هل انتهى مسار جنيف؟ - رياض نعسان أغا

mainThumb

15-12-2017 08:42 PM

 لم يفاجئنا انسداد الأفق أمام الجولة الثامنة من المفاوضات، فقد تكرر هذا الأمر في سبع جولات سابقة، كان النظام فيها يلاعب المعارضة، بينما هو يمضي سريعاً في الحسم العسكري معتمداً على قوى روسيا وإيران والميليشيات الطائفية وعلى الشبيحة الذين بالغوا في الإجرام. ولم يظهر المجتمع الدولي اهتماماً جاداً في دفع المسار السياسي، رغم ما كان يبديه بعض سفراء الدول الصديقة من تعاطف مع قضيتنا، وكان إبطال روسيا لقرارات مجلس الأمن قد بلغ حداً غير مسبوق في عدد المرات التي استخدمت فيها «الفيتو»، ولم يبد أعضاء مجلس الأمن الباقون أكثر من التعبير عن الأسف!

 
وأما الولايات المتحدة، وهي الدولة الأقوى في العالم، فقد أبدت لفترات طويلة حالة من التخلي عن القضية السورية مفوضة روسيا باتخاذ ما تراه من إجراءات، وقبل أول جولة قامت بها الهيئة العليا للمفاوضات تردد الزملاء أعضاء الهيئة في الذهاب إلى جنيف، حيث لا شيء يوحي بإمكانية إيجاد حل سياسي مع النظام الذي صعد يومها هجومه الوحشي على الشعب، ولم يبد أية استجابة نحو التفاوض. يومها تدخل جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، بتقديم ما يشبه الضمانات في رسالة دعم وتعهد أرسلها إلى الهيئة، وهو يحثنا على المشاركة، ولم نلحظ أي دعم يذكر! وحين كنا نوقف التفاوض احتجاجاً على تصاعد العدوان والحصار -كما حدث يومها في مضايا- كانت تهرع إلينا دول الأصدقاء تطالبنا بألا نضيع الفرصة! وكان النظام لا يقبل بأي حديث سوى مكافحة الإرهاب، وقد تمكن من أن يقنع العالم بأن القضية هي صراع بين نظام شرعي وبين تنظيم «داعش» وما يشبهه! وكان يقول إن وفد المعارضة لا يمثل كل أطيافها.
 
كان الروس يومها ينظرون إلى الجيش الحر وإلى المعارضة على أنهم إرهابيون، وتمكنا عبر الفائدة الوحيدة من الذهاب إلى جنيف من أن نري العالم أن المعارضة ليست إرهابية، وأن القضية هي مطالب الشعب بالحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية، وكانت الإفادة من ساحة جنيف الإعلامية كبيرة لأنها حظيت باهتمام شعبي عالمي.
 
وأذكر في لقائنا الأول مع دي مستورا قوله لنا: «إن تشكيل الوفد المفاوض هو امتيازكم وحدكم» وبعد حين قال: «لا بد من إشراك منصتي القاهرة وموسكو»، ودرسنا الأمر بإيجابية لسد الذرائع، ووافق دي مستورا على أن يضم الوفد ممثلاً واحداً عن موسكو وآخر عن القاهرة. وأجرينا حوارات مع المنصتين، ولم يوافق الطرفان رغم ما أبداه فريق القاهرة من استجابة مبدئية، ثم فوجئنا بطلب ضم المنصتين بتمثيل أوسع. وكان لقاؤنا معهما في الرياض جاداً، حيث وضعنا القبول ببيان الرياض1 أساساً لتوحيد المعارضة، ورفض وفد موسكو، واعتبرنا متشددين، وعقد مؤتمر الرياض الثاني وفوجئ الجميع بأن أكثرية الوفد الجديد تتمسك بمطالب الشعب. وربما كان دي مستورا ينتظر أن يقابل وفداً مائعاً يفتتح الجلسات بترديد شعارات النظام، ويعلن التمسك به، ولهذا طالب وفد النظام بالتخلي عن بيان الرياض2، ولم يقبل مناقشة سلال دي مستورا. وأصر على أن يناقش موضوع الإرهاب، وأعلن أن سوريا ما تزال مهددة بالإرهاب. والحقيقة أن الإرهاب موجود تحت الطلب، فهو الذي مكن النظام من أن يبيد شعبه بذريعة مكافحة الإرهاب، وحقاً «داعش» اليوم تزحف نحو إدلب مع قوات النظام، وما تزال لها جيوب في أطراف دمشق وأطراف درعا أو في البادية، حيث سمح لها بالتمدد خفية بعد أن تبخرت دون قتلى أو أسرى أو معتقلين.
 
والسؤال الآن: هل حقاً تخلى أصدقاء الشعب السوري عنه؟ وهل سيقبلون بأن تبقى القضية السورية معلقة كما علقت قضية فلسطين؟؟ فالجميع يعلمون أن سوتشي قد تقدم حل إذعان، وربما مراضاة مؤقتة ببضعة مناصب وزارية في حكومة موسعة يقودها الأسد، والسوريون يعلمون أن هذا فخ للإيقاع بالمعارضة التي ستلقى عقاباً قد يدوم عشرات السنين، وقد يضطر النظام لبناء عشرات السجون في تصفية معارضيه، ولا توجد أية بارقة ثقة تدعو المشردين واللاجئين للعودة إلى فروع الأمن لتسوية أوضاعهم كما يخطط النظام.
 
وحتى لو عقد سوتشي وجاء بأفضل من التوقعات المتشائمة، هل سينسى السوريون ما ذاقوه من عذابات مريعة على يد النظام فيقبلون يده من جديد؟ وهل ستطلق سوتشي مثلاً أحكام الغفران نيابة عن الشعب على جرائم قتل مليون شهيد وإصابة مليوني معاق، فضلاً عن الجرائم التي ترتكب بحق المعتقلين، وفوق ذلك كله جرائم التهجير القسري وتدمير المدن والأرياف وهدم ملايين المنازل والمدارس؟ وهل ستنتهي مأساة العصر الكبرى بعد سبع سنين من شلالات الدم المستباح دون محاسبة للمجرمين ودون الخلاص من الديكتاتورية؟
 
* نقلا عن "الاتحاد"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد