شواهد تاريخية حول المقاطعة السياسية - رقية الزميع

mainThumb

15-08-2017 03:34 PM

 المقاطعة في الأدب السياسي تعني عدم تعامل الدول مع دولة ما اقتصاديا وسياسيا. أو هي إحدى وسائل الضغط الدفاعي التي تقوم بها مجموعة من الدول لتحقيق أهداف سياسية. هذا الحق أصيل ويكفله لها القانون الدولي، بل هو في صلب حقوقها السيادية على أراضيها وأجوائها وحدودها المائية ومواردها ومكتسباتها ولا تعد المقاطعة للدول التي تشكل تهديدا على الأمن والسلم لدول أخرى سابقة لا يعرفها التاريخ السياسي أو الدبلوماسي على مدى تاريخ نشوء الدبلوماسية الحديثة أو حتى على مر التاريخ بين الأمم قبل ظهور الدبلوماسية بصورتها الحديثة.

الشواهد التاريخية والمعاصرة:
 
لاتزال الأحداث التي سجلها التاريخ وأحدثت المقاطعة أثرا لايزال قائما إلى وقتنا الحاضر، أو تلك التي لها وقع قائم في تاريخنا المعاصر، كلاهما حققت المقاطعة دورا فاصلا في حمل المعتدي للرضوخ والعودة لمبادئ القانون الدولي وحق تقرير المصير.
 
أشهر المقاطعات تلك الدعوة التي حملتها دعوة الزعيم الهندي غاندي في بداية القرن العشرين وتحديدا في العام 1930م للشعب الهندي للمقاومة بلا رصاص من خلال مقاطعة السلع والبضائع الإنجليزية، وأثر تلك المقاطعة في طرد المستعمر البريطاني ومنح الهند استقلالها في العام 1940م بعد سحب بريطانيا آخر جندي إنجليزي لها من الهند.
 
وفي ذات السياق وعلى مستوى منطقتنا العربية، يذكر التاريخ في أعقاب ثورة العام 1919م ضد الاستعمار البريطاني على مصر وتعرض فيها المصريون إلى أفظع أعمال عنف على يد القوات البريطانية، ظهرت بعدها دعوة الزعيم المصري الراحل سعد زغلول لمقاطعة البضائع والمنتجات الإنجليزية والشركات والبنوك التابعة للمحتل كرد على تلك المظالم مما شكل تهديدا لمصالح بريطانيا الاقتصادية ودفعها للرضوخ لمطالب المصريين برفع الحماية عن مصر في العام 1922م.
مقاطعة الدول العربية لجمهورية مصر العربية ردا على توقيعها لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني في العام 1979م وإصرار الرئيس المصري آنذاك أنور السادات على المضي بها وتفضيل المملكة تبني سياسة أكثر حسما تجاه المعاهدة، ما أدى إلى خروج مصر من الحلف الثلاثي الذي كان يجمعها بالمملكة وسوريا. ثم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، ثم قيام عدة دول عربية من بينها قطر بسحب سفرائهم وقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، ووقف تقديم المساعدات الاقتصادية مع مصر، إضافة إلى بعض الدول بسحب أرصدتها المالية المودعة لدى المصرف المركزي المصري. إلا أن المملكة جنبا إلى جنب مع الكويت فضلت مراعاة الروابط الشعبية وقامت المملكة بطلب إعارة 3285 معلما ومعلمة مصريين بمختلف التخصصات، وطلبت تجديد إعارة 7 آلاف معلم ومعلمة مصري ومصرية لمدة أربع سنوات لاحقة مع استمرار البعثات الطلابية في مصر للقيام بأعمالها مؤكدة من خلال وزير داخليتها أن المملكة لم تتخذ أي إجراء ضد دخول المصريين إلى السعودية.
 
كما لاتزال المقاطعة العربية لإسرائيل حتى الآن على الرغم من محاولات الكونغرس الأميركي فرض قوانين لتجريمها، إلا أنها لاتزال قائمة والتي كانت قطر أيضا منضمة تحت لوائها حتى وقت قريب بعد بداية العلاقات بين البلدين بعد مؤتمر مدريد ثم افتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي شمعون بيريز لقطر في العام 1996 وتعزيز الروابط بين البلدين عبر عدد من الاتفاقيات إلى أن تم إغلاقه في العام 2000م. المفارقة المثيرة للتعجب أن إسرائيل التي قامت بحقها مقاطعة منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية ولاتزال محاولاتها لكسر المقاطعة مستمرة، إلا أنها لم تتقدم بشكاوى للمنظمات الدولية ولم تدعِ الحصار.
الهدف من المقاطعة:
 
وفي إطار مفهوم واسع للأمن وعبر تعزيز إجراءاتها السياسية على النحو الذي يمكنها من كبح التطلعات القطرية، تبنت دول المقاطعة إجراءات سياسية تراعي مصالحها الحيوية عبر استراتيجية يصح التعبير عنها بالردع السلمي. حيث قامت المملكة بمقاطعة النظام القطري وعدم السماح له باستخدام أجوائها وأراضيها وحدودها المائية جنبا إلى جنب مع وقف أشكال التبادل الاقتصادي بين البلدين بهدف تحصين أمنها الداخلي والتصدي لمحاولات الدوحة التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة ودعم الإرهاب لمد نفوذها الإقليمي، الأمر الذي بات يشكل خطرا وشيكا على أمن المملكة ويستهدف استقرارها ويتعارض مع مصالحها وأيضا يشكل خطرا قائما على دول المنطقة.
هل من الممكن إقناع المجتمع الدولي بمزاعم الحصار؟
 
المحاولات البائسة التي يقوم بها النظام القطري للانحراف بمسمى المقاطعة إلى الحصار لكسب التعاطف الدولي وقلب المعادلة لا يعد أكثر من مناورة سياسية نتيجتها معروفة مسبقا. توقيع قطر لعقود بملايين الدولارات شهريا مع شركات تنشط في حملات الضغط وكسب التأييد وشركات علاقات عامة في محاولة لاستمالة الرأي الرسمي الأميركي، العويل والندب الإعلامي واستئجار إعلانات سواء ملصقات على سيارات الأجرة أو تلك التي تظهر بشكل عشوائي في صفحات الويب في الدول الغربية لادعاء الحصار واستجداء تعاطف المواطن الغربي هي مدعاة للضحك والشفقة في آن معا، ولا يجب أن تليق بدولة، للأسف تدرك قطر أن تلك المحاولات لن تؤتي أكلها وسوف تخسر كروتها، لأنه ليس بوسع أي سياسي أو رجل شارع في العالم التعاطف مع الإرهاب ومموليه ومخططيه.
 
علاوة على ذلك، في الواقع السياسي لا بديل يعول عليه في المسائل السيادية عن الدبلوماسية الكلاسيكية التي تمتلك المملكة العربية السعودية أدواتها برصيد يزيد عن ثمانين عاما وتفوق عسكري ودبلوماسي وسياسي واقتصادي مهما حاولت قطر استنزاف جهود المملكة سياسيا.
 
فضلا عما تقدم، لاتزال قطر تمارس سيادتها الكاملة على أراضيها وأجوائها وحدودها المائية ومنافذها وحرية السفر والتجارة والملاحة ضمن ما يقع تحت سيادتها.
 
يقول الفيلسوف السياسي السويسري امريش دوفاتل EMER DE VATTEL في كتابه قانون الأمم THE LAW OF NATIONS "تمارس الدول حقها السيادي في فعل ما يتحتم عليها لحماية أمنها وسلامة أراضيها بعدم قصد إيذاء الأمم الأخرى ولكنها –أي الدولة التي تمت مقاطعتها- في أي حال وقع عليها الأذى، فنحت لا نتحمل مسؤوليته" ويضيف "عندما نستخدم حقوقنا بما يخدمنا، عندما نفعل ما ندين به لأنفسنا أو للآخرين للقيام به، إذا كان هذا العمل الذي قمنا به قد عد متحيزا ضد مصالح الآخرين، وأفضى إلى ضرر في حالته الظاهرة، فنحن غير مذنبين بسبب ما تعرضوا له من ضرر وما نقوم به أو حتى ما يجب علينا القيام به هو مراعٍ للقانون، فالأضرار التي تلحق بالآخرين ليست جزءا من نوايانا ضدهم، إنها محض حادثة". "فعلى سبيل المثال، في حالة الدفاع المشروع، فإن الضرر الذي نفعله للمعتدي ليس الهدف الذي نسعى إليه، علينا أن نعمل فقط من أجل أمننا، من خلال الاستفادة من حقوقنا. والمعتدي وحده هو المسؤول عن الأذى الذي يجلبه على نفسه".
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد