هل هناك فرصة لإطفاء النار المقبلة في العراق - د. ماجد السامرائي

mainThumb

17-10-2017 01:28 PM

 الدستور العراقي لم يعد مرجعية للحوار لأنه عقد بين الحليفين الكردي والشيعي، وقد انتهى يوم 25 سبتمبر. ولهذا لا بد من رسم عقد جديد لا يقتصر على الكتلتين الشيعية والكردية، وإنما يشمل مكونات العراق الرئيسية.

 
بتاريخ 12 سبتمبر 2017 كتبت مقالة في هذه الصحيفة تحت عنوان “كركوك عنوان الحرب المقبلة” توقعت فيها أن تكون كركوك ساحة النزاع العسكري المقبل، إن لم يعد فرقاء النزاع في بغداد وأربيل إلى العقل والحكمة والحوار لتجنيب الشعب العراقي حلقة جديدة من الحروب التي تخدم مصالح النفوذ لكل من إيران وتركيا، وكذلك الدول الكبرى خصوصا أميركا وروسيا اللتين تسعيان إلى تحضير الأرضية لتقاسم النفوذ في المنطقة خصوصا في سوريا والعراق.
 
ما يحصل الآن من خطوات لحكومة بغداد للضغط على قيادة مسعود البارزاني يتجه للضغط الاقتصادي والأمني، أي ما يسمى سياسة الاحتواء ضد كردستان بمعاونة البلدين الجارين لإرغام البارزاني على الاستسلام من دون شروط في صحوة عراقية بدت متأخرة لأربعة عشر عاما، لكنها صحوة علاماتها التشدد المقترن بالدستور وفرض السيادة الوطنية على كامل الأراضي العراقية، دون أن تعترف القيادة السياسية الشيعية في بغداد أمام الرأي العام بأن حصاد عقد شراكة الحكم هو ما يعيشه البلد اليوم من اضطراب وعاصفة سياسية قد تؤدي إلى الانفجار الكبير.
 
فقد سبق أن أطلقت يد القيادة الكردية للسيطرة والهيمنة على كل ما أرادته من منافع سياسية واقتصادية، وكأن الدستور المزعوم كان نائما واستفاق اليوم فجأة، بل أصبحت مرافق الخدمات العامة المرتبطة بالأمن الوطني العراقي والسيادة العامة بيد الأكراد من منافذ حدودية ومطارات في شمال العراق، وشبكة الإنترنت ومنابع النفط في كركوك وإنتاجه وتسويقه لحسابهم بعد أن تصاعدت مشكلات الشراكة عام 2014 إلى درجة صمت الحكومة على حرية قيادة البارزاني في التعاقد مع شركات النفط الكبرى للاستثمار الواسع في ميدان النفط هناك. وتم الاتفاق على مناقشة قانون النفط والغاز في البرلمان الذي هو منفذ لسياسات الحكم، ذلك المشروع أعطى امتيازات هائلة للأكراد. وحين بدأت الأزمة في نهاية حقبة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ذهب وزير النفط السابق عادل مهدي إلى أربيل ومرر اتفاق مهادنة مع البارزاني لكنه لم يكن اتفاقا يحمي حقوق العراق ويحد من جموح القيادة الكردية. كما لم تتحرك حكومتا نوري المالكي وحيدر العبادي منذ عام 2007 حيث انتهاء موعد تطبيق المادة الـ140 من الدستور حول كركوك وما سمي بالمناطق المتنازع عليها، وهو تعبير مرره الأكراد في وثيقة الدستور وبرضا القيادات الشيعية.
 
لقد كانت نهاية رحلة الشراكة التي كلفت العراق غاليا يوم الاستفتاء في 25 سبتمبر الماضي. وانفرط عقد الزواج السياسي ما جعل حكومة العبادي تسحب كل يوم عنوانا من قائمة طويلة من عناوين الامتيازات غير الطبيعية من حيث معايير السيادة الوطنية، تعللها بإعادة هيبة الدولة ومكانتها، مقابل استسلام قيادة البارزاني لما يحصل ضدها. وتفجرت الأزمة بقوة، لكنها ليست أزمة نظام ودولة تجاه من يخرق قوانينها، فبقدر ما يتم الحديث من قبل بغداد حول مرجعية الدستور تقابله قيادة البارزاني بذات المرجعية، والطرفان يدوران بحلقة مفرغة. فكلاهما كتب فقرات عقد شراكة السلطة الشيعية-الكردية، في الدستور تلك الوثيقة السيئة التي أرست إطار نظام لا مدني لا يحترم المواطنة إلا في ديباجة عامة يقول فقهاؤهم اليوم إنها لا تعتبر جزءا من أحكام الدستور، وحتى “وحدة العراق” يواجهها الأكراد بالقول إن العراق اتحادي.
 
لقد ارتضت القيادات الشيعية وتحمست لذلك الدستور لأنه ضمن تحقيق رغباتها في السيطرة على الحكم بإقصاء العرب السنة وملاحقتهم وتهميشهم وإبعادهم عن المشاركة الحقيقية بالوظائف والمسؤوليات بعدالة وفي اجتثاث البعث وغيره، واغتبطت لأن ذلك الدستور تضمن تعزيز الشعائر الحسينية وهي حق طبيعي كغيرها من الشعائر الدينية التي لا بد أن تحترم.
 
كانت القيادة الكردية تعلم ما الذي يتوجب أن تعطيه للقيادات الشيعية لكي تسكت على ما حصلت عليه من مكاسب دستورية. ولهذا فإن أزمة اليوم تتطلب من حكومة العبادي أن يديرها بمهارة عالية تقود إلى حلول سياسية، وتمنع كل عوامل التفجير المحتملة بين ساعة وأخرى في ظل التأجيج المسلح من قبل بعض القيادات الشيعية المسلحة والتي تبحث عن أدوار سياسية مضافة لما حصلت عليه في حرب داعش في خضم المعركة الانتخابية المقبلة.
 
القوة التي يمتلكها العبادي تتمثل في أنه يستند على عمق وطني لا يريد التفريط بشبر من أرض العراق، لكن الوقائع تقول إن الأكراد أخذوا ما أخذوه بقوة الدستور ذاته الذي يستخدمه العبادي للتغلب على قيادتهم، وإنهم لن يلغوا الاستفتاء ويقولون إنهم حصلوا على مكاسب الإقليم الفيدرالية منذ 25 عاما ولن يفرطوا بها رغم كل الظروف القاسية التي أصبحوا عليها خلال أيام قليلة من تطويق تام، لكن حالة التطويق هذه قد لا تقود إلى الاستسلام لبغداد، بل إلى ردود فعل قد تؤدي إلى الحرب الكارثية وفي كركوك موقد النار. وإذا ما اشتعلت الحرب في كركوك ونقاط التماس الحساسة بين منطقة كردستان قبل عام 2014 فالعراق وشعبه سيدخلان في كارثة حقيقية وهما ما زالا لم يمسحا عنهما رماد نار داعش.
 
دائما ما يكون للحرب مناصرون يكسبون منها حين تفرغ خزائن النهب والسرقات ومواقع السلطة، وهناك ضحايا وخاسرون خصوصا حينما تكون هناك حرب داخلية ذات أبعاد طائفية وعرقية. ولعل رئيس الوزراء العبادي يتصدر مشهد الأزمة ويديرها نيابة عن حزبه والأحزاب الشيعية الأخرى، ولا يريد لغيره من السياسيين من خارج البيت الشيعي أن يكون له دور في الوصول إلى حلول لها، وهو يستند على قواعد وطنية لا شكوك حولها، لكن قدرة السياسي البارع هي في كيفية استخراجه للحلول السياسية حينما تتصاعد الأزمة وتصل حافة الانهيار. ومن هنا لا بد له من التعاطي معها بحذر دون التفريط بوحدة العراق التي فرطتت بها فقرات عقد شراكة السلطة المنتهية صلاحيته. ما عليه إلا الاهتمام بما يلي دون إهمال للمستجدات التي ستحصل خلال الأيام المقبلة:
 
أولا- أن يتحرر من ضغوط أوساطه المتطرفة التي تسعى إلى إسقاطه في فخ الأزمة الكردية حيث تفسر مرونته بأنها ضعف ومهانة. وأن يتجرأ بقرار القبول بالحوار السياسي ووضع مفجر الاستفتاء بالخلف، لأن التعصب بعنوان إلغاء الاستفتاء لا يقدم خطوة نحو الحوار.
 
ثانيا- أن يبعد من حساباته مصادر القوة الخارجية لكل من تركيا وإيران، لأن هاتين الدولتين لا تفكران بمصالح الشعب العراقي، بل إن إيران قد تقوم في ظل هذه الأجواء المضطربة بعمل عسكري مباشر أو عن طريق أدواتها بخلط الأوراق لا في العراق فحسب وإنما في المنطقة بأكملها، خصوصاً في ظل الشعارات الإعلامية القائلة بأنه لن نسمح بقيام إسرائيل ثانية في كردستان.
 
ثالثا- ضبط الإعلام المنفلت الذي يهيج الشارع الشيعي والوطني العام ويثير الكراهية والثأر واللذين لا يقتصران على الأكراد وإنما على العرب السنة أيضا، وهذا ما يؤدي إلى تداعيات سياسية من بينها أن تتم اصطفافات جديدة بين السنة والأكراد والعرب، وبذلك تستكمل دائرة التصعيد الطائفي الذي يهدد العراق بالتفكيك والتقسيم. وعندها يصبح الخيار العسكري ملاذا لكل من بغداد وأربيل ولا يتمكن العبادي ولا القيادات الشيعية من وقف انهياراتها.
 
رابعا- الدوران في فلك الدستور لا يقدم الخطوة الأولى للتهدئة ثم الحوار. ولا بأس بالتعاطي بمبدأ وحدة العراق، فالعبادي ورفاقه بحزب الدعوة والزعامات الشيعية يعلمون أن هذا الدستور لم يعد مرجعية للحوار لأنه عقد بين الحليفين الكردي والشيعي، وقد انتهى يوم 25 سبتمبر. ولهذا لا بد من رسم عقد جديد لا يقتصر على الكتلتين الشيعية والكردية، وإنما يشمل الزعامات الوطنية العراقية ومكونات العراق الرئيسية، العرب السنة والتركمان والمسيحيين، وقد يتحول إذا توفرت الإرادة المستقلة إلى وثيقة دستور جديد يضع حدا لأزمات العراق وينطلق لبناء نظام ديمقراطي مدني جديد. وقد لا يرتضي الخائفون على مصيرهم السياسي في قيادة البلد طائفيا أن تقود مثل هذه الحلول إلى خطوات من بينها تأجيل الانتخابات النيابية ويتجه البلد إلى تحول يخدم العراقيين ومستقبلهم.
 
وفي تقديري لا توجد مؤشرات على الانتقال إلى التهدئة ومن ثم الحوار السياسي الشامل الذي يوقف حالة التداعي والانهيار، في ظل التوترات الميدانية الأمنية والعسكرية على أطراف كركوك ودعوات قيادات الحشد الشعبي إلى دخولها وردود فعل قيادات البيشمركة الرافضة. وستقترب مخاطر الحرب في كركوك تحت عناوين سيادة العراق على أراضيه في كركوك والمناطق المختلف على عائداتها القومية بعد أن تحول الوطن بعرف الدستور إلى إثنيات عرقية وطائفية.
 
 
كاتب عراقي
 
العرب اللندنية
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد