وحش الاختزال - د.محمود العمر العمور

mainThumb

10-09-2017 03:40 PM

يُختزل الإنسان إلى ثلاثة وعشرون كروموسوما من ذكر ومثلها من أنثى، حتى إذا ما انطلقت ملايين الخلايا المنوية المحملة رؤوسها بشيفرات وراثية كصاروخ نحو هدفها، ليصيب أحدها هدفه، يبدأ الإندماج المرعب، الذي يتبعه انشطارات متتالية ومتسارعة للخلايا، كقنبلة نووية ثائرة كالبركان، ترسم ملامح مخلوق يتكون، علقة، مضغة، عظاما، لحما.
 
وتبدأ الملامح بالظهور شيئا فشيئا كأنها لوحة رسام يخط خطوطه الأولية، وينثر ألوانه هنا وهناك، ثم يبهرنا بصورة رائعة فيها أدق التفاصيل، إلا أن الصورة هنا فيها نبضات تعزف لحن الحياة. وبين الصورة والمعزوفة تبدأ رقصاته الأولى في الرحم، ليتلبس الإنسانُ الإنسانَ.
 
ثم وكما تفرك المصباح السحري، ليخرج منه المارد الكبير، يخرج مارد الإنسان من قمقمه الصغير، تحركه شيفراته الوراثية، واكتساباته التربوية، عالمه الداخلي مليء بالأسرار والغموض، في عالم خارجي مليء بالأحاجي والألغاز.
وحش للاختزال بين ملايين وحوش الاختزال، ويأخذ ترتيبه على سلم الوحشية كما النوتة على السلم الموسيقي، لا تكتمل المعزوفة إلا بها، إلا أن بعضها يأخذ مرتبة الصعود وأخرى الهبوط، بعضها كبير وأخرى صغير، لتكتمل معها معزوفة الحياة على الأرض.
 
وحشيته جاءت من وسط ضعفه، وضعفه كان بسبب وحشيته، صراع النقيضين هو أس وجوده؛ الخير والشر وهما جليان كما النور والظلام، وعنوان حياته صراع الحق والباطل- وكل يدعي وصلا بليلى-، والأنانية النرجسية هي تفاصيل كيانه، وفي كينونته إله وعبد.
 
والفصل الأخير هو الرحيل، ومراحل عجيبة كهذه الأحداث من الإختزال إلى الوحشية ثم الرحيل بأسرارها وألغازها، لا بد أن ما بعدها حدث عظيم.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد