لماذا قَرّر الجيش السوري بدَعمٍ روسيٍّ اللُّجوء للحَسم العَسكريِّ فجأةً؟

mainThumb

22-02-2018 09:49 AM

 لم يُبالِغ المَبعوث الدّولي ستيفان دي مستورا عندما شَبّه الوَضع في الغُوطة الشرقيّة المُحاصرة بأنّها “حلب ثانِية”، في إشارةٍ إلى اقتحامِ قوّات الجيش السوري “حلب الشرقيّة” بِغطاءٍ جويٍّ روسيّ في عام 2016 لوَقف الصِّدام الذي أدّى إلى تَهجير مِئات الآلاف من المَدنيين، وتَدمير أحياءٍ بكامِلها، وقَتل الآلاف من أبنائِها.

الغُوطة الشرقيّة من المُفتَرض أن تكون أحد مناطِق خفض التوتّر الأربع، ولكن اتّفاق الهُدنة فيها تعرّض لخُروقاتٍ خطيرةٍ من الجانِبين، وما دَفع قوّات الجيش السوري مَدعومًا بِغطاءٍ جويٍّ روسيّ، إلى قَصفِها بكثافة في الأيّام القَليلةِ الماضِية، سُقوط قذائِف عَشوائيّة على أحياء العاصِمة السوريّة المُحاذيةِ لها، ممّا أدّى إلى زَعزعة الأمن والاستقرار فيها، ومَقتَل العديد من المَدنيين، حسب آراء المُراقبين.
قَصف العاصِمة يُعتَبر خطًّا أحمر بالنِّسبة إلى السُّلطات السوريّة، لأنّه يعني اهتزاز هَيبتها، واقترابِ الحَرب من هياكِل مُؤسّساتِها، والحاضِنة الشعبيّة الأقوى بالنِّسبة إليها، ولهذا جاءَ الرَّد قَويًّا، ممّا يُوحي أن قرارًا بالحَسم جَرى اتّخاذه لإغلاق مَصدر النَّزيف هذا مرّةً واحِدة وإلى الأبد، مِثلما يقول الإعلام الرَّسمي السوري.
***
حَجم الدَّمار وارْتِفاع أعداد الضَّحايا المَدنيين في الجانِبين، جعل من الغُوطةِ الشرقيّة مِحور اهتمام عالمي وعَربي، وهناك تقارير تقول أن حواليّ 300 شخص بينهم أطفال سَقطوا من جرّاء القَصف الجَوي للطَّائِرات السوريّة، الأمر الذي دَفع الأُمم المتحدة إلى تَوجيه دعوةٍ لوَقف القِتال فورًا، بينما طالبت روسيا بعَقد اجتماع عاجِل لمَجلس الأمن الدولي لبَحث الوَضع المُتأزّم وإيجاد حُلولٍ وهُدنة لوَقف سَفك الدِّماء، لإنقاذ أرواح حواليّ 400 ألف مُواطن مُحاصِرين في المِنطقة.
عندما يُحذِّر المبعوث دي مستورا من تَحوّل الغُوطة الشرقيّة إلى “حلب ثانية” واسْتيعاب دُروس الأخيرة، فإنّه يُلمِّح إلى ضَرورة اتّباع طُرق الحَل نفسها، أي الانْخراط في مُفاوضاتٍ مُباشرة، أو عبر وسطاء، بين المُسلّحين والسُّلطة لوَقف القِتال وخُروج المُسلّحين إلى مَناطِق أُخرى آمنة، مِثل إدلب في الحافِلات الخَضراء برعايةِ الأُمم المتحدة، وعلينا أن نتذكّر أن ثماني جَولاتٍ من مُفاوضات مُباشرة جَرت بين الجانبين في آستانة نَجحت في وقف إطلاق النّار.
السيد محمد علوش أحد أبرز قادة جيش الإسلام، أقر بأن هُناك مساعٍ من بعض الجِهات الدوليّة والمحليّة للتوصّل إاى اتّفاق هُدنة، ولكنّها لم تَنجح حتى الآن بسبب تَمسّك كل طَرف بشُروطِه، ولكن جميع المُفاوضات تَبدأ كذلك، حيث يُحاول كل طَرف إعلاء سَقف مطالبه، ثم يتم التوصّل إلى حُلولٍ وَسط مُرضية للطَّرفين، أو هكذا نَأمل.
الشعب السوري جرّب الأمن والاستقرار في مدينة حلب، وبَدأ يتعايش مع الوَضع الجديد، تمامًا مِثلما فَعل أشقاؤه في مَناطِق خفض التوتّر الأُخرى، وهُناك أنباء تُؤكِّد عَودة عَشرات الآلاف من أهل المدينة الذين هَجروها هَربًا من أعمال القَتل والتدمير، كما تَزايد مَنسوب عَودة الحياة الطبيعيّة إلى المَدينة المنكوبة بِصُورةٍ أو بِأُخرى.
الوَضع مُؤلِم في الغُوطة بكُل المَقاييس، فمَناظر الأطفال القَتلى، وحجم الدّمار، تُعيد إلى الأذهان مَرحلة ما قَبل اتّفاقات تخفيض التوتّر الدمويّة، والرُّعب باتَ يُسيطِر أيضًا على الأحياء الدمشقيّة القَريبة منها من جرّاء القذائف العشوائيّة التي تتسبّب في قَتلى وجَرحى بينهم أطفال أيضًا، مِثلما ذكر مُراسل وكالة الصِّحافة الفِرنسيّة الذي وصف ما يَجري بأنّه جُنون لا بُد أن يتوقّف لأن المَدنيين هُم الضَّحايا.
 
الحُكومات العربيّة التي أنفقت مِليارات الدولارات على دَعم المُعارضة وتَسليحها تخلّت عنها في الغُوطة الشرقيّة، مِثلما تخلّت عنها في حلب، وباتت تَكتفي بالتغطيةِ الإعلاميّة، ونَشر صُور الضَّحايا فقط، والتَّحريض على الحَرب، الأمر الذي بَدأ يَرتدْ غَضبًا عارِمًا في أوساط الكَثير من الأوساط الشعبيّة السوريّة.
 
حتى الدُّول الغَربيّة التي وقفت خلف تأسيس مَنظومة أصدقاء سورية في بِداية الأزمة بقِيادة الولايات المتحدة، ومّشاركة دُول عربيّة عديدة، بدأت تُدير ظَهرها للجَماعات السوريّة المُسلّحة، وتتبنّى الأكراد كبَديل، وتتقرّب من النِّظام في دِمشق، وسَمِعنا اليوم رئيس الاستخبارات الألمانيّة برونو كاهل يُؤكِّد على ضَرورة الحِوار مع الرئيس بشار الأسد وحُكومته حول مُكافحة الإرهاب، ولَقِيت دعوته هذه تأييدًا واسِعًا من الحِزب الديمقراطي المسيحي الحاكِم الذي تتزعّمه المُستشارة أنجيلا ميركل، والحِزب الدِّيمقراطي الحُر، وحِزب البَديل الرئيسي المُعارض، أمّا إبراهيم كالين مُستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمُتحدّث باسمه، فقد كشف اليَوْمْ أيضًا عن اتّصالاتٍ مُباشرة بين أجهزة المُخابرات التركيّة ونَظيرتها السوريّة، ربّما تُمهِّد لاتّصالاتٍ بين وزراء في الجانبين تَلبِيةً لطَلب سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، وحَليف الطَّرفين.
***
الحَل العسكري الذي استمرّ حواليّ سَبعة أعوام فَشِل في سورية، وباتَ واضِحًا للجميع حُكومة ومُعارضة، أن الحَل السياسي القائِم على الحِوار هو الطَّريق الأقصر والأسرع للوصول إلى الأمن والاستقرار والتَّعايش على أُسس العَدالةِ والمُساواة.
الحَلْ المُتوقّع في نِهاية المَطاف لوَقف نزيف الدِّماء في الغُوطة الشرقيّة سيكون نُسخة قَريبة من نَظيره في حلب، وظُهور دي مستورا في هذا التّوقيت ونَصيحته لجَميع الأطراف باستيعاب دُروس ما حَدث في حلب الشرقيّة يجب أن تَجِد آذانًا صاغِية من جَميع الأطراف في السُّلطة والمُعارضة تَقليصًا للخسائِر، وحَقن أكبر قَدر مُمكن من الدِّماء.
نَشعُر بالمَرارة والألم ونحن نَرى الضَّحايا المَدنيين من الجانِبين يَسقطون قَتلى بالقَذائف سَواء في الغُوطة الشرقيّة أو بعض أحياء العاصِمة، فهؤلاء أهْلنا في نِهاية المَطاف، ودِماؤهم وأرواحهم عزيزةٌ عَلينا، ونَكتفي بهذا القَدْر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد