نهاية صالح هي بداية لمعركة صنعاء الحقيقية - أحمد أبو دوح

mainThumb

05-12-2017 11:16 AM

 مقتل علي عبدالله صالح على يد الحوثيين عدّل المعادلة ولم يقلبها كما يعتقد كثيرون. الآن بدأت معركة صنعاء الحقيقية.

 
المعادلة بسيطة: هناك شعب يمني، بما في ذلك الجيش ومؤسسات الحكم والمجتمع المدني والقبائل، وهناك ميليشيا تحاول الاستيلاء على مقدرات كل هؤلاء.
 
كل ما قام به الرئيس اليمني السابق هو أنه جعل أطماع الحوثيين ممكنة للمرة الأولى في تاريخهم. كان يمكن تسمية هذا الواقع قلبا للأوضاع. بعد مقتل علي عبدالله صالح انحسر الفضاء السياسي والقبلي والعسكري الذي كان يمثله بالنسبة للحوثيين، وعادت الأمور إلى نصابها. اليوم نحن أمام شعب في مواجهة ميليشيا.
 
لم ينس الحوثيون مقتل حسين بدرالدين الحوثي على يد علي عبدالله صالح في الحرب الأولى عام 2004. كان التحالف معه بالنسبة إليهم “جسرا” انتقاليا قد يمكنهم من تسليم اليمن لإيران، ثم يأتي بعد ذلك القضاء عليه. قتل صالح كان أمرا حتميا في عقيدة الحوثيين. ما حدث هو أن التخلص منه جاء مبكرا فقط.
 
الحوثيون لا يستطيعون الإقدام على مثل هذا الخيار وحدهم، بما في ذلك مواجهة ردود الفعل الدولية وغضب القوى الكبرى وكلفة دعم هذه القوى للتحالف العربي من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على إيران.
 
التخلص من علي عبدالله صالح كان خيارا إيرانيا بالأساس. قرار كهذا انعكاس لعمق المأزق ووطأة الورطة التي تشعر إيران أنها صارت فيها.
 
قتل صالح هو الخطة “ب” في إيران منذ اندلاع الحرب في مارس 2015. انتحار سياسي وزج باليمن إلى فوضى لن تنتهي قريبا. المسؤولون الإيرانيون كانوا يفكرون دائما في “الحرب الأهلية” كبديل في حال فشل الحوثيون في حكم اليمن.
 
 
تحركات صالح في اليومين الماضيين وضعت حلم إيران بالسيطرة المطلقة على اليمن على المحك. انقلاب معسكر صالح على الحوثيين معناه عودة خليج عدن ومضيق باب المندب إلى نطاق النفوذ الخليجي، ومعناه أيضا أن أوراق الضغط المباشرة على الدولة السعودية نفسها قد ذهبت هباء. كان علي عبدالله صالح على وشك أن يتحول إلى بطل تاريخي.
 
مشكلة صالح أنه لم يكن شخصا محسوبا على قيم محددة ولم يثق في محيطه الخليجي قط، حتى بعد وقوف العرب والخليجيين معه دون شروط مسبقة.
 
كم مرة أنقذ الخليجيون والعرب صالح من قبل؟
 
تسامح الخليجيون مع صالح عقب تأييده لصدام حسين خلال غزو الكويت عام 1990، ثم تسامحوا معه مرة أخرى عندما قرر شن حرب على الجنوب عام 1994 بالتعاون مع المتطرفين الإسلاميين، رغم توقيعه وثيقة العهد والاتفاق مع علي سالم البيض، ثم عادوا وتفهّموا وضعه خلال مشكلة الحدود مع السعودية قبل عام 2001 ودعمه لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ثم تغاضوا عن التفافه على مخرجات الحوار الوطني وتحالفه، بعد عام 2011 وعودته من رحلة العلاج في السعودية التي أنقذت حياته، مع إيران والحوثيين.
 
مشكلة صالح أنه خرج عن المحيط العربي واختار أن ينكشف استراتيجيا دون مظلة حماية. العرب قد يتسامحون مع “ربعهم” إذا أخطأوا وعادوا، لكن حسابات الإيرانيين مختلفة.
 
لو كان صالح قتل قبل 72 ساعة من الآن لما اهتم أحد. بالعكس، كان سينظر للأمر حينها باعتباره إضعافا كبيرا لصفوف “الانقلابيين”. مشكلة اختفاء صالح اليوم هي أنه يضع التحالف أمام مأزق دخول الحرب “بالضعفاء”.
 
في النهاية صالح حصد ما زرعه، لكنه كان رجل اليمن القوي دون شك. خطوة تصحيح الأوضاع قبل مقتله، معناها أن مهمة مسك الأرض والعمل مع طائرات التحالف، المسيطرة على السماء، كانت إجماعا وطنيا. اختفاء صالح فجأة يفتح الباب أمام انقسامات بين قيادات المؤتمر الشعبي العام والحرس الجمهوري والقبائل التي كانت داعمة له.
 
حكومة عبدربه منصور هادي ليست هي القيادة التي يبحث عنها اليمنيون في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخهم. إلى جانب دعم الهجوم العسكري على الحوثيين، صارت مهمة دول التحالف اليوم هي خلق قيادة ميدانية يثق بها اليمنيون.
 
الأمر واضح ولا يتحمل أي تأويل. نعم، لا أحد يستطيع لعب هذا الدور سوى أحمد علي عبدالله صالح.
 
تنصيب أحمد صالح زعيما للمؤتمر الشعبي العام خطوة استباقية على دول التحالف أن تسرع إليها قبل أن تتغير ولاءات القبائل والقوى الداعمة لصالح على الأرض. كل ساعة تمر قبل حسم هذه الدول لمواقفها هي انتصار معنوي لإيران، وتعميق في الشرخ الذي أصاب قوات صالح، ووضعها على شفا الانهيار.
 
منطقية الدعوة لتولي أحمد صالح المسؤولية خلفا لوالده تعكسها طبيعة النظام القائم على “الزعيم الأوحد”. اختفاء هذا الزعيم دون خلق امتداد له، يعني القضاء على النظام بأكمله.
 
بقاء دعائم نظام صالح، الذي لم ينهر أبدا، ضروري لإسناد حكومة هادي المهتزة، ولخلق شرعية دولية مضاعفة لقضية “الحكومة الشرعية”. مقتل صالح سيغير كثيرا من رؤية القوى الكبرى للصراع في اليمن، وسينتج عنه دعم نابع من وضوح معادلة “الشعب والميليشيا” بالنسبة للغربيين خصوصا.
 
الشرعية الجديدة تحتاج إلى قاعدة مجتمعية تبنى عليها، وتحتاج أيضا إلى قوة شعبية تترجمها إلى توافق ميداني مؤثر. عبدربه منصور هادي هو القاعدة الرسمية والمؤسساتية، وأحمد صالح هو القوة المجتمعية الضاربة.
 
استكمال أحمد صالح لموقف والده الجديد حتمي. في النهاية نحن أمام رجل لم يتورط في التحالف مع الحوثيين أو في هندسة مفاصله، كما أنه يحظى بشعبية واسعة داخل حزب المؤتمر.
 
تحركات اليومين الماضيين عكست بوضوح أن قواعد الحزب لم تكن قادرة على التعايش مع أعدائها التاريخيين. رد الفعل على انقلاب صالح على الحوثيين ظهر في قمة الانتصار اللحظي الذي كاد أن ينهي التواجد الحوثي في صنعاء.
 
هذا يجعل الأجواء ممهدة لعودة أحمد صالح سريعا دون أي تحفظات أو منافسين حقيقيين، خصوصا بعد مقتل عارف الزوكا وياسر العواضي مع صالح.
 
انطلاق معركة صنعاء قد يكون نهاية لسيطرة إيران على واحدة من العواصم العربية الأربع التي تحكمها من طهران، وقد يكون بداية لعصر جديد من الصراعات الأهلية والقبائلية، بقيادة إيرانية.
 
لكن ما بات مؤكدا اليوم هو أن الحوثيين سيدفعون ثمن هذا الخطأ الإستراتيجي دون تأخير.
 
 
كاتب مصري
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد