فاعلية المرأة اللبنانية في موقع القرار - المحامي عمر زين*

mainThumb

18-10-2017 09:51 AM

" إن النهوض بالمرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل هما مسألة متصلة بحقوق الإنسان وشرط للعدالة الاجتماعية، وينبغي ألا ينظر اليهما بصورة منعزلة على انهما من المسائل الخاصة بالمرأة ". المادة 25 من إعلان ومنهاج عمل بيجين

 
لقد بدأ الاهتمام والنشاط بالمرأة في العالم منذ إعلان "أولمب دو غوج" بشأن حقوق المرأة والمواطنة عام 1789 وقد تتالت المؤتمرات والاتفاقات والبروتوكولات حتى عام 2000 الذي كان آخرها في الدورة الاستثنائية الثالثة والعشرون للجمعية العامة بشأن المرأة (المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين). 
 
وقد تمحورت كلها حول خطر الاتجار بالمرأة والأطفال، قمع الاتجار بالراشدات، حقوق المرأة السياسية، جنسية المرأة المتزوجة، الرضى بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج، إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومنع العنف والمعاقبة عليه واستئصاله.
 
فمن ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي شكل محطة مهمة في تاريخ حقوق النساء إذا اعترف بشكل واضح وصريح بالمساواة وبالحقوق المتساوية بين الجنسين، إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان في مادته الثالثة الفقرة الثالثة التي أكدت على مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية بين النساء والرجال في التمتع بجميع الحقوق الواردة في الميثاق.
 
من هنا كان المهم أن تعتمد المرأة اللبنانية على ذاتها ولا تنتظر من أحد أن يمِن عليها بأي حق من الحقوق الذي هو امر طبيعي لها نص عليه الدستور، غير أننا علينا جميعاً رجالاً ونساءً واجب تغيير العقلية الذكورية ونتائجها على مستوى القرار، والعمل الجدي في الضغط على المجلس النيابي للتصديق على المعاهدات والمواثيق وعلى الحكومة اللبنانية تطبيق بنودها حيث لا سلاح الا النضال للفوز بما توصلت اليه البشرية من حقوق للمرأة.
 
وسيتطرق بحثنا إلى ما يلي:
 
أولاً: المرأة اللبنانية في السلطة القضائية:
 
القاضي رجلاً أو امرأة كان، إن قراره يصدر باسم الشعب اللبناني، وبالتالي فإن موقعه يقتضي أن تكون سمته العدالة المرتكزة على استقلاله وعلمه وثقافته وتواضعه وأهليته وتحصين نفسه وسوى ذلك من المواصفات التي جاءت على ذكرها وثيقة القواعد الأساسية لأخلاقيات القضاء التي صدرت بولاية الأخ الرئيس غالب غانم كرئيس لمجلس القضاء الأعلى.
 
وقد تميزت المرأة اللبنانية كقاضية إلى جانب تمتعها بتلك القواعد فنجحت بعضهن وهن كثر في القضايا التجارية والمدنية والجزائية تحقيقاً وأحكاما، وهذا التميز كان ملفتاً علماً وثقافة وتحليلاً، ويعتمد نتائجه القضاة في القضايا التي بين أيديهم وكذلك المحامون المرافعون والمدافعون بشأنها، فكانت المرأة المحامية مواكبة ذلك بأعلى درجات من العلم والمناقبية والفعالية في موقع القرار النقابي.
 
ثانياً: المرأة اللبنانية في الأحزاب:
 
بإلقائنا نظرة على تشكيلات الهيئات القيادية للأحزاب اللبنانية يتبين لنا أنها ذكورية بكاملها، وقد نجد نادراً في واحدة من الهيئات أو أكثر عضوية امرأة ليست بإرادة انتخابية بل بإرادة رئيس الحزب ليس إلا.
 
وهذا الأمر سببه عدم انضمام المرأة لهذه الأحزاب إما لعدم اقتناعها بالعمل الحزبي، أو بمبادئ وعمل تلك الأحزاب، أو للحواجز التي تضعها قيادة الحزب للحؤول دون وصولها.
 
وهذا الواقع يتطلب قناعة لديها بالخدمة العامة، وإرادة تخطي كل العراقيل والصعوبات حتى ولو وصلت الاحتمالات إلى تشكيل حزب للمرأة، أو تحالف واسع لكل العاملات في المجتمع المدني وفق برنامج مرحلي يستقطب الرجال قبل النساء، فهو الرد العملي على ما هو عليه الواقع، وبدأنا نشاهد في الحراك المدني بعض من هذه الصورة مما يستدعي منا واجب تشجيعها ودعمها لعلها تفرز احزاباً جديدة تشكل مداميك أساسية للديمقراطية عنوانها احترام حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة والمحاسبة والمساءلة.
 
ثالثاً: المرأة اللبنانية في موقع القرار البلدي والاختياري:
 
استطاعت المرأة اللبنانية أن تقتحم العمل البلدي والاختياري – الحكم الإداري – في المدن والبلدات والقرى اللبنانية ولو بخجل، لكن عليها هنا أن تثبت بنجاح دورها الوطني والإنمائي والخدماتي اكثر من الرجل، وتفرض مشاركتها بموقع القرار لتحقيق أهداف العمل البلدي المنصوص عليها قانوناً وأنظمة بل وتطويرها باعتبار أن المرأة مستهدفة من المجتمع الذكوري مما يوجب علينا وعليها مزيداً من الجهود لبلوغ النجاح البلدي والاختياري الذي يؤدي حكماً إلى توسيع قاعدة وجودها في العمل السياسي لاحقاً كون المرحلة البلدية والاختيارية هي الدرجة الأولى من درجات تركيبة النظام اللبناني بل أي نظام من دول العالم، ومن هنا يشكل نجاح المرأة اللبنانية في التمثيل البلدي والاختياري معياراً للنجاح في مواقع القرار الأخرى ويترجم تأييداً من كل الشعب رجالاً ونساءً.
 
رابعاً: المرأة اللبنانية في الاتحادات العمالية والنقابات المهنية:
 
نلاحظ هنا غياباً كلياً للمرأة منذ الاستقلال، غير أن النشاط والدقة والمثابرة والحماس في العمل والصلابة في المواقف أدى إلى بروز بعضهن في نقابات المحامين والصيدلة، كان من نتائجه تقدمهنّ بخطى ثابتة إلى الصفوف الأولى والى عضوية خجولة في بعض النقابات وقد حظينَ بثقة زملائهن، وحظينَ بتأييدٍ ومساندة منهم رجالاً ونساءً، فأثبتْنَ في كل موقف ومفصل أن النساء شقائق الرجال على مستوى العمل الوطني والنقابي.
 
وبرأينا أن الإقدام على العمل النقابي امر يقتضي أن يكون طبيعي وبديهي لدى المرأة في النقابات والاتحادات، وان فوزها في هذه المواقع سواء أكانت عضواً في مجالسها أو نقيباً نعتبره انتصاراً للرجل وليس للمرأة فقط، انتصاراً للرجل على الذهنية القديمة وعلى التعصب للجنس، حيث ما زال هناك أفرادٌ وأصواتٌ يعيشون في كهوف الماضي. 
 
خامساً: المرأة اللبنانية في مجال التربية والتعليم
 
أكدت المرأة اللبنانية في مجال التربية والتعليم الرسمي والذي هو الأساس في بناء الوطن ومستقبله، بثقافتها العالية، وإرادتها الصلبة، وإدارتها الراقية في بناء بعض من جيل المتعلمين وذلك بتأكيدها على المواطنة، وعلى تطبيق المنهج التعليمي والتربوي بشكل جيد وسليم، على الرغم من عدم توفير العناصر الضرورية الداعمة من قبل الوزارة المعنية ومجالس الجامعات والكليات، وهذا النجاح الذي حققته وتحققه المرأة في بعض الإدارات الجامعية وما قبلها من إدارات تعليمية هو نتيجة ثقافة وإرادة وإيمان تتمتع بها، فإذا لم يتوفر هذا لدى المرأة كما الرجل، فيكون الفشل حليفهما وإذا ما توفر يكون النجاح الأكيد.
 
أما بالنسبة للتعليم الخاص الجامعي وما قبل الجامعي فإن المرأة اللبنانية هي في موقع أفضل لدعمها من القيمين على هذا المجال خاصة إذا كانت إدارة تلك المؤسسات التعليمية تعتبر نفسها حاملة لرسالة.
 
من اجل ذلك فإذا ما اردنا أن تلعب المرأة اللبنانية دوراً ناجحاً في مواقع القرار على مستوى التربية والتعليم، علينا أن نبدأ حركة إصلاحية تغييرية لفهم الدور الوطني في هذا المجال وبدونه لا نهوض للوطن.
 
سادساً: المرأة اللبنانية في المسؤوليات السياسية أي في موقع القرار العام:
 
إن التركيبة السياسية اللبنانية هي عائلية مبنية بمعظمها على الطائفية والمذهبية، وهي في الجوهر أبوية قبلية، تأصلت خطورتها بتوفر المال السياسي لها مع حمل الشعارات التي تهم المواطن دون العمل على تنفيذها، وعليه فإن الواقع الاجتماعي بعاداته وقيمه وثقافته الذكورية هو العائق الأكبر أمام مساهمة المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكلها لا تسمح للمرأة إلا بحيز محدود من الحركة، مما يقف عائقاً دون تقدمها نحو الصفوف الأولى من المسؤولية، من اجل ذلك لم نشاهد المرأة في المسؤولية السياسية إلا بعد وفاة زوج أو أب أو أخ، أي انه امر مبني على العاطفة بعيداً عن كل مقومات العمل السياسي الوطني الصحيح الذي يتطلب امتلاك الفكر، والموقف السياسي الوطني المبني على إرادة التغيير، والمرتكز على العمل الجاد في بناء الدولة الديمقراطية لصالح الوطن والمواطنين، ومع المساءلة والمحاسبة خاصة ضد الفساد. 
 
هذا لا بد من الإشارة أن مشاركة المرأة في الاقتراع في المجالس النيابية تتسع مع كل دورة انتخابية، ولا يزداد حجمها مع الأسف في الترشح والفوز في مقاعد البرلمان، الأمر الذي يؤشر إلى أن مشاركة المرأة السياسية لا تشهد تطوراً إلا من زاوية كمية بعيداً عن الفعالية والتأثير في موقع القرار.
 
ونؤكد هنا ونجزم بانه متوفر في المرأة اللبنانية المواصفات المطلوبة للنجاح، لكن ما عليها إلا أن تبادر وتنتزع هذا الحق الدستوري وعدم الانتظار، علماً أن القانون الانتخابي الجديد رغم عدم أخذه بالنسبية الكاملة ورغم تعقيداته أعطى فرصة امل لنشهد في الندوة النيابية المرأة اللبنانية التي ستصل ولا شك بنضالها الطويل السياسي والاجتماعي والتربوي والنقابي لتأخذ دورها الطبيعي في العمل العام دون انتظار "كوتا" على الرغم من أن هذه "الكوتا" تشكل فرصة امل إذا ما تحققت وستعود ولا شك إيجاباً على حركة المرأة اللبنانية، والا سيبقون يحتاجون إلى صوتها ولا يعملون على تأصيل موقعها في الأحزاب والمنظمات السياسية ولا يدافعون عنها إلا بصورة خجولة وباستحياء شديد، ويبقى نضالنا جميعاً لتحقيق النسبية الشاملة في قانون الانتخاب هو طريق لا بد منه لتأخذ المرأة مكانها ودورها من خلال حجم التيارات المتنوعة.
في الختام،
نقول: المرأة كالرجل يمكن أن تكون نتاج عمل وطني مؤمن بالسيادة والاستقلال والديمقراطية والسلم الأهلي للنهوض بالأمة، وتكون ايضاً ضد التطرف والتعصب والتكفير والإرهاب، أو من نتاج مغاير لكل ذلك، وعلى هذا الأساس يتبلور القرار إما لصالح الوطن والمواطن أو للمصالح الشخصية.
 
اذاً نحن أمام إنسان يختلف عن الآخر لجهة الجنس فقط، ويتفق معه ويختلف عنه بالسلوك والأخلاق والتوجه الوطني والسياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
 
المهم على المرأة التي ترغب أن تلعب دوراً ناجحاً في مواقع القرار أن تقنع عقل الرجال والنساء معاً بما تحمله من مبادئ وأفكار وبما تقوم به من أعمال للنهوض بالوطن والمواطن، وبدون الإقناع يتعذر تغيير صاحب القرار وطبيعة القرار في موقع القرار.
 
وندعو القيادات النسائية ومنظمات المرأة والمفكرين والكتاب العمل على توعية المرأة اللبنانية بحقوقها المقررة في المواثيق الدولية وحث المجلس النيابي على التصديق على الاتفاقيات الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والمواثيق الدولية الأخرى ذات الشأن، وتعديل التشريعات بما يتفق والمعايير التي تضمنتها هذه الاتفاقيات والمواثيق وحث الحكومة العمل على تطبيقها.
 
وأخيرا يقتضي الاهتمام العام لتطوير أوضاع المرأة اللبنانية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي وإدماجها في عملية التنمية الشاملة هذا طبعاً إذا كان هناك خطة للتنمية وهي غير موجودة اصلاً ويجب العمل على توفيرها.
 
نقول للمرأة اللبنانية حقوقك تؤخذ ولا تعطى، فعليك الاقتحام والتصدي
 
 
 
* الأمين العام لاتحاد المحامين العرب (سابقاً)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد