أزمة أم رامز وابتداع الحلول

mainThumb

03-03-2018 12:16 PM

"كرامة المواطن والخروج من هامش البطالة إلى دائرة التنمية"
 
كل ما فعلته الكادحة « أم رامز» هو أنها قررت أن تعيل ابناءها الأيتام من حر مالها، فقضت أمرها بابتياع عربة صغيرة ثبتت عليها فرشاً خشبياً، ثم وضعت عليه لوازم صنع الساندويشات من مواعين تحتوي على السلطات والفلافل والحمص والبيض المسلوق، وخبز الحمام، لتنهمك بعد ذلك في إعداد الوجبة الصباحية للقاصدين أعمالهم كل صباح، فتدور النقود في حياتها ما بين مصاريف البيت وتوابعها من مدارس الأولاد وميزانية الأكل والملابس وأخيراً رأس المال؛ لتتابع أم رامز في اليوم التالي مسيرتها الشاقة في حياة لا ترحم، ويأكل فيها القوي الضعيف. فكانت مهنة شاقة من اجل أن تربي أولادها بعزة وأنفة، كي تزرع فيهم التحدي والمثابرة.. على الأقل صار بوسعها أن تستر أحوالها، بعيداً عن التسول أو انتظار صدقة من أحد.. إنها أرملة أردنية عفيفة آثرت الاعتماد على نفسها رغم ما تعاني من العوز المهين وفقر الحال، فأبت عليها نفسها الانسياق وراء وسائل الكسب الغير مشروع؛ لذلك كانت تشمئز من مظاهر التسول التي تحيط بها في قاع المدينة المكتظ بالباعة المتجولين من كافة فئات المجتمع، بالإضافة إلى اللاجئين السوريين الذين انتشروا يمارسون معظم الأعمال البسيطة في بلد فقير كالأردن حيث يقدر حجم العمالة السورية التي دخلت سوق العمل الأردني المحدود أصلا بحوالي 100 ألف عامل ، هذا لو احتسبنا العمالة المصرية الوافدة من باعة الملابس القديمة والمزارعين وعمال المطاعم حيث تشير الأرقام الرسمية الى أنها تصل إلى 390 ألف عامل حسب دائرة الاحصاءات العامة وكثير منهم يعمل بإقامة منتهية الصلاحية، فما الذي تمثله أم رامز أمام هذه الأرقام الضخمة وخاصة أن كثيراً منهم يعملون بدون ترخيص أو أن وثائق إقاماتهم منتهية الصلاحية.
 
ربما تقدمت أم رامز لطلب الإعانة من وزارة التنمية الاجتماعية وقدمت أوراقها التي تثبت بأنها أرملة تسعى لإعالة أيتام أنيط بها تربيتهم وتنشئتهم على الحياة الكريمة؛ كي ترفد مجتمعنا برجال يعتمد عليهم، ومن المحتمل أنها منحت ما تيسر دون أن يسد الرمق! فهل تكتفي بالتباكي على الحال مستسلمة للقدر!، أيضاً لا أستبعد من أنها حاولت فرض إنسانيتها كمواطنة لها حقوق وواجبات على أمانة العاصمة كي تستخلص حقها في إعالة صغارها دون المساس بكرامتها إلى درجة اليأس!! وإلا لما انتهى مصيرها لتقارع الخطوب وحيدة، فيرتبط مصيرها بعربة تدفعها بساعديها إلى قاع المدينة كل صباح وأملها في الله أكبر، بعد أن استنفذت كل قواها في طرق أبواب المسئولين في أمانة العاصمة كي يجدوا لها حلاً يساعدها في تحقيق ما تصبو إليه من حياة كريمة تسد الرمق وتقي صغارها من مغبات الزمن الغادر..
 
ولكن ما جرى لأم رامز يندرج في خانة انتهاك حقوق الإنسان لو حدث في بلد يتمتع فيه المواطن بحقوقه كاملة، وهي تواجه موقفها العصيب مع مفتشي أمانة العاصمة وقد تسلموا أمراً من قسم المراقبة والتفتيش بمداهمة أماكن الباعة المتجولين ومصادرة بضائعهم، وكان الأمر ممهوراً بتوقيع مسؤول ربما يكون لتوه قد انفرجت أساريره وهو يقفل خط الهاتف على أخر كلمة قالها لزوجته:" اليوم سنأخذ الأولاد  في نزهة كي ينعموا بالفرح"، هكذا أتخيله وهو ينتظر تقريراً يفي بنتيجة ما قام به المفتشون الذين تسلحوا بالقانون دون الأخذ بروحه الفضفاضة، وكانت النتيجة أن مفتشي أمانة عمان أخذوا ينكلون بمن طالته أياديهم وسط استهجان المارة حيث عكف بعضهم على تصوير رجال أخذوا يكسرون عربة أم رامز، غير ابهين بتوسلاتها، لا بل ورميت بضاعتها في الأرض وجرى إتلافها بالأرجل، هذا بدلاً من مصادرة البضاعة دون مساسها لإعطاء أم رامز الفرصة لاستلامها من أمانة العاصمة مقابل إيجاد حل لها على قاعدة التكافل بالتنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية، لكن سياسة الركل والتعدي تحكمت بمنفذي الأوامر التي أصدرها مسئول ربما كان منشغلاً بتوضيب حسابات رحلته الموعودة مع أسرته إلى المتنزه.. وكان الأجدر على المسئولين أن يعاقبوا مفتشي أمانة العاصمة الذين أهانوا أم رامز لعدم مراعاتهم حقوق الإنسان بهذا الشكل الذي أساء لسمعة الوطن، على الأقل مراعاة أن الأردن بلد يرزح تحت وطأة بطالة وصلت نسبتها إلى رقم قياسي يقارب على 18.2 %، فكيف الحال وقد استوغل المفتشون في مخالفة مبادئ المواطنة؛ ليأتي من يزج أم رامز في قوائم العاطلين عن العمل دون رحمة.. فهل أدرك صاحب الأمر بأن مستقبل هذه السيدة المكافحة سينفتح على أسوأ الاحتمالات ما لم تحل قضيتها جذرياً.. فمن المسئول عن ذلك؟ لماذا اللجوء دائماً إلى استخدام حق "الضبطية العدلية" لتحريك المفتشين بمرافقة قوات الأمن العام، وصرف المخالفات المالية لهذه الفئة التي تمارس عملها في سوق يتبع الاقتصاد الغير منظم، بينما كان المطلوب هو التعامل مع جذور المشكلة بابتداع الحلول الناجعة التي تنسجم مع عجلة التنمية المستدامة والشاملة وخاصة التنمية الاجتماعية، على نحو خرط هذه الفئة من الباعة المتجولين في المشاريع الصغيرة بدعم مالي وفني بالاستناد إلى صناديق التنمية، وكفالة المقترضين لدى صندوق المرأة، والاستفادة أيضاُ من مشاريع مؤسسة نهر الأردن، أو تأجير المنتفعين أكشاك صغيرة أو حتى ترميز عربات الباعة المتجولين وتحديد أماكن وقوفها ولا بأس من جباية الضرائب البسيطة عليهم حتى يتم حل مشكلة السوق غير النظامي الذي من المستحيل قمعه بلجم أصوات الباعة وهي تجأر في سوق يكتظ بالناس. 
 
إن المطلوب من أمانة عمان الكبرى وبقية البلديات في المملكة البحث مع وزارتي العمل، والتنمية الاجتماعية لاجتراح الحلول الإبداعية لتجزئة مشكلة البطالة الهيكلية وتصنيف عناوينها وفق كل حالات متشابهة، ومن ثم طرح الحلول القابلة للتنفيذ ومتابعة النتائج وخاصة أن البطالة الهيكلية ترتبط في كثير من الأحيان بجيوب الفقر ومشاغلة نتائجها يرتبط ببرامج التنمية الاجتماعية الرامية إلى معالجة أسباب الفقر المتفشي في الأردن.
إن سياسية التكامل بين مؤسسات الدولة ووزاراتها ستسهم في كيفية إعطاء فرصة العمل الحر والشريف لمن يريد العمل والإنتاج ورفد ميزانية الدولة بالمستحقات الضريبية لتقليص حجم البطالة، ودمج قطاع السوق غير النظامي في خطط التنمية المستدامة الشاملة، ومراعاة حقوق المواطن الأردني كي يشعر بقيمة المواطنة الصالحة، والخروج من الهامش إلى دائرة الفعل الوطني..
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد