كأس وغانية وفضاء عاطل أفضل من القنابل - لينا أبو بكر

mainThumb

15-02-2018 11:04 AM

 هناك، حيث الألف ليلة وليلة من الليالي الإعلامية، التي تتصبب منها لذائذ المحرمات الجنسية، يصبح الانحراف أسهل طريقة للاختطاف، فكيف تحمي شرفك، في زمن يكون فيه معيار الشرف الوطني: ممارسة البغاء والتفنن بالفحشاء، وإباحة الرذيلة لإسقاط الأعداء، وإنتاج برامج وأفلام كفيلة بإفساد البشرية جمعاء، من خلال بروتوكولات صهيونية تحث المرأة على التفريط في عفتها، استجابة للنمط الإعلامي الفرويدي، الذي يفرغ النفس من الأسس الأخلاقية للعقيدة الإبراهيمية، بالتالي إشاعة نمط لا قيمي، في مجتمع مصاب بأمراض الحضارة الصهيونية، التي تضعف المروءة، وتشوه الأديان؟!

إنها الغرائز الشيطانية، تنغمس الأمة في مستنقعها الدعائي، وتغرق في شهوانيتها الرخيصة، وفنونها القذرة، لتفرط بوعيها، وحدسها النضالي، فتعيش تغريبا إعلاميا وثقافيا مهينا، تستجيب به لعوامل الضغط الغوائية على رغبات ونوازع المشاهد، في سبيل القضاء على كرامة وشرف الشعوب، بأرخص النفقات والتقنيات والاستراتيجيات، وقد سجل كتاب «وجه المرأة»، لابنة قرصان الهاجاناه موشي ديان، فضائح المستوى المتدني للمرأة الإسرائيلية، التي تُعامل معاملة الجواري والغانيات، حيث كتبت تقول: «الفتاة الإسرائيلية تستطيع أن تعيش مع أربعة، وأن تعاشر عشرين، ولا يجوز أن يتشاجر اثنان من أجلها»! وهو تكتيك حاخامي، استعان بكأس وغانية ومشروع إباحي، لاختطاف ضمير ووعي الأمم المعادية، ومن عاد لأصول الاختراق الأخلاقي في عقيدة بني إسرائيل، وتحديدا في سوق بني قينقاع – فرع المدينة المنورة، مستعيدا بعض الروايات – غير الموثقة – عن المرأة المسلمة التي تعرضت للتحرش من تجار اليهود – ما أسفر عن حصارهم وطردهم – يصدق فلسفة «الشجاعة المقدسة» كإيديولوجيا صهيونية، لإيقاع الخصوم، بالإثم والممارسات المنحرفة، حتى لو اضطرهم هذا للتحالف مع الشيطان!
 
صورة البطل بين الثراء والرثاء
 
لنتفق أولا، أن هذا الزمان رخيص إلى الدرجة التي يصبح فيها الخائن نموذجا عاما، والبطل استثناء، ولنتفق أيضا أن الخيانة تبدأ من الأفكار، فمن يتفاعل فكريا مع البضاعة الإعلامية «الإباحية» للعدو، يخون وعيه وضميره وأخلاقه، وتراثه، ليصدق المثل: (الجدود ناموا والقرود قاموا)، مع العلم أن الخيانة كالهلاك أو الموت، لا رجعة منه، ولأن «ديانك سيدك حتى تفيه»، فإن السداد عار، طالما أن عدوك يستدين منك شرفك!
تأمل هذا قليلا وأنت تتذكر سؤال مجلة «التايم» منتصف القرن الفائت: هل مات الرب؟ ثم عد للامبراطوريات الإعلامية المدججة بالتمويل الضخم، والأسماء الرنانة، التي تُخرج أبطالا إعلاميين، يلمعون على الشاشات وفي البرامج ومواقع التواصل، ولكنهم خارجها خواء، فارغو الذهن، وعبثيو الغايات، اهتماماتهم الرخيصة هي همهم الأعظم، من ثراء وأبهة وفخامات استعراضية هشة، تضعهم على قائمة المشاهير والأبطال والإطارات المذهبة، في الوطن العربي المريض بصورته!
حسنا إذن، إعادة تدوير الإنسان، في الإعلام، تحوله إلى آلة بلا أخلاق، أو صورة بلا روح، حتى العلماء يصنفون عبيدا، عندما يرتبط علمهم بالمنطق السلطوي، وهو ما حدا بأحد المفكرين لاعتبار آينشتاين عالما برتبة عبد لروزفلت، فهل بعد هذا تستغرب من ازدهار الخيانة؟ 
الكذب دائما يحتاج إلى نفقات هائلة، ليتم ترسيخه كثقافة إعلامية، وبضاعة رائجة، بينما لا تحتاج الحقيقة سوى إلى وعي إعلامي يشتغل بإمكانيات متواضعة، وجنود لم تروها، مجيشا الشهداء وأبطال السماء، للوصول إلى الحق في سدرة منتهاه، فماذا بعد؟
 
حرب البغاء
 
لأن الزمن العربي مهزوم ومأزوم، ومكلوم وملكوم، ومحشور كشجرة تفاح أثوم، بين الغرقد والزقوم، فلا جناح على سواه بما اجترحه، ولذلك لا تذرف عيناك أسفا على تقرير «العربية نت»، عن الموقع الإباحي الإسرائيلي: «باربر» الذي انطلق عام 2000، وجمع مئات من المهتمين العرب من الشرق الأوسط بهذا النوع من العروض، كأسلوب ودي لتحقيق السلام بين العرب واليهود! 
مدير الموقع «شي مالول» عبر عن سعادة عمره، حيث حقق حلم حياته بجعل إسرائيل حالة استثنائية، تحول الجنس إلى ممارسة طبيعية، ومادة فنية متاحة، وتقدم خدمات فريدة عبر أجهزة الجوال، باشتراكات مالية، ومتصفحين بعشرات الألوف في اليوم الواحد، لكن الخبير الفلسطيني بالشؤون الإسرائيلية، سمير قديح، اعتبر أن «مالول» سمسار، يسعى لتحقيق أرباح مادية، لا لصناعة السلام، مؤكدا أن هذه المواقع تعمل تحت إشراف مباشر من المخابرات الصهيونية التي تسعى لتجنيد ذوي النفوس الضعيفة من الشباب ضمن ما يسمى «عمليات الإسقاط «، وما ينتج عنها من ابتزاز وتهديد. فهل لك أن تتخيل كيف يمكن لحرب البغاء الناعمة هذه، أن تختطف أمة من قضاياها الشريفة والسامية، فتحول شبابها إلى جواسيس وجنود للقذارة، تحمي بهم كيانها المنحرف، عارُ مَن هذا؟ ومن هم اللقطاء: الخونة أم الأعداء؟
 
فرسان السماء وبث مباشر من الجنة!
 
الفنون القتالية في اليابان، رياضة وطنية رفيعة، والساموراي طبقة وراثية للمحاربين من سلالة الأشراف، فرسان التاريخ الذي يلتزمون بقواعد الشرف وقانونه المعروف باسم «طريق المحارب»، في مراسيم انتحار احتفالي، يحدده قدرهم في المعارك التي يخوضونها، باعتبارهم أسياد الحرب، وقادة النهوض بالأمة، ونخبة تشريفاتها العسكرية والاقتصادية، لا يتفوق عليهم كذخر ثقافي أسطوري سوى «فرسان السماء، شهداء فلسطين»، الذين لا يحتاجون إلى أداء معجز، أو خارق أو مستحيل، لتحقيق قاعدة الشرف الأسمى: الخلود، إنما يحتاجون فقط لمعجزة إلهية هي: الجنة، حتى وإن لم تستطع الكاميرا التقاط المشهد الاحتفالي الأخير، لمعراجهم الجماعي نحو الملأ الأعلى!
بهاء عليان، قائد أطول سلسلة قراءة في تاريخ البشرية، أحاطت بأسوار القدس، قرر أن ينضم لجيش الشهداء في السماء، فترك وصاياه العشر، رافضا أن تتحول الشهادة لمادة إعلامية تستعطف المشاهد باستغلال مشاعر أم الشهيد، ومحطما القيمة الرقمية التي تصهر الجوهر الحقيقي للتضحية، وحملة البوسترات والتي شيرتات الدعائية، موصيا بحكواتي فلسطيي، شهيد أيضا، يكتشف الأطفال وطنهم به ويموتون لأجله لا انتقاما من عدوه!
البهاء، ظل على قيد الحلم، لأنه ابن قلم، فأبوه كاتب من الطراز الرفيع، صرح لقناة إيلياء الإخبارية، بأن أقسى لحظة يمكن أن يعيشها الأب هي لحظة دفن ابنه، ولكنها بالنسبة للفلسطينيين، الذين تحتجز جثامين أبنائهم في الثلاجات، لحظة فرح غامر، لأنها لحظة الحقيقة واليقين، والراحة الخالدة في بيت الأبد، بما يتيح لذويهم إتمام الحلم، لا قطعه، طالما أن الشهيد فكرة، والفكرة لا تموت!
انظر إلى هذا البث الحي من بيت الجنة، فهنا شهداء يحررون الوطن من دار السماء ويدافعون عن حياضه بحياتهم، ليس لأن حياتهم رخيصة، بل لأنها إبداعهم الأثمن، الذي لا يُغلونه على الوطن، رغم القهر والعذاب والحرمان، إنهم فرسان حقيقيون، يحتفلون مع الملائكة والأنبياء بانتصارهم على عدوهم مرتين: الصمود والخلود، أما جنود التيه، لقطاء المواقع الإباحية، فإنهم قادرون على حماية العدو، ليس بقوتهم إنما بضعفهم و استسلامهم لشهواتهم، لأنهم حراس القذارة، وجنود الدعارة… وشتان بين الرياضة الوطنية: الشهادة، والرياضة الجنسية: الخيانة!
ابحث دائما عن الأداء، تجده سريا في الحالتين، لكنه في الحالة الأولى، بين الشهيد وربه، وفي الحالة الثانية بين الإباحي وشيطانك، ولك أن تختار قمرك: جنة الشهيد أم عورة العبيد!
 
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد