صحيفة السوسنة الأردنية

عندما يتوافر الفنان التشكيلي المبدع القادر على خلق لوحة فنية بما فيها من عناصر ومقومات اللوحة الفنية ويتوافر المشاهد الذواق المهتم بهذه اللوحه والمؤهل للتحاور معها يمكن الدخول الى عوالم هذه اللوحه الفنية اصطلاحا فهى كل مساحة مسطحة رسمت فيها يد الفنان خطوطا وأشكالا وسكبت فيها روحه وعواطفه الوانا وضمنها عقله قيما وأفكارا وأهدافا فاللوحة  تتحدث مع المتذوقين بلغه العيون والابصار مترجمة لهم أحاسيس الفنان ومشاعره ورؤاه فى فترة زمنية معينة فهة نتاج عمل عقلي وعاطفي مشترك ومتماسك كل منهما محرض للاخر ومكمل له فى حركه كروية دؤوبة فهي ليست نتاج عمل عاطفي بحت ولا نتاج عمل عقلاني بحت لان الفن  هوعصارة الحضاره

 

لكل لوحه فنية تشكيلية مقومات أيا كان انتماؤها المدرسي شكل ومضمون 

 

1- الشكل فى اللوحه الفنية التشكيلية يتكون الشكل فى أي لوحة تشكيليه من مجموعه مفردات وعناصر متكاملة ومترابطة هى مساحة فارغة محاطه بإطار عام يحدد شكلها الخارجي أبعادها ونسبها 

 

2- مجموعة الخطوط المتعانقة والمتشابكة والمتقاطعة المرسومة في هذا الفراغ 

 

3- مجموعه الاشكال والتكوينات التى تخلقها هذه الخطوط والفراغات المحيطه بها 

 

4- مجموعه الالوان المفروشة على سطح هذا الفراغ  

 

المضمون فى اللوحة الفنية التشكيلية هو تلك الافكار والرؤي والعواطف التى تحاصر الفنان وتعشش في مخيلته زمنا حتى تضطره لتفريغها وسكبها على سطح اللوحه الفنية محاولا التعبير عنها بوساطة عناصر الشكل التى تقدم ذكرها وهى نتاج لثقافه الفنان وعقائده وعاداته وتقاليده ورؤاه فى الحياة والمجتمع والطبيعة

 

لكل لوحه نسبها وأبعادها وشكلها الخارجي العام فمنها المستطيلة والمربعة والمستديرة ومنها الكبيرة والصغيرة ولكل شكل من هذه الاشكال الموضوع الذي يناسبه ويتلاءم معه وعلى سبيل المثال ان اللوحات التى تعبر عن الطبيعة  البحرية تختلف نسبها وأبعادها عن اللوحات التى تمثل الطبيعة الصامتة او تلك التى تعبر عن الصور الشخصية  البورترية او تلك التي تعبر عن الملاحم والبطولة فكلما استشعر المتذوق الانسجام التام والتوافق بين المفردات والصيغ المرسومة داخل هذا الفراغ والمساحة الاجمالية لهذا الفراغ شعر بالمتعة والالفة لما يشاهد والعكس صحيح وهذا يتطلب التدريب المستمر للعين باعتبارها الحاسة التي نرتشف بواسطتها الملامح الجمالية للاشكال المرئية سعيا للارتقاء بعملية التذوق  

 

تنتشر الالوان الزاهية  بكل شئ بحياتنا  وهى تؤثر تاثيرا كبيرا على الانسان عند رؤيتها  نفسيا وشعوريا  فشركات التسويق عموما  تختار الالوان المناسبة والمتناسقة  لتكسب ثقة الزبون بينما تستخدم اغلب البنوك اللون الازرق الداكن الذي يدل على الامان والثقة  اما فى مجال  الطب تستخدم الالوان الزاهية لتحسين نفسية المريض وتزرع فى نفسه التفاؤل والامل بينما شركات الديكور فتختار الالوان المناسبة للمنازل كالالوان الهادئة 

 

لقد قسم العلماء الالوان لقسمين هما الالوان الدافئة والالوان الباردة وبالفعل اثبت جهاز الترموبيل الذي يقيس حرارة الالوان ان الالوان الدافئة حرارتها أكبر من الالوان البارده فاللون الأحمر  يعبر عن الحب والشجاعة والارادة والغضب والكره احيانا كما يعبر عن السرعة والخطر والحيوية والطاقة ويؤثر بشكل إيجابي على الصحة الاكزيما والاعضاء التناسلية والحروق  بينما  اللون  الازرق أحد الوان الطبيعة وهو لون بارد لون السماء والبحر يعبر عن البرودة والاستقرار والامان والحياة  والحزن و يؤثر بشكل ايجابي على اعضاء الجسم المختلفة مثل القلب والرئتين فهو لون الاسترخاء والهدوء ويناسب الاشخاص العصبين  والذين يعانون من الارق  بينما اللون الاخضر أحد الوان الطبيعة  فهو لون بارد لون الطبيعة والجمال والهدوء والثقة والصدق والتفاؤل والصبر والتسامح والتفاهم لون النشاط والدقة والانفعال هو اكثر الالوان راحة للعين يساعد فى تهدئة الجهاز العصبي وهو لباس اهل الجنة  اما الاصفر فهو لون دافئ وهو لون الشمس والصيف هو لون الحكمة والسعادة والسرور يثير الانتباه ويعزز الشعور بالجوع ويؤثر ايجابيا فى عمل الكبد والطحال والشعب الهوائية والجهاز العصبى  بينما اللون البرتقالي وهو لون النار البهجة و البشاشة وهو يقاوم النعاس وينشط عمليات الهضم وجهاز التنفسي بينما  اللون   الاسود لون القوة والظلام وملك الالوان ويرمز للحزن او السلطة  اما اللون الابيض  فهو لون السلام والمحبة ويعبر عن النقاء والصفاء والعقلانية والاتزان والحيوية والوضوح و يساعد في تهدئة جهاز المناعة 

 

ان عين الناقد المدربة تدرك المضامين الجمالية والتعبيرية والفكرية التى حاول الفنان تجسيدها فى اللوحة وارتشافها وتذوقها  فمثلا اللون الاسود جميل جدا على العباءة السوداء والشعر الاسود والعيون السوداء التي بها حور ولكنه قبيح جدا عند طلاء غرفه الجلوس باللون الاسود او نبني مبنى كامل باللون الاسود مالم نخرجه من كآبئته بالوان أخري أكثر زهوا فالانسان الريفي يميل للالوان البكر الصارخة الطاغية كالاحمر القاني والاصفر الفاقع والاخضر الزمردي والازرق النيلي لارتباط ذلك بمشاعره البكر الجياشة العارمة التى لم تهذبها يد المدينة بينما يميل الانسان الحضري الى الالوان الهادئة الممزوجة والمطفية والمكسورة كالابيض والسكري والبيج والعسلي والرمادي ولو تم نقل ابن الريف الى المدينة ليعيش بها لتدرج بذوقه وتذوقه للالوان البكر ومثال ذلك حادثة الشاعر العربي الذي اتى من القفار ومن البداوة وحضر لاحد الخلفاء مادحا فقال له 

 

انت كالكلب فى حفاظك للود   وكالتيس فى قراع الخطوب 

 

ففهم الخليفه بعقله الراجح وحسه السليم ان الشاعر لم ير خيرا من الكلب مثالا للوفاء فى باديته ولم ير أشجع من التيس فى الصراع ومقارعة الخصوم فى تلك البيئة الجرداء القاحلة وانه استخدم هذه العبارات الخشنة الجافة لشدة ملازمته لاهل البادية وبعده عن اهل الحضر فأمر له بدار حسنة ومتاع وكساء وامر بعضا من حاشيته ان يتعهده بالرعاية والعناية ومخالطة أهل الحضر ومجالستهم ومحاورتهم ليتأثربهم ويأخذ عنهم ويقتبس من الفاظهم  وعباراتهم وأحاديثهم فى التعبير حتى اذا ما مضت مدة من الزمن استدعاه الخليفه مجددا لينشده فحضر وقال 

 

عيون المهما بين الرصافة والجسر    جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري 

 

فتعجب الخليفة من رقة شعره ولطافته وعذوبة الفاظه وكانت هذه الحادثة قد حصلت بين الشاعر العباسي على بن الجهم والخليفة العباسي المتوكل