الدولة الكردية في المنظور السياسي الأمريكي - د. فواز موفق ذنون

mainThumb

16-09-2017 09:39 AM

 للقضية الكردية تاريخ طويل من عمر الدولة العراقية ، وقد مرت القضية بمراحل مد وجزر مع الحكومات العراقية المتعاقبة إلى أن وصلت في مرحلتها الحالية التي تبلورت فيها أفق الاستقلال والانفصال  من خلال السعي لإجراء استفتاء شعبي يتبعه اتخاذ خطوات  تمكن القادة الأكراد  من  إعلان دولة كردية مستقلة في شمال العراق .
 
وبغض النظر عن المواقف الإقليمية من الخطوات الكردية لإعلان الاستقلال وتأسيس دولة  وهي في مجملها مواقف تتموضع بالضد من المشروع الكردي  ، فان مايهمنا هنا هو الموقف والرؤية الأمريكية حيال الحلم الكردي بتأسيس الدولة المنشودة .
 
ولمعرفة  حقيقة الرؤية الامريكية يجب ان ندرك اولا  ان الولايات المتحدة الامريكية ومنذ تسعينيات القران الماضي عدت الاكراد حليفا محليا ناجحا لها لاعتبارات تتعلق بسياسة الاحتواء التي مارستها الادارة الامريكية انذاك والتي سمحت للاكراد باقامة منطقة شبة مستقلة عن الحكومة المركزية في بغداد  ، تطور ليصبح للاكراد دورا   فاعلا في بوصلة السياسة الامريكية تجاه  العراق ، لعل ابرزه كان في حقبة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش (2000-2008) من خلال  سعي الاخير الى وضع قانون تحرير العراق  موضع التطبيق  واعطاء  الاكراد دورا  في حربه لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين الذي تم في عام 2003 لتتحول السياسة الامريكية  من السياسة التقليدية في الاحتواء الى محاولة دمقرطة العراق،  كان للاكراد نصيبا من تلك الاجندة التي انتهت بعراق اتحادي فدرالي رؤوا فيه الاكراد مطمحا لهم في امكانية ان يكون لهم دورا رياديا في الدولة العراقية يوقف سنوات التهميش والحروب التي عانوا منها في السنوات الماضية من عمر الحكومات العراقية السابقة .
 
غير ان الامور لم تجر في صالح الامال الكردية التي اصطدمت بالسياسات العراقية الجديدة بعد عام 2003  ،  فدخلت القضية الكردية في منعطف اخر  كان التوتر والخلافات تسوده في اغلب حالاته وهو يعبر عن العلاقة الجديدة مابين اربيل وبغداد التي وأن شهدت بعض التقارب بين الطرفين الا ان سرعان ماتعود الى القطيعة خاصة ابان حكم نوري المالكي رئيس الحكومة السابق  (2006-2014) ، حاول من جاء بعده وهو حيدر العبادي من اعادة ترميمها وقد حقق نجاحا مؤقتا من خلال التنسيق المشترك لبعض القضايا الملحة واهمها محارية تنظيم داعش الارهابي الذي اجتاح ثلثي اراضي البلاد ، فكان التعاون العراقي- الكردي ضرورة استراتيجية مهمة من اجل انقاذ البلاد والعبور بها الى مرحلة اقل خطورة تستطيع معها الدولة العراقية الى الالتفاف نحو قضاياها الاخرى .
 
وما ان اقتربت الحرب ضد داعش من وضع اوزارها ، حتى بدات القضية الكردية تفرض نفسها مرة اخرى على طاولة القضايا الداخلية بعد ان اعلنت اربيل بان حكومة بغداد لم تكن بمستوى الشراكة الحقيقية معها وان اغلب الملفات السياسية بينهما ومنها  ملف المناطق المتنازع عليها وملف الثروة النفطية مازالت تشكل عقدة المنشار في العلاقات بين الطرفين ، لتعود القضية الكردية من جديد الى مربع الاول من العلاقة المتأزمة بين بغداد واربيل.
 
على هذه الاساس  ، اتخذ صانعي القرار في كردستان العراق  بدء الخطوات نحو اجراء استفتاء شعبي والتوجه نحو اعلان الدولة الكردية المستقلة ، متأملين من الولايات المتحدة دعمهم في هذه الخطوة التي يرونها حلما طال انتظاره  ، وهي (اي القيادة الكردية)  وهي تسعى لاقامة الدولة الكردية عينها على واشنطن لدعمها في هذه الخطوة ولسان حالها يقول  بان الولايات المتحدة التي ارادت جعل العراق نموذج يحتذى به في الديمقراطية   فشلت في ذلك المسعى وان اقليم كردستان هو الطرف المحلي الوحيد المؤهل للقيام بتلك المهمة .
 
ونرى ان صانع القرار الكردي  ربما يعول على العلاقة الإستراتيجية التي تربطه بواشطن التي اتخذت من الاكراد  حليفا مهما وبارزا في حربها ضد داعش وهذا مانتلمسه واضحا من خلال التقارب السياسي والعسكري الامريكي – الكردي خلال السنوات الاخيرة ليس فقط في العراق فحسب بل حتى في سوريا وهو التقارب الذي اثار انزعاج انقرة وطهران على حد سواء ، وهو القلق الذي لم تلتف اليه الولايات المتحدة بل العكس رأت بان الحليف الكردي هو افضل حليف ساعدها في جهودها لمحاربة داعش وهو ماكان يعلنه دائما الرئيس الامريكي دونالد ترامب من انه يقدر كثيرا الجهود الكردية في مساعدة التحالف الدولي في حملته ضد الارهاب ، كما يرى المراقبون من ان التسارع الكردي في الخطوات التي تؤدي الى اعلان الاستقلال ربما وراءه ضوء اخضر امريكي  Green light   ويستندون في ذلك الى ماقاله وليد فارس مستشار الرئيس الامريكي لشؤون الشرق الاوسط  عندما صرح بان الولايات المتحدة بالرغم من انها تدعم الحوار بين بغداد واربيل ، الا انها ستدعم الاستفتاء  الذي اعلن عنه الرئيس مسعود البرزاني وستقبل بنتائجه  ، مؤكدا بان  الرئيس ترامب  دعا في حملاته الانتخابية الى دعم جميع حلفاء الولايات المتحدة الذي يحاربون داعش  واكد على الدور المحوري للاكراد بشكل خاص.
 
كما ان البعض يفسر الثقة المطلقة للرئيس البرزاني  وللاكراد  وهم يتجهون نحو اعلان الدولة   الكردية  من انه مدعوم خارجيا وخاصة من الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل التي ربما اكثر دولة معنية بحصول الاكراد على الاستقلال الذي ربما يوفر نفوذا اسرائيليا جديدا في المنطقة يكون على الارض الكردية وقريبا جدا من العراق ومن الحدود الكردية – الايرانية وهو هدفا استراتيجيا ربما توظفه تل ابيب في استراتيجيتها القادمة في المستقبل القريب يمكنها من مواجهة الهلال الشيعي بهلال اسرائيلي يمتد من فلسطين يمتد الى سوريا عبر الجولان وينتهي في كردستان العراق .
 
 على ان الرواية التي تؤيد حصول الاكراد على موافقة امريكية مسبقة حول اعلان دولتهم ربما يتناقض مع روايات اخرى  تقول بان الولايات المتحدة ربما ترى بان الاستفتاء وخطوات الاستقلال ربما يؤثر على جهودها لمكافحة الارهاب وان الوقت غير ملائم لمثل هذه الخطوات  ، بل البعض ذهب بعيدا في ذلك  بتأكيده على ان السفير الامريكي في بغداد  دوغلاس سليميان نقل ثلاث خيارات للمسؤولين الاكراد  حول موقف واشنطن من الاستفتاء ومن الاستقلال ومنها ان على اربيل الغاء الاستفتاء وعدم ذكره مجددا  وبذلك يستمر الدعم الامريكي لهم  ، او اجراء الاستفتاء داخل اقليم كردستان فقط  وهنا سوف لن تتدخل واشنطن وسوف تعده شأنا محليا ، او اجراء الاستفتاء في الاقليم وخارجه  وهي خطوة تنظر اليها الولايات المتحدة بانها تصعيدية وانها لن تتدخل فيما اذا ادت الخطوة الى تدخل عسكري عراقي او اقليمي ضد الاراضي التي يحتفظ بها اقليم كردستان العراق. 
 
ونرى بان هذه الرواية ضعيفة لايمكن الاعتماد عليها  على الرغم من تداولها بقوة داخل الاوساط السياسية العراقية ، وتأتي مكامن  ضعفها من ان البيت الابيض اعلن مرارا وتكرارا من ان الولايات المتحدة سوف تستمر بدعمها للحليف الكردي  سواء اجري الاستفتاء او تم تاجيله ،بل ان البعض يرى بان الولايات المتحدة ستدخل بقوة في الساحة العراقية لدعم مفاوضات جديدة بين بغداد واربيل  تقوم على اساس التحول من كردستان من العلاقة الفدرالية ضمن الاطار العراقي الى علاقة كونفدرالية  تمكن بغداد من ابعاد خطوة الاستقلال ولو لفترة مؤقتة تمكنها من التقاط انفاسها من الحرب الطاحنة مع تنظيم داعش الارهابي.
 
 والاهتمام الامريكي  بالملف الكردي في هذه المرحلة ياتي في اطار  مخاوف الادارة الامريكية من ان يتم استغلال الورقة الكردية من قبل ايران او  خصوم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمحاولة الضغط عليه للقيام باجراءات عسكرية غير محسوبة النتائج قد تلقي بظلالها على المشهد العراقي الذي لايحتمل اي تعقيد جديد في ظل االحرب التي يخوضها العراق ضد تنظيم داعش الارهابي ،  ذلك ا ن تعقيد جديد في الساحة العراقية  قد يمكن بعض الاطراف السياسية من استغلالها  في الانتخابات النيابية القادمة بشكل يؤدي الى اصطفافات قومية وعرقية تمكن بعض الاطراف من العودة الى تصدر المشهد السياسي العراقي وهي خطوة يراها ترامب قد تبعثر اوراقه السياسية الذي يحاول دعم الصوت المعتدل داخل البيت الشيعي العراقي وليس ادل على الانفتاح العربي – السعودي على العراق  هذا الانفتاح الذي جاء بضوء اخضر امريكي  قد يعمل على الحد من النفوذ الايراني  ولعل الضغط الامريكي على القادة الكرد لتاجيل الاستفتاء او تاجيل مسالة الاستقلال  هي لضمان نجاح خطة الولايات المتحدة التي لاتريد  اي طرف تعكير صفو  خطتها التي تراها بانها تحقق نجاحا ملحوظا  بانتظار ماسيؤول عليه المشهد العراقي في قادم الايام ..
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد