غسان سلامة والمرحلة الثانية من خارطة الطريق الليبية - أمين بن مسعود

mainThumb

20-11-2017 02:59 PM

 المتابع للإحاطة الدورية التي ألقاها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أمام أنظار مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى الحوار الصحافي المطول لوكالة الصحافة الفرنسية، يدرك أن مسار التفاوض الليبي وصل إلى حالة الانسداد وبلغ مأزقا حادا قد يهدد منظومة الحوار برمتها.

 
ذلك أن تحضيرات بعثة السلام الأممية في ليبيا لإعداد سجل كامل للناخبين الليبيين استعدادا للانتخابات البرلمانية والرئاسية ودعوة سلامة كافة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والقبليين والعسكريين إلى مؤتمر وطني شامل مطلع العام المقبل، تكشفان في طياتهما عن اعتراف أممي بفشل المرحلة الأولى من خارطة الطريق الليبية.
 
يبدو أن الجولة الأولى التي أفردت لمناقشة تعديل اتفاق الصخيرات ولا سيما في النقاط الأساسية الثلاث والكامنة في المؤسسة العسكرية وشكل النظام السياسي وتشكيل الحكومة، اصطدمت بفيتوات محلية وإقليمية حالت دون تكريسها للحد الأدنى من تطلعات المنتظم الأممي وانتظارات الشارع الليبي.
 
لذا فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية، والمتمثلة في المصادقة على مشروع الدستور وتنظيم المؤتمر الوطني والبداية في الإعداد للاستحقاقات الانتخابية الكثيرة، يعد قفزا على منطق ومنطوق خارطة الطريق وهو أيضا قفز غير محسوب العواقب في المجهول السياسي.
 
واحدة من مطبات خارطة الطريق في ليبيا أنها بنت مراحلها على التراتبية والتعاقب لا على التوازي والتكامل بين المسارات. صحيح أن التراتبية تمنح لصيرورة الحل أسسا متينة وتفتح الأبواب للتشاركية المتعددة وتؤسس لمنحى توافقي واسع الطيف والأطياف، لكنها في المقابل تؤصّل على مبدأ الرصاصة الأولى والأخيرة، فالفشل في مرحلة هو فشل للمسار برمته.
 
يتضح هنا جليّا أن المبعوث الأممي غسان سلامة لا يمتلك الخطة لتعويض أي مرحلة من مراحل الحل، في حال تم إجهاضها من الداخل أو الخارج، وهو ما يفسر إقدامه على خيار “شمشون الانتحاري”، حيث ينخرط في المرحلة الثانية دون إتمام للتوافق النسبي أو الأغلبي لأهم نقاط المرحلة الأولى.
 
ولئن عجزت البعثة الأممية، على الرغم من عملها الدؤوب واجتهادها الملحوظ، في فك عقدة المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات وترتيب الأمور التنظيمية الخاصة بصلاحيات الحكم والحكومة، فكيف بالمرحلة الثانية التي تمثل جوهر المرحلة الانتقالية في البلاد، حيث قوة التمثيل في المؤتمر الوطني وتقاسم المهام والصلاحيات وتعدد المقاربات حيال الدستور والتجاذبات الكثيرة حيال هيئات الانتخابات والدوائر الاقتراعية.. وغيرها من حقول الألغام التي تهدد جهد سلامة بالفشل ومسار التسوية برمتها بالانفجار؟
 
ويبدو أن العديد من الأطراف داخل ليبيا قد اقتنصت فرصة الاستعصاء الحاصل في المرحلة الأولى، فباتت تنادي بالانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية فرضا لأمر واقع وإجبار الليبيين على القبول بأنصاف الحلول عقب تعثر مسار المصالحة والحوار والسلم الشامل في البلاد.
 
ولئن كان خيار قطع الطريق أمام خارطة الطريق ضربا من استدرار الوهم، فإن مقاربة الهروب إلى الأمام المعتمدة من الوسيط الدولي هي تسريب لوهم البناء والتشييد دون أساس صلب وصحيح، لتأتي النتيجة بسقوط البناء على رؤوس أصحابه وجيرانه أيضا.
 
عبارة دقيقة جدا ساقها السفير سلامة للفاعلين السياسيين الليبيين قوامها أن الانتخابات تقوم على مبدأ التبادل وليس التراكم، فالشعب يحتاج عقب كل انتخابات لسلطة جديدة لا لسلطة تضاف إلى القديمة، بيد أنه على سلامة أن يعلم أيضا أن قيمة الوساطات أيضا تكمن في إيجاد البدائل وصناعة المشاريع وتجسير الهوّة واجتراح الأمل، لا زيادة مبادرة فاشلة لترسانة المبادرات العاجزة والقاصرة عن جمع الليبيين على راهن ورهان واحد.
 
الأممي سلامة مختلف عن باقي الوسطاء في الملف الليبي. هو مختلف عن زميله اللبناني طارق متري أول وسيط دولي في ليبيا. فسلامة رجل مخضرم ومثقف وصاحب تجربة سياسية فريدة، في المقابل يجب عليه تمام الإدراك أن مدرسة الزمن الاستراتيجي حيث يستحيل الوقت إلى عامل من عوامل التغيير في موازين القوى وتبديل المواقع والمواقف وهي المدرسة ذات الصيت الشائع في المشرق العربي وفي الشام بصيغة خاصة، غير مؤهلة للنجاح في السياق المغاربي وبخاصة في الجارة ليبيا لاعتبارات أنثروبولوجية وتاريخية وجغرافية وسياسية كثيرة لا مجال هنا لذكرها.
 
على سلامة اختيار طريق السلامة في الملف الليبي الحسّاس والشائك والمتشابك والشاق جدا، والانخراط سريعا في تغيير منظومة خارطة الطريق من منطق الترتيب إلى التوازي، عسى أن يكون إغلاق ملف استحثاثا لإتمام آخر واستعصاء قضية لا يكون سببا في سقوط حجارة الدومينو.
 
كاتب ومحلل سياسي تونسي
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد