الارتباك الأميركي في العراق وسوريا - سلام السعدي

mainThumb

10-02-2018 02:05 PM

 دافع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن التواجد العسكري الأميركي في بلاده واعتبره ضروريا لاستقرار العراق وعدم بروز تنظيم داعش من جديد. يعكس موقف العبادي عودة النفوذ الأميركي بدرجة ما منذ انحساره بعد الانسحاب العسكري في العام 2011، حيث توسع النفوذ الإيراني. ولكن نفوذ واشنطن يبقى محدودا جدا مقارنة بنفوذ طهران في كل من العراق وسوريا.

 
ويبدو ضعف الموقف الأميركي في العراق من رد فعل الكتل السيـاسية وفصائل “الحشد الشعبي” المقربة من إيران، حيث صعدت من ضغوطها على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للمطالبة بالانسحاب، فيما هدد ما يسمى بكتائب حزب الله بمهاجمة القوات الأميركية في حال رفضت المغادرة. ويرتبط هذا التصعيد برغبة إيران في ترسيخ نفوذها في العراق وإبعاد أي خطر يمكن أن يشكله التواجد العسكري الأميركي في المستقبل.
 
استغلت إيران الانسحاب الأميركي في العام 2011 وما تلاه من ضعف مؤسسات الدولة والجيش وبروز تنظيم داعش لتوسيع هيمنتها خلال السنوات الخمس الماضية. وجاء التوسع الإيراني في العراق كجزء من مخطط شمل سوريا واليمن ولبنان.
 
واستطاعت خلال العام الماضي إنشاء ممر لوجستي يربطها بسوريا عبر العراق، حيث يمكّنها من نقل المقاتلين والسلاح بصورة مستمرة لحلفائها في بلدان النفوذ. هكذا تبخر نفوذ واشنطن في العراق والذي نتج عن الغزو الأميركي في العام 2003، والذي كلف أكثر من تريليون دولار ونحو خمسة آلاف قتيل أميركي.
 
هدف الغزو الأميركي تحويل العراق من دولة معادية إلى أخرى حليفة ومستقرة سياسيا عبر ديمقراطية توافقية طائفية وهو ما يساعد على ترسيخ التواجد الأميركي في الشرق الأوسط. ولكن إيران رأت أيضا أن الفرصة مواتية لتحويل العراق من دولة معادية، حاربتها خلال عقد الثمانينات، إلى دولة حليفة لا تشكل خطرا على أمنها.
 
ثم أدركت طهران بصورة سريعة إمكانية تحويل العراق لا إلى مجرد حليف فقط، بل إلى دولة تابعة، وخصوصا في ظل هيمنتها على الأحزاب السياسية الشيعية التي تصدرت الواجهة السياسية بعد الغزو الأميركي. وحتى قبل الانسحاب الأميركي، وجدت إيران في العراق سوقا جديدا وواسعا لتصريف منتجاتها. هكذا هيمنت المنتجات الإيرانية على السوق العراقي، ويشمل ذلك الأطعمة والألبان والأجبان، مرورا بمواد البناء والحديد، ووصولا إلى المخدرات.
 
وجاء الانسحاب الأميركي والحرب على تنظيم داعش، في ظل ضعف وتفتت الدولة العراقية، ليوفرا فرصة إضافية لإيران، حيث أنشأت تنظيمات مسلحة ضاغطة على الدولة. كان الهدف هو إنشاء دولة داخل الدولة في محاكاة لتجربة حزب الله في لبنان، بحيث تضمن طهران استدامة نفوذها مهما تغير المناخ الإقليمي والدولي، ومهما تصاعدت الضغوط على الحكومات العراقية.
 
وفي نفس الوقت، رأت الإدارة الأميركية في الحرب على داعش فرصة لاستعادة شيء من النفوذ الأميركي الضائع، فأرسلت آلاف الجنود الأميركيين وأعلنت بعد انتهاء المعارك مع التنظيم المتطرف بقاء قواتها ومعداتها في العراق لمدة غير محددة من أجل ضمان الاستقرار. ما بدا خجولا في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من رغبة في استعادة النفوذ الأميركي في العراق صار أكثر وضوحا في عهد دونالد ترامب الذي كان قد انتقد إدارة جورج بوش بسبب الغزو العسكري للعراق في العام 2003، وإدارة باراك أوباما بسبب انسحابها “المبكر” كما قال في العام 2011.
 
ولكن النفوذ الإيراني في العراق بات أمرا واقعا وقد قطعت طهران شوطا طويلا في توطيد مصالحها وحمايتها. استثمرت إيران في المجالات المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية بصورة كبيرة جدا وبسرعة ومرونة عاليتين خلال السنوات الماضية. وفي المقابل، كان التحرك الأميركي محكوما بالتردد، كما هي حال السياسة الأميركية بصورة عامة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
 
تحتاج الولايات المتحدة للخروج من حـالة الجمود والتردد التي طبعت سياستها إلى أن ترفع من استثمارها العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة كما فعلت إيران من قبلها. على الصعيد العسكري، لن يتحقق أي من أهداف أميركا في العراق في ظل تواجد خمسة آلاف جندي أميركي مقابل ميليشيات ضخمة تهيمن عليها إيران وتقدر أعداد مقاتلها بأكثر من مئة وخمسين ألف مقاتل.
 
على المستوى السياسي، لم تهتم الولايات المتحدة ببناء تحالفات سياسية استراتيجية كما فعلت إيران. في الحقيقة، نجحت واشنطن في توسيع دائرة أعدائها بصورة غير مسبوقة، ففقدت تركيا لصالح تحالف إيران وروسيا، كما فقدت المعارضة السورية التي التحقت بالخيارات السياسية التركية.
 
اتضح ذلك من خلال الهجوم الأخير لميليشيات إيرانية على القوات الكردية التي تدعمها أميركا في دير الزور، والذي ردت عليه القـوات الأميركية بصورة مباشرة وقوية موقعة نحو مئة قتيل في صفوف المهاجمين. ورغم القوة الأميركية تلك، وصف وزير الدفاع الأميركي الموقف بأنه “مربك”. مصدر الإرباك هو العـزلة الشديدة التي تحيط بالقوات الأميركية وحلفائها في سوريا والعراق. لقد وحدت السياسة الأميركية المربكة الجميع ضدها وضد حلفائها.
 
 
كاتب فلسطيني سوري


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد