الأردن، الضرائب وخيارات أخرى

mainThumb

05-09-2017 11:12 PM

الضرائب والرسوم و الطوابع و الغرامات والجمارك و التراخيص هي الهيكل الرئيسي لإيرادات الدولة وفي معظم دول العالم. بعض الدول ذات بنية اقتصادية خاصة تمكنها من تحصيل أشكال أخرى من المداخيل كالدعم والهبات والمنح الأجنبية، وعوائد أرباح المؤسسات والشركات الحكومية ذات الطابع التجاري الربحي.

 
الفلسفة التقليدية لدور السلطة التنفيذية (الحكومة) هو أن المجتمع قد تنازل عن جزء من موارده و حريته و سلطته لصالح الحكومة المفوضة والنائبة عن الشعب في إدارة الدولة و مواردها وتقديم خدمات عامة ذات طابع سيادي قد يستحيل على الشعب ممارستها بشكل مباشر، فتقوم الحكومة بالنيابة عن المجتمع بتحصيل الإيرادات و إدارتها و ضمان حسن إنفاقها، على صورة (الموازنة العامة)، وهنا يكون الأصل الغياب التام لممارسات الفساد و سوء الإدارة للمال العام، الذي هو مال الشعب الذي فوض الحكومة بإدارته.
 
الأردن، ومنذ أسوأ أزماته الاقتصادية عام 1989 لم يعرف الاستقرار في أي من مؤشراته الاقتصادية، فمن العجز المزمن للموازنة العامة بما يقارب المليار دينار سنويا، فتفاقم الدين الداخلي والخارجي لما يناهز 90% من الدخل القومي و بما يقارب 23 مليار دينار، فعجز الميزان التجاري مع كل الأطراف، فتزايد نسب البطالة، فتراجع مؤشرات التنافسية والشفافية والإفصاح، فنسبة تضخم (متزامنة مع كساد اقتصادي) يقارب 10% ، وربما أن سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمريكي و ثباته على سعر (0.70) هو العنصر المستقر الوحيد والذي تتمسك فيه الدوائر المالية بشكل شبه مقدس برغم الجدل حول جدواه.
 
 العاصمة الأردنية (عمان) تصنف كأحد أعلى المدن تكلفة للمعيشة، فتكاليف التعليم المدرسي والعلاج و أسعار الأراضي والعقارات تضاهي المدن العالمية الغنية. في ذات الوقت الذي يعجز فيه (الطبيب والمهندس والمعلم و الشاب الجامعي حديث التوظيف) عن شراء بيت أو سيارة دون رهن نصف عمره لصالح بنوك تضاعف قيمة القرض إذا ما تجاوز العشر سنوات، وهذا يعني بان معظم المواطنين يعتمدون على الاقتراض في سد تكاليف تقليدية وأساسية للحياة كالمسكن و النقل و الزواج والتعليم.
 
مشروع قانون ضريبي جديد للحكومة قيد الدراسة، من شأنه إخضاع الأسر التي يزيد دخلها الشهري عن (600 دينار) لشريحة ضريبية تحصل 7% من دخلها، مم يعني بأن الأسرة سوف تفقد 7% من قدرتها الشرائية ومن ميلها الحدي للتوفير والاستهلاك كذلك، أي أن عنصر الاستهلاك من معادلة الدخل القومي سوف يتأثر سلبا بما أنه سيتحول لزيادة عنصر الإنفاق الحكومي من ذات المعادلة، أي أن الأثر الاقتصادي سيكون صفرا على أهم المؤشرات الاقتصادية (GNP)، بينما سيكون سلبيا على باقي المؤشرات، ولكن الحكومة و بتوصية من البنك الدولي تفترض بأن ذلك من شأنه زيادة الإيرادات للموازنة العامة و تراجع نسبة العجز في الموازنة و بالتالي تثيت أو تراجع الدين العام، مع تجاهل كامل للأثر الاجتماعي والسياسي والأمني على المجتمع الذي بات يعلو صوت التذمر والاستياء العام لديه في الوقت الذي يظل (الفساد وسوء الإدارة و التخبط في مرجعيات الولاية العامة) هو المشهد السائد في نظر شريحة متوسعة من الناس.
 
مع مرور الزمن، سوف تفقد الحكومة جملة الخيارات التي كانت يوما ما متاحة أمامها، فحوالات المغتربين في الخليج في تراجع مضطرد، والدعم الأجنبي سيتراجع ولن يعول عليه أكثر كونه مرتبط بمواقف و شروط، وأسعار النفط تتجه لانهيار، وأموال العراقيين ستعود لبناء ما دمرته الحرب، و في حال عودة السوريين سوف تفقد البلد العمالة الماهرة وجزء من السكان و أموال المستثمرين وقد ينهار سوق العقار؛ لا يستطيع أي اقتصادي رسم صورة أقل قتامة من هذه، وللأسف.
 
بكل موضوعية، صاحب القرار الاقتصادي في وضع لا يحسد عليه، في ظل خيارات كل منها أسوأ من الآخر. المؤشرات الاقتصادية السلبية مدعوة للتفاقم أكثر مهما بذلت الجهود لتجميل الأوضاع و حشد الراي العام، ففي لحظة الحقيقة تتكشف كل التفاصيل.
 
 
التصنيف الائتماني يهبط عندما تتعرض الدولة لهزات اقتصادية؛ وبالتالي ترتفع مؤشرات المخاطرة؛ فيتم رفع نسبة الفائدة على الإقراض لكي يعوض المخاطر، أي كلفة أعلى لخدمة الدين، هذا كله مالم تمتنع الجهات الدائنة عن الإقراض أصلا.
 
هنالك تساؤلات جمة تطرحها النخب اليوم، حول:  ملف الخصخصة وما شابه من غموض، والنفط وكلفته و طريقة تسعيره، و بنود الإنفاق المموهة في الموازنة العامة، وجدية محاربة الفساد و الرشوة، والأهم من ذلك كله: إلى أي مستقبل نحن سائرون؟
 
 
يجب الاعتراف بأن الملف الاقتصادي ما هو إلا امتداد للملف السياسي، وفي ظل تيه مرجعيات الولاية العامة، فإن القرار -و بالتالي اللوم- لن يقع على أحد، و سوف يتحمله الجميع.
 ليس هنالك مخرج من (عنق الزجاجة الممتد) والذي ضاقت به شرائح واسعة من الناس، سوى بمزيد من الحريات ومزيد من الشفافية و كثير من المحاسبية والمساءلة، بلغة أخرى، دولة عصرية ليس فيها مكان لأدنى مستويات الفساد و سوء الإدارة و سطحية القرار والتهرب الضريبي والرشوة، والأهم من كل ذلك، أن يدفع 80% من العوائد الضريبية 5% من الأفراد والشركات وليس العكس.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد