الشرق الأوسط .. رائحة البارود - إميل أمين

mainThumb

14-10-2017 02:48 PM

 من بين أفعل العبارات التي وردت على لسان المبدع الروسي الكبير أنطوان تشيخوف تلك التي يقول فيها: «إذا ذكرتَ في الفصل الأول لرواية ما أن هناك بندقيةً معلَّقةً على الحائط، فلا بد لها أن تنطلق في الفصلين الثاني أو الثالث على الأرجح».

مقولة تشيخوف تستدعيها الأحداث في رواية الشرق الأوسط التي تمضي مسرعة في طريق الحرب التي يمكن أن تحسم مشاهد كثيرة في المنطقة وتعيد تركيبتها الجغرافية وربما الديموغرافية.
 
أدرك الأميركيون بالقطع أن الاتفاق النووي الإيراني ليس إلا ستاراً تتخذه طهران لتحقيق أهدافها ورؤاها الاستعمارية، ولهذا كان لا بد من إعادة نظر شاملة حتى وإن لم يحبذ الجنرالات في البنتاغون الإلغاء الكامل للاتفاق.
 
هل ستهرب إيران إلى الأمام عبر محاولة إشعال الموقف في الشرق الأوسط، لا سيما على صعيد جبهة إسرائيل مع سوريا و«حزب الله»، في محاولة لخلط الأوراق وبعثرة الجهود؟
 
رائحة البارود يشمها المراقبون في أكثر من مشهد، لا سيما إذا تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن الحرب المقبلة، التي ستدور في تقديره على الجبهتين السورية واللبنانية معاً، لمقاتلة الأسد و«حزب الله»، ومعهما الجيش اللبناني الذي وصفه بأنه فَقَد استقلاليته.
 
على الجانب الأميركي بات الحديث عن مجابهة ومواجهة «حزب الله» شأناً مفروغاً منه، وقد تحدث الساعات الماضية المنسق الأميركي لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، داعياً لتحالف ضد «حزب الله» ساعياً لحشد جهود الحلفاء ضده.
 
يدرك الأميركيون والعالم جيداً أن «حزب الله» إحدى أذرع إيران الطويلة التي تناور بها شرق أوسطيّاً، كما الحال مع ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح في اليمن، دون أن نوفر بالقطع الحشد الشعبي في العراق، وقد كان لميليشيات «حزب الله» في تقدير واشنطن وتل أبيب، دور بالغ الأهمية في دعم نظام بشار الأسد بجانب روسيا وإيران.
 
عشر سنوات انقضت منذ المواجهة الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله»، تمكن فيها الأخيرون من بناء قاعدة عسكرية يعلم الجميع أن بها الكثير من صنوف الأسلحة المزعجة لإسرائيل، وعليه، ربما بات الأمر بمثابة البحث عن معركة ختامية تهيئ الآمال للاحتفال باستقلال إسرائيل المئوي، كما طالب نتنياهو، وفي أوضاع تكون فيها الدولة اليهودية في حالة من الأمن والأمان وبعيداً عن المهددات الخارجية.
 
لقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز واضحاً جداً حينما تحدث خلال جلسة المباحثات التي جمعته مع رئيس وزراء روسيا ديمتري ميدفيديف عن الشرق الأوسط الذي لن يعرف السلام إلا إذا توقفت إيران عن سياساتها التوسعية، والتزمت مبادئ حسن الجوار واحترام الأعراف والقوانين الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
 
لكن إيران لا تستجيب لتلك النداءات العقلانية، بل تثير من الغبار ما يجعله يختلط برائحة البارود، عبر مناوراتها العسكرية البحرية الأخيرة، عطفاً على تجارب صواريخها الباليستية التي تحمل رسائل عدوانية لا تخطئها العين.
 
السؤال المثير والمخيف: هل يمكن لبارود الشرق الأوسط أن يشعل فتيل مواجهة عالمية كبرى؟
 
يبدو أن هذا الطرح بات يزعج كبار الساسة الأميركيين أنفسهم الذين يرون كرة الثلج تتدحرج، ويخشون مواجهة عالمية في لحظة انفلات الأعصاب وسخونة الرؤوس.
 
قبل أيام، فتح أحد الأعضاء النافذين ضمن الحزب الجمهوري الأميركي في الكونغرس نيران اتهاماته على الرئيس ترمب، واصفاً سياساته المندفعة تجاه الدول الأخرى بأنها «تضع الولايات المتحدة على مسار حرب عالمية ثالثة»، ومنتقداً أداءه الذي وصفه بأنه «يشبه عرضاً في تلفزيون الواقع».
 
يعنّ للمرء أن يتساءل، مخلصاً البحث عن الجواب: ماذا سيكون شأن بقية الأطراف الدولية حال اشتعال الشرق الأوسط؟ وهل ستسمح لواشنطن بأن تكون «السيد» الأول والمتنفذ في المشهد وإن بوكالة إسرائيلية للحرب بدايةً، قبل الانخراط في الحمَّى التي لن تترك زرعاً أو ضرعاً إلا وأهلكته؟
 
بالقطع يمكن القول إن روسيا التي باتت اليوم الفاعل المتقدم في الشرق الأوسط لا مصلحة لها في عودة النفوذ الأميركي ليستعلن من جديد شرق أوسطيّاً، كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية، وحكماً هي لا تودّ رؤية إيران قوة نووية أو حتى إقليمية عسكرية مهيمنة، ذلك أنه وراء التوافق السياسي النسبي الآن تبقى هناك خلافات دوغمائية جذرية بين الطرفين، ولهذا فقد ترى روسيا إضعاف إيران وأيضاً «حزب الله» خياراً راجحاً يعزز الحاجة إليها مستقبلاً، بأكثر من تعرضهما لضربات ساحقة ماحقة من واشنطن أو تل أبيب إن قُدّر لهما ذلك.
 
أما الصين ففي الأغلب الأعمّ أنها لا تسعى علناً لصدامات مع واشنطن، التي ترى أنها ستضحى الخصم الأكبر في عام 2025، بحسب ما أبلغه الجنرال جوزيف دانفورد رئيس أركان الجيش الأميركي للجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ منذ أيام، لكن هذا لا ينفي أنه سيكون لها موقف، وإن كان باطنيّاً أكثر منه ظاهراً على الملأ؛ فالصراع القطبي آتٍ لا محالة.
 
يرى كارل ماركس أن «العنف قابلة التاريخ»... هل الشرق الأوسط الذي يعيش مخاضاً أليماً على موعد مع واقع جديد لا بد له أن يمر بالنار ورائحة البارود؟!
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد