خبير دولي: لا تعارض بين الطاقة النووية والطاقة المتجددة في الأردن

mainThumb

14-09-2017 04:49 PM

السوسنة  - رغم الخطط التي تسير في مراحلها لإنشاء أول محطة نووية للطاقة في الأردن، ما زالت الأصوات ترتفع منادية بالاستثمار الأكبر في طاقة الرياح والشمس. وبينما يدرس الأردن، شأنه في ذلك شأن الدول الأخرى في الشرق الأوسط، خياراته المستقبلية لتأمين الطاقة، تُمارَسُ ضغوط سياسية لمصلحة الاستثمار في طاقة الرياح والشمس وتجد هذه النداءات تسويغاتها في أنَّ منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق الغنية بمصادر الطاقة الشمسية في كوكب الأرض كاملاً. ويجد هذا النهج في التفكير تأييداً كبيراً ممن يعتقدون أنَّ مصادر طاقة الرياح والشمس على وجه الخصوص وإن لم تكن منتظمة فهي كافية. لكنَّ الخبير البيئي الشهير ورئيس مجلس العلوم للمبادرات العالمية له رأي آخر إذ يؤكد على أنَّه لا غنى عن الدراسة الجادة لمشروعات الطاقة قيد التنفيذ في المنطقة.
 
لقد سعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تأسيس سياسات دقيقة للطاقة فوظَّفت صفوة الخبراء في هذا المجال وطلبت إليهم دراسة مسارات الطاقة المحتملة والوقوف على ما لها وما عليها. وهكذا، رأينا في الإمارات العربية المتحدة بوارق أمل لظهور أول مدينة بيئية منظمة خالية من انبعاثات الغازات الدفيئة، ألا وهي مدينة مصدر لكنَّ هذا الأمل بدأ يواجه أوقات صعبة رغم رصد مبلغ كريم للمدينة بقيمة 22 مليار دولار أمريكي عدا عن استقطاب خبراء الطاقة المتجددة من شتى بقاع العالم.
 
وكان الهدف من ذلك المشروع الريادي إثبات إمكانية بناء مستقبل يعتمد كلياً على الطاقة المتجددة، لكنَّ الإمارات تخلت عن هذا الهدف فكان عليها أن تبحث عن طريقة يمكنها من خلالها رفد البلاد كاملة بالطاقة بدلاً من الاقتصار في توفيرها على مشروع ريادي. فكانت الطاقة النووية هي الحل التي اختارته تلك الدولة التي تسطع فيها الشمس على مدار العام وذلك ضمن خطة ترمي بناء أربع محطات هائلة لإنتاج الطاقة النووية وتسمح باحتمالات بناء أربع مفاعلات إضافية. ومن المقرر أن تصبح أولى هذه المحطات جاهزة للتشغيل بقدرة 1400 ميغاواط في عام 2017 وصولاً إلى المحطة الرابعة في عام 2020. وخلافاً لمشروعات الطاقة النووية التي غالباً ما تلقى الانتقادات في بلدان أخرى، يسير عمل بناء هذه المفاعلات قُدُماً في وقتها المحدد وضمن الموازنة المخصصة لها. وفي منطقة الشرق الأوسط أيضاً هناك مصر التي توشك على البدء في إنشاء محطة نووية للطاقة تتكون من أربع وحدات بقدرة 4800 ميغاواط وسوف يتولى بناءها شركة روساتومالروسية، وهي الشركة ذاتها التي يُزمَع أن تبني المحطة النووية في الأردن.
 
وما من شك في أنَّ الحظ الأوفر من الطاقة التي ستنتجها تلك المحطات النووية سيذهب إلى مشروعات تحلية المياه، والأمر نفسه ينطبق على السعودية التي تواجه طلباً على الطاقة والمياه معاً. وكما الحال في الإمارات، ضخت السعودية استثماراتها في استقطاب المستشارين الخبراء بغية وضع الخطط للاستثمارات في هذا المجال إذ تسعى أيضاً لبناء محطات نووية لإنتاج الطاقة بقدرة تصل إلى 40 غيغاواط في السنوات القريبة القادمة خاصةً أنّ التقارير تشير إلى أنَّ الأحواض المائية التي تعتمد السعودية عليها لتغطية الطلب على الماء العذب بدأت بالاستنزاف بل أصبحت تواجه خطر النضوب التام خلال العقود التالية إذا استمر ضخ المياه منها على المعدل الحالي. وذلك يعني استشراف مشروعات كبرى في تحلية المياه في السعودية أيضاً.
 
في معرض إكسبو 2017 الذي نُظِّم في أستانا (كازاخستان)، تحدث خبراء معنيون حول الطاقة النوية ومستقبلها وذهبوا إلى ضرورة النظر إلى الطاقة النووية والطاقة البديلة على أنَّ كل منهما يكمل الآخر ولا ينافسه ضمن الجهود المبذولة لتأمين ما يكفي من الطاقة الوفيرة للجميع خاصةً إزاء التصدي لمشكلة التغير المناخي. وهذا الموقف الذي يرى في مَصدَرَي الطاقة علاقة تشاركية قائمة يشيع ذكره بين أوساط المعنيين بالطاقة النووية، لكنَّ موقفاً معارضاً يشيع في المقابل بين أنصار الطاقة المتجددة في العالم ومعظمهم من المعارضين الشرسين للطاقة النووية. وهذا الموقف المعارض يسود في الإعلام لدرجة تجعل القارئ يعتقد أنَّ ثمة عداءً متبادلاً بين الطرفين، في حين يشير الواقع إلى غير ذلك إذ لا تظهر العداوة على العموم إلا من جانب واحد.
 
وفي الواقع، ما يجب أن يحدث عند اتخاذ القرارات المهمة والحرجة أن يحاول الأطراف المعنيون جاهدين تغليب العقل على العاطفة والنظر إلى البيانات المجردة الحقيقية التي أمامهم. ولحسن الحظ، فقد درس أربعة باحثين أستراليين معروفين جدوى السنياريوهات التي تفترض الاعتماد الحصري على الطاقة البديلة، وغطت تلك الدراسة أماكن مختلفة في العالم في ورقة بحثية قدموها بعنوان "عبء الإثبات" (Burden of Proof) ومن بين السيناريوهات الثمانية والعشرين التي حللها التقرير، تبين أنَّ محطتين تشبيهيتين للطاقة لا غير تكمنت من إنتاج طاقة على فترات تقل ساعة واحدة، أي ما يعادل العرض الأساسي للطاقة الحرج والمطلوب للمحافظة على فعالية أي اقتصاد كان. فهذه السيناريوهات لم تضع في الحسبان النمو المضاعف والمتزايد للطلب على الكهرباء في العالم ولذلك لا يمكن الحكم عليها بأنها واقعية. 
 
ومع أنَّ التقرير خَلُصَ إلى أنَّ الطاقة البديلة غير قادرة (حتى الآن على الأقل) حتى من الناحية النظرية على تكوين أساس لمصدر مختلط للطاقة لأي بلد كان، فذلك لا يعني ولا ينبغي أن يعني أنَّ الطاقة النووية من جهة وطاقة الرياح والشمس من جهة أخرى تقعان في خانة المنافسة والتعارض، بل العكس هو الصحيح، إذ لا بد من دراسة كلا الخيارين بالنظر إلى محاسن كل منهما على حدة كمصادر للطاقة المتجددة. فإذا تمكنا من استغلال الطاقة من الخيارين معاً، كما ينوي الأردن فعله، فقد يعود ذلك بالمنفعة الكبيرة على الأردن على مدى عقود من الزمن.
 
 
 
توم بليز مؤلف كتاب وصفة للكوكب (Prescription for the Planet) ورئيس المجلس العلمي للمبادرات العالمية، وهي مركز أبحاث دولي في العلوم والهندسة (thesciencecouncil.com).
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد