ألغام تحول دون عودة نازحي الرقة - علي العائد

mainThumb

16-11-2017 02:19 PM

 قال عنصر في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لأحد المدنيين، ردا على سؤال إن كانوا نزعوا الألغام من الأراضي المحاذية لقناة الري في قرية كُبش، شمال غربي الرقة “إمشي وجرب.. إزا طقيت أصبح في ألغام.. ما في غير هالطريقة.. نحنا مو فاضين ندور ألغام” (موقع معهد العالم للدراسات سبتمبر 2017).

 
ويقول إعلام قوات سوريا الديمقراطية إن عدد الألغام التي زرعها داعش في الرقة ومحيطها يناهز ثمانية آلاف لغم، دون تفسير كيفية الوصول إلى هذا التقدير، وإن كان ذلك نتيجة التحقيق مع عناصر داعش السوريين الذين استسلموا لقسد، أو بمسح أولي أجراه خبراء بمساعدة الأجهزة الخاصة بالألغام.
 
في هذا الوقت، نشأت مهنة جديدة في الرقة، من خلال توافر خبراء كشف ألغام بواسطة أجهزة، حيث يمكنك الاستعانة بالخبير للكشف عن وجود ألغام في مدخل بيتك، إذا كان لا يزال البيت قائما، وفي مقابل 250 ألف ليرة سورية (حوالي 500 دولار) يمكن للخبير تأمين البيت من انفجار يقضي على ما تبقى منه. بالطبع، تمر هذه العملية من تحت الطاولة، بعملية فساد منظمة في “غفلة” من سلطة الأمر الواقع على الأرض.
 
أكثر من ذلك، تستطيع الوصول إلى عنصر نافذ في قوات سوريا الديمقراطية مقابل مبالغ يتفق عليها لإنقاذ بضاعتك إذا كنت تاجرا هربت بأرواح عائلتك عندما اشتد القصف على المدينة.
 
مع ذلك، لا تُعد الألغام وقصصها الهمّ الوحيد الذي يعاني منه الآن نازحو الرقة، فتقديرات حجم التدمير في المدينة التي سمع عنها النازحون، والضخ المستمر للصور التي يشاهدونها يوميا، خففا من حجم الصدمة التي سيشعرون بها عند عودتهم لمشاهدة بيوتهم المدمرة، حتى لو كانت الرؤية عيانا لبيتك المدمر مختلفة عما قد تقوله الصور الصماء، ففي لحظة معاينة الدمار سيمر شريط من الذكريات عمره سنوات، أو العشرات من السنوات، فيها من الأفكار والمشاعر ما لا يمكن مقارنته بأرقام إعادة المكونات المادية للبيت، إن كان في مقدور أحد إعادته إلى ما كان عليه.
 
إحدى المعضلات التي يمكن تجاوزها هي إعادة البناء، لأن هنالك أفرادا يملكون المال اللازم لإعادة بناء بيوتهم، لكن من الصعب تصور إعادة تركيب التفاصيل الجديدة للبيت لتتطابق مع مخزون الذاكرة المستعادة. تماما مثلما يتعذر استخدام مفاتيح البيت التي يحملها النازحون كمتاع للعودة، لتتحول تلك المفاتيح إلى مجرد رمز مشابه، أو مطابق، لمفاتيح بيوت الفلسطينيين الذين أُجبروا على ترك بيوتهم، نازحين ولاجئين.
 
قدرة الأميركي الآن تقتصر على إصلاح شبكة الكهرباء، لكن دون وعد بإعادة سريان الكهرباء. ولحسن الحظ أن الفرات قريب من الرقة، ولا تزال مياهه تتدفق. أما مسألة تنظيف الشوارع من أنقاض البيوت المدمرة فعملية أكثر صعوبة كونها تكلف مالا كثيرا، وتحتاج إلى وقت طويل لنقل أنقاض ما يصل إلى 50 ألف بيت (بافتراض أن عدد سكان المدينة 500 ألف نسمة وأن متوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أشخاص، وأن نسبة التدمير الكامل هي 50 في المئة فقط). وجاء في تصريحات شبه رسمية أن قسد تنصلت من القيام بهذه العملية، كون مهمتها انتهت بـ”تحرير المدينة”. وهذا يعكس المزاج الأميركي الذي تهرب صراحة من أي وعد بتحمل تكلفة إعادة إعمار المدينة.
 
أكثر من ذلك، نقل إليّ مصدر موثوق أن شابا أميركيا صانعا للسياسات الأميركية عمره 25 سنة تقريبا، ومتواجد بين عين العرب – كوباني والرقة منذ ثلاثة شهور، أبدى، خلال لقاء في إسطنبول في آخر أكتوبر الماضي، موافقته على التعاون مع نظام الأسد بشكل مباشر، أو غير مباشر، لإعادة مظاهر الحياة المدنية إلى الرقة، بإرسال الأموال والموظفين وورش إصلاح شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، كون ذلك يخفف العبء الإداري والمالي عن الأميركان، دون أن يقول صراحة إن كان موافقا، مع دولته، على إعادة تسليم المدينة للنظام.
 
لكن صانع السياسات هذا لم يستطع الإجابة على سؤال إن كان سيسمح للنظام بإعادة تمكين الجهاز القضائي الذي يعمل بالقانون السوري إلى المدينة، خاصة أن إعادة الإعمار تحتاج إلى شعبة قضائية كاملة للفصل بين خلافات النازحين الذين زالت بيوتهم ويحتاجون إلى إعادة تثبيت ملكياتهم في أراض تحتاج إلى تخطيط وفرز جديدين.
 
إذا، فدون عودة النازحين عقبات مرحلية، أولها الألغام و”الشركات الخاصة المختصة بنزع الألغام”، ثم “التعفيش” (مصطلح بطلقه السوريون للدلالة على حالة النهب والتخريب التي تطال البيوت من قبل قوات مسلحة نظامية أو معارضة التي تسيطر على منطقة ما). أما العقبة الأسهل فهي إعادة الكهرباء والماء وصيانة شبكة الصرف الصحي وإصلاحها، بافتراض توافر الأموال والآليات اللازمة لتسهيل عمليات إزالة الأنقاض.
 
الأكثر إلحاحا الآن هو العودة المستحيلة للنازحين الذين فقدوا بيوتهم تماما، حتى إذا كان بعضهم، وهم قلة، يمتلكون المال لإعادة بناء بيوتهم. وهؤلاء لا يقل عددهم، نظريا، عن 250 ألف نسمة.
 
نقول نظريا، لأن عددا كبيرا منهم لا يقل عن 350 ألف مدني لجأوا مبكرا إلى تركيا القريبة، أو نزحوا إلى مدن الداخل في مراحل متتابعة من حكم داعش، ما يعني أن الذين نزحوا في الشهور الأخيرة في اتجاه ريف الرقة الشمالي خاصة، يناهز 150 ألف نسمة، وهؤلاء هم المعنيون بالعودة السريعة إلى المدينة، أو المضطرون للعودة في الحقيقة.
 
أما آخر صور المضحك المبكي الذي يعانيه نازحون في أرياف الرقة، وخاصة في قرى تل أبيض، التي خضعت منذ أكثر من عامين لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، فهو السكن في بيوت خالية لجأ أصحابها إلى تركيا، كون هذه البيوت أصبحت تحت سلطة تلك الوحدات، ولا يستطيع النازح السكن في أحدها، حتى لو كان المنزل لأخيه، أو قريبه، إلا بموافقة “أمنية” من سلطة الإدارة الذاتية، ما يعني إعادة التذكير بنظام الكفيل الأمني التي ابتدعها الأكراد في مدينة تل أبيض التابعة لمقاطعة كوباني.
 
 
كاتب سوري


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد