رؤية شاملة لمواجهة الإرهاب - عمار علي حسن

mainThumb

18-08-2017 10:14 PM

 لم ينشأ الإرهاب دفعة واحدة ليصير في صيغته العالمية الراهنة، ولكنه بدأ داخل بعض الدول ثم أخذ في الانتشار شيئاً فشئياً، ومن ثم هناك ضرورة ملحة لأن تتم مواجهة التطرف والإرهاب على مستوى كل دولة على حدة جنباً إلى جنب مع المواجهة العالمية المشتركة له. وهنا يجب أن تؤخذ في الاعتبار القضايا والمفاهيم والتصورات المشتركة، المفارقة للزمان والمكان، التي تربط بين الاستبداد والفقر وبين انتشار العنف والإرهاب، علاوة على العلاقة بين شكل المنظومة الدينية والتربوية والعلمية والإعلامية وما تبثه من قيم، وبين انتشار ضعف ثقافة التسامح، وعدم قبول الآخر، والانغلاق على الذات بما يؤدي إلى توفير التربة الفكرية الخصبة لانتشار التطرف.

في إطار هذا يمكن تناول القضايا التالية كوسائل لمكافحة التطرف الديني:
 
1- الإصلاح السياسي: وهنا تبرز أهمية دراسة دور الديمقراطية والحكم الصالح أو الرشيد، ودور المجتمع المدني كمدخل لمكافحة الإرهاب.
 
2- الإصلاح الاقتصادي، من خلال تناول دور التوزيع العادل للثروات وإشراك الجميع في التنمية الاقتصادية في حل المشكلة، وهل يؤدي تأهيل المتطرفين اقتصادياً وحياتياً إلى عدم انخراطهم في تنظيمات سياسية أو دينية متطرفة أم لا.
 
3- التنمية الإنسانية، وتتضمن أبعاداً متعددة منها الوعي الفكري والثقافي والديني، وإيجاد هدف محدد يسعى الفرد لتحقيقه. وتجب دراسة قضايا التطوير التعليمي والتربوي، وتنقية التراث الديني من الشوائب، وكيفية فهم الآخر وقبوله وإمكانية التعايش معه من منطلق الإيمان بالمواطنة والتعددية. وهنا يظهر دور التعليم والإعلام ومنتجي الخطاب الديني المعتدل.
 
إن أحداث السنوات الماضية قد أوجدت خلطاً بين ممارسة «الحرب على الإرهاب» وبين أطروحة «الحرب على الإسلام»، الأمر الذي فرض عدداً من الحقائق التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار حين يتم الحديث عن مكافحة الإرهاب، وهي:
-أتاح تشتت المرجعيات الدينية الإسلامية والخلافات المذهبية والفقهية المتعددة الفرصة أمام نشر الفكر الديني المتطرف ولاسيما بعد استباحة الفتوى من الجميع.
 
-أوجدت تصورات ومقولات راسخة في التراث الإسلامي تربة مناسبة للمتطرفين وأتباعهم، لاسيما بعد إغلاق باب الاجتهاد.
 
-أدى ضعف مساهمة العالم الإسلامي في السياسات الدولية على رغم ما هو متاح له من إمكانيات، وعدم تكوين جبهة إسلامية مشتركة للتصدي للإرهاب، إلى تغذية الفكر المتطرف لدى بعض المسلمين وكثير من غير المسلمين.
 
ولاشك أن ما سبق يفرض إجراءات لابد من اتباعها في سبيل الحد من الغلو والتطرف الديني والإرهاب على مستوى العالم الإسلامي، يمكن ذكرها على النحو التالي:
 
1- تطوير المؤسسات الإسلامية الكبرى هيكلياً وفكرياً. ومنها منظمة المؤتمر الإسلامي (57 دولة إسلامية) بمختلف مؤسساتها، ومنها أيضاً الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والحوزات الشيعية وغيرها. على أن تقوم هذه الجهات بدور في إذكاء ثقافة التسامح ونبذ العنف والقبول بالآخر وتضطلع بدورها في الحوار مع الأديان الأخرى وتقدم أطروحات جديدة للإسلام الوسطي الذي يقبل بالحداثة.
 
2- وضع استراتيجية ذات معالم واضحة لإيجاد مرجعية واحدة متفق عليها في العالم الإسلامي لتنظيم ظاهرة الفتاوى التي تنطلق من مؤسسات دينية متعددة، والتقريب بين المذاهب الإسلامية السنية، ونبذ الخلاف السني الشيعي في الأمور الفقهية ووضعه جانباً ويبدل باتفاق حول الأمور السياسية والاقتصادية والقومية بحيث تنتشر مقتضيات العمل بالدين وإيجاد دور للأمة الإسلامية في الشأن العالمي.
 
3- فتح باب الاجتهاد على مصراعيه بعد أن توقف منذ 500 عام، وهو اجتهاد يقوم على حرية الفكر، بلا حدود، والتي بدورها تقضي على ثقافة الخطاب التكفيري والانغلاق الثقافي والحضاري، وتلغي الاعتقاد المرَضي بفكرة المؤامرة التي تسود أوساط الشعوب الإسلامية، وبدرجة أكثر حدة لدى أعضاء التنظيمات والجماعات المتطرفة.
 
4- تنقية التراث الإسلامي من بعض الروايات غير المكتملة التي جمعها الرواة وتعامل معها البعض على أنها نصوص مقدسة، أو تعاملوا مع الأشخاص الذين قالوا بها أو نسبوها إلى من سبقهم من الرعيل الأول على أنهم مقدسون. وبالتالي يبدو العالم الإسلامي في حاجة ماسة إلى بلورة نظرية جديدة تلملم الروايات المفككة وتؤطر لفهم جديد للتراث الإسلامي.
 
5- مشاركة إسلامية فاعلة في حفظ الأمن الدولي والتصدي لظاهرة الإرهاب جنباً إلى جنب مع الجهد العالمي الواضح والصادق في هذا الاتجاه.
 
*نقلا عن صحيفة "الاتحاد".
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد