في الحياة وبعد الموت يرددها هؤلاء المتطرفون علانية ولا يرد عليهم أحد خوفاً من جماهيرهم أو سلاح التكفير الذي يضعونه على أعناق المختلفين معهم. وأتذكر الموقف المخزي لأحد الدعاة عند قبر فنان سعودي وكيف رفض الصلاة على جنازته، والمؤسف حينها أن ردود الفعل كانت هزيلة وهناك من أيّده. ولكن نقد الفكر المتزمت خلال السنوات الأخيرة أضعف من منطقية خطابهم وضعضع قوة سلطتهم الجماهيرية. يتمنون الآن أن ينهشوا في جثة الراحل الكبير ولكنهم يجبنون خوفاً من سلطة الجماهير الواعية التي انتقلت إلى المدرج الآخر. ولهذا السبب تَرَكُوا زميلهم الربيعي يتعرض للسخرية والتوبيخ من المغردين بدون أن يهبّوا لمساعدته.
 
والشكر أيضا موصول للربيعي لأنه بدون أن يقصد أعاد الاعتبار لقيمة الفن في الخليج الذي تعرض لحملات منظمة محترفة لطخت سمعة الفنانين ظلما بالوحل، وجعلتهم أقرب إلى المنحلين الضالين من كونهم مبدعين وخلاقين. ربطوا الفن بالجنس والرذيلة وليس الخيال والإبداع. واختلقوا قصصا مكذوبة ومفتراة عن حالات التهتك والانهيار الأخلاقي المتفشية في أوساط الفنانين والمبدعين عموماً.
 
وأذكر أني قبل سنوات ذكرت أن أحد الفنانين الذي أعرفهم جيدا منتظم في حياته وملتزم في وقته وينام مبكرا، لكن القراء سخروا من الفكرة ولم يصدقوها لأنها تتصادم وجهاً لوجه مع الصورة المرذولة للفنان في مخيلاتهم. كل هذا يأتي في إطار الحملة القديمة المستمرة للحط من قدر الفن وحتى يتم غلق الباب على من يريد أن يكون مبدعاً وفناناً. وبذات الوقت قاموا بفتح باب التشدد والإرهاب على مصراعيه ووقفوا مرحبين بالداخلين . وهكذا شهدنا جحافل من المتطرفين وقلة خجولة ومرتبكة من الفنانين. وبات من السهل أن تشكل كتيبة مدربة من الإرهابيين على أن تشكل طاقما فنيا من المسرحيين والموسيقيين.
 
وهم أيضا من الذكاء والدهاء حيث زرعوا في ضمائر الناس منذ الصغر كراهية الفن والفنانين لسبب جوهري وهو أن الفن مرتبط بالحرية الفكرية والفردية، على عكس التطرف الذي يُؤْمِن بالانغلاق وحكم الجماعة. مشروعان أحدهما يلغي الآخر ولا يمكن أن يتعايشا جنباً إلى جنب. لا يمكن لمحب الفن الذي هو في تعريفه الأساسي حب للجمال والحياة أن يكون قلبه مليئاً بالأحقاد الطائفية وعقله مسكوناً بالفتاوى الدموية ويرسل من يريد إلى بوابات الجحيم.
 
الربيعي كشف لنا بكرم وإقدام يُشكر عليه طبيعة الحملات الظالمة على الفنانين المبدعين، وكذلك ذكّرنا بحقيقة الصراع بين ثقافة الحياة والتسامح وثقافة الكراهية والموت، ونبّه الجميع تقريباً إلى أن مصيرنا ومستقبلنا لا يمكن أن يكون مستقراً وسعيداً لو تركنا الكراهية والبغضاء الدينية تلغم المجتمعات وحتما ستفجرها وتدفعها إلى الانهيار الكامل والنهائي لو لم نفعل شيئا. وكل ما سبق يجعلنا نعرف أن الدعاة محترفو الكراهية هم رسل هذا المصير الخطير والداعين إليه مع كل إطلالة تلفزيونية أو تغريدة على تويتر.
 
وأخيراً يجب أن نشكرك أخ علي على أننا عرفنا حجم محبتنا وتقديرنا لهذا الفنان العملاق الذي لن يتكرر. زرع الفرح والسعادة الحقيقية في قلوب الملايين وقاوم الكراهية ورحل بطريقة تليق بالعظماء، محاطاً بالحب والاحترام والتوقير.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد