الاتحاد الأوروبي والقرار الأميركي؟ - د. آمال موسى

mainThumb

17-12-2017 01:18 PM

 صحيح أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعلان عزم بلاده نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل قد أظهر - هذا القرار - حال الدول العربية الراهن، باعتبار أن هذا القرار وضع الوضع العربي وانقساماته في الحسبان.

صحيح هذا الكلام. ولكن مع ذلك، ورغم كل ما قيل وما لم يقل، فإن هناك معطيات مهمة ومواقف دولية قوية هي في صالح القضية الفلسطينية، وضد القرار الأميركي هذا.
 
بمعنى آخر، نحن في حالة قابلة للتجاوز، لو عرفنا كيف نتحرك دولياً ودبلوماسياً، ذلك أن ما وصفناه بالمواقف الدولية الإيجابية لا شيء يضمن استمرار إيجابيتها، إذا فشلنا في استثمارها، ومن ثم تقويتها.
 
يبدو لي أن الوضع، رغم خطورته، ليس مأساوياً، وأننا في البداية الآن، ويمكن أن نعيد كتابة اللحظة الراهنة.
 
ففي هذا المعنى، من المهم الانتباه المنظم والذكي لموقف دول الاتحاد الأوروبي من قرار الرئيس ترمب، واعتباره نقطة قوة، والاشتغال عليها سياسياً ودبلوماسياً.
 
إن موقف الاتحاد الأوروبي لاحظناه قبل يوم من إعلان ترمب قراره، حيث وجه وزراء خارجية الاتحاد، في اجتماع مع نظيرهم الأميركي، تحذيراً بخصوص هذا الموضوع.
 
وعقب إعلانه، عبّر الاتحاد عن قلقه العميق من تبعات هذا القرار، وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، موقف دول الاتحاد من القدس الرافض لأي حل خارج المفاوضات السياسية، متمسكة بحل الدولتين.
وعلى امتداد الأيام الأخيرة، قام الاتحاد الأوروبي بتكرار الموقف نفسه، مع التأكيد على عدم تبدله.
 
إذن، المتتبع لموقف الاتحاد الأوروبي يلاحظ معارضة واضحة، وتمسكاً بالموقف ذاته المتمثل في حل الدولتين، وهو موقف يجب التعامل معه كنقطة قوة حقيقية لا مجال للتفريط فيها. فالاتحاد يضم 28 دولة، وهذا في حد ذاته قوة ضغط لصالح القضية الفلسطينية.
 
لنأتِ الآن إلى بيت القصيد، وإلى الفكرة الأساسية التي أود التركيز عليها:
 
إن موقف الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الآن بارقة أمل حقيقية، وورقة قوية لصالحنا، يمكن أن نخسرها في أي وقت إذا لم نحصن هذه الورقة جيداً.
 
يجب ألا ننسى أن إسرائيل تحصلت على اعتراف ودعم ومؤازرة أقوى دولة في العالم، وهذا شئنا أم أبينا سيمثل عقبة حقيقية أمام معركتنا الراهنة من أجل فسخ هذا القرار.
 
لقد حرصت إسرائيل على حصول هذا الاعتراف من قِبل دولة قوية ومسيّرة للعالم من جهة، ودولة راعية للقضية الفلسطينية منذ انطلاقها من جهة ثانية، لذلك فإن ما قاله بنيامين نتنياهو حول توقعه أن يحذو الاتحاد الأوروبي حذو أميركا يستبطن فكرة أن باب الاعتراف قد فتح واسعاً، وهو فتح قوي بالمعنى السياسي. بل إن رئيس وزراء إسرائيل قال، في كلمة له في بروكسل أمام مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن دول أوروبا لا تستطيع أن تنكر حقيقة أن القدس عاصمة إسرائيل، وأن اعتراف دول الاتحاد بالواقع هو جوهر السلام.
 
ما لم ننتبه إليه بشكل واضح هو أن تأثير إسرائيل على الاتحاد الأوروبي قد بدأ، ولم تترك الأمور للصدفة ولمجرى تلقائية ردود الفعل. فالاتحاد الأوروبي لم يعبر عن إدانته لقرار ترمب، بل اكتفى بالتعبير عن قلقه العميق، إذ إن دولة المجر منعت بصوتها صدور موقف الإدانة الأقوى رمزياً في التعبير السياسي الدبلوماسي عن الرفض.
 
بمعنى آخر، لم نتحصل على أقوى أشكال الرفض من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن تأثير إسرائيل في اقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي، وما هي مستعدة للقيام به من أجل حدوث انقسام في المواقف، أمر متوقع جداً. وسيصبح الاعتراف بالقدس مجال مضاربة بين دول أوروبا مع الوقت، ولإسرائيل أوراق مهمة في أوروبا يمكنها العمل عليها.
 
بل إن إسرائيل همها الأساسي الولايات المتحدة، وبعد حصولها على الاعتراف، فإن بقية الاعترافات الأوروبية تتوقع أن تأتي تباعاً، وهي اعترافات ستخضع للمصلحة، أولاً وأخيراً.
 
إن مواقف دول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تتغير ككل المواقف السياسية. ففي السياسة، لا يوجد غير لغة المصالح.
 
لذلك، يجب ألا نطمئن لرفض دول أوروبا الراهن لقرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالمواقف لم تبدأ صلبة، ويمكن أن تتحول إلى رخوة مع الوقت وتراكم الأحداث.
 
المطلوب عربياً منع حصول اعترافات أوروبية، وذلك بحراك دبلوماسي فلسطيني - أوروبي، وعربي - أوروبي من خلال جامعة الدول العربية.
 
فإذا فتح باب الاعترافات الأوروبية واسعاً، مع العلم أن المجر واليونان لديهما القابلية الكبيرة لذلك، فلنعلم أننا خسرنا ورقة قوية. ولكن كي لا نخسر، نحتاج إلى خطة عمل قوية وحركية ومؤثرة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد