الحزب العراقي لتحالف الفشل والفساد - د. ماجد السامرائي

mainThumb

06-03-2018 01:14 PM

 قلنا في أكثر من مناسبة إنه لا يجوز وضع مسطرة السياسة وأحكامها على التكتلات والجماعات العراقية بعد عام 2003 التي تتعاطى بسوق السياسة الواسع، لكنها اختطفت منها الشكليات في طريقة الوصول إلى الهدف وهو السلطة، وتركت المعايير الحقيقية للعمل السياسي للآخرين، لأن أبسط تلك المعايير على مستوى التكتلات في العراق، ولا نسميها أحزابا ما عدا حزبي الدعوة والإسلامي العراقي، هي الاعتراف بالفشل أمام الجمهور الداخلي والموالين وأمام مصدر السلطات الشعب العراقي.

 
حزب الدعوة لم يستطع أو لا يريد أن يحاكم أو يراجع تجربته في السلطة التي ابتلعت كوادره واحدا بعد الآخر، حيث تحولوا إلى حكام جبابرة تعج سجونهم ومعتقلاتهم بالأبرياء وتهين كارتلاتهم الإعلامية من يجرؤ على التقرّب من حدود المنافسة حتى وإن كان ضمن مشتركات المذهب والطائفة، والمثال الأكثر تعبيرا هو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي تعرضت تنظيماته إلى عمليات عسكرية أبرزها “صولة الفرسان” التي قادها زعيم حزب الدعوة نوري المالكي عام 2009.
 
حزب الدعوة يعمل على استمرار الهيمنة على الحكم حتى وإن كان عبر صيغة عدم طرح قائمة واحدة باسمه مثلما حصل أخيرا وهي مناورة لم تكن مُحكمة الإخراج. والحزب الثاني هو الحزب الإسلامي العراقي ذو الأيديولوجيا الإسلامية السنية لكنه واجه كذلك ما واجهه رفيقه حزب الدعوة في علاقته بالسلطة حيث يشتركان بذات المرض مع فوارق عديدة في مجال العلاقة بالجمهور وطبيعة الخطاب السياسي والإعلامي المرن وغير المنغلق مثلما هو عليه حزب الدعوة. افتقد الحزب الإسلامي جمهورا واسعا من الموالين بسبب تخليه عن الكثير من الثوابت والآمال التي كان يثقف بها جماهيره، إضافة إلى مشكلة كثرة الكوادر القيادية فيه التي جعلت من هذا الحزب جسرا للعبور إلى الشهوات الشخصية بالجاه والمال والسلطة، فتنكرت لهذا الحزب بل ذهب البعض منها إلى الضفة الطائفية المقابلة.
 
على سبيل المثال لا الحصر أتذكر في أواخر عام 2002 حين كنا في المعارضة العراقية بلندن أن حاجم الحسني، وهو من أتباع الحزب الإسلامي مقيم في واشنطن، أدخلته المخابرات الأميركية حسبما أشيع في حينه عضوا في مؤتمر لندن عن الجماعات السنية المختارة ولا أدري بالضبط إن كان إياد السامرائي وأسامة التكريتي، مسؤولا الحزب، على علم بذلك، ثم أصبح في عام 2005 رئيسا للبرلمان العراقي عن العرب السنة، وبعد خروجه من رئاسة البرلمان طلّق الحزب الإسلامي وذهب مع نوري المالكي وأصبح ناطقا رسميا باسم قائمته “دولة القانون”. والمثال يصح من جهة أخرى على طارق الهاشمي الذي وجد أن الحزب الإسلامي يضيّق على طموحه السياسي فشكل لنفسه تنظيما آخر، وهناك آخرون على الطريق سيعلنون عن ذات الحال خلال هذه الأيام وفي حمى الحملة الانتخابية.
 
هذان الحزبان الرئيسيان من الإسلام السياسي لم تتعامل قياداتهما وكوادرهما بإخلاص للعقيدة والأيديولوجيا مثلما بدآ، بذات القدر في الوفاء للمصالح الحزبية والإغراءات الذاتية، وإذا ما تحدثنا عن الكتل السياسية الأخرى التي ملأت المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003 فهي تجمعات ذات ولاءات فردية لا علاقة لها بالسياسة، وأصحابها هم مجاميع من المقاولين المحترفين أو المستجدين في العمل التجاري الذي وفرته ظروف ما بعد الاحتلال، كالسمسرة والاحتيال والتعامل مع قوات الاحتلال في مقاولات كثيرة كان المال الحرام رصيدها الأساسي، ونقلوا تجاربهم التجارية وفنون الكذب والسمسرة والسرقة إلى المسرح السياسي الذي عانى من الفراغ السياسي بسبب غياب القوى الوطنية الليبرالية التي كانت المؤهلة لإدارة البلد بعد نظام صدام حسين، لكن تم تصغير مكانتها وإقصاؤها من قبل مخططي مشروع الاحتلال. ولذلك فإن ما حصل منذ الدورة الأولى للانتخابات هو تأهيل مبرمج من المحتل الأميركي للفاشلين والمتخلفين وذوي الاستعداد للعمالة للخارج بكل وجوهها.
 
كانت اللعبة الأميركية، التي استلمت مفاتيحها طهران في ما بعد، قائمة على مشروع طائفي تفتيتي للعراق يكون فيه الحكم للإسلام السياسي الشيعي بمساندة الإسلام السياسي السني، وما عداه تتشكل جماعات نفعية مصلحية أثبتت قدرات متميزة في السرقة والفساد، وخلال السنوات الماضية افتضحت أمور الكثير من السراق والفاشلين لكنهم مروا في الانتخابات بسلام بل بتزكيات عالية لأنهم زايدوا في شعارات “محاربة الإرهاب والبعثيين” وهي شعارات قدمت خدمة للمشروع السياسي الطائفي الشيعي، وكان هذا هو المطلوب، لا يهم أن يكون هذا المتصدر سنيا أم كرديا أم تركمانيا، وهذا ما فتح الأبواب لتتحول تلك المجموعات مع مرور الأيام إلى كيانات رصينة لديها إمكانيات وقدرات بشرية ومادية وإعلامية، حيث أصبحت لديها قنوات فضائية تصرف عليها الملايين من الدولارات، إضافة إلى الدعم الإقليمي، كان التاجر والمرابي المدعي للسياسة يظهر في وسائل الإعلام محاربا للإرهاب والبعثيين وفي ما بعد تنظيم داعش لتمرير مقبوليته السياسية، وكانت اللعبة مزكاة من قبل واشنطن وطهران.
 
لقد تفنّنت القوى النفعية في طرق وأساليب حماية أوضاعها من رياح النقد الشعبي، وقد حمت السلطة أفرادها بإمكانيات الأحزاب الكبيرة والأدوات الحكومية الكثيرة وفي المقدمة توفير أغطية الحصانات البرلمانية بعد تمرير صفقات الانتخابات المعروفة بفسادها وتزويرها، وشعور أفراد هذه المنظومة الخطيرة على حاضر ومستقبل العراق بالاطمئنان بعدم وجود قوانين صارمة عادلة وتقاليد لمحاسبة السارق والفاشل، وفي بعض الأحيان المعتدي مباشرة على حقوق الناس.
 
الطريف أن شخصيتين من العملية السياسية انفردتا بالشجاعة في الاعتراف بالفشل والفساد: اعتراف رئيس دولة القانون نوري المالكي في مقابلة تلفزيونية “إننا جميعا فاشلون بمن فيهم أنا”. وفضح عضو مجلس النواب مشعان الجبوري جميع أشخاص العملية السياسية بأنهم سرّاق بمن فيهم هو حسب تعبيره في مقابلة تلفزيونية.
 
وفي ظل هذا الاختلال الصارخ في نظام البلد والانقلاب في المنظومة الأخلاقية للحقوق والواجبات، أصبحت جماعات الفشل والفساد لديها نظام سري محكم شبيه بنظم الأحزاب الشمولية، أو نظم المافيات فيه قانون صارم أساسه الحفاظ على تصدّر ومرور الكتل الانتخابية الحامية لبقاء هيمنة الأحزاب الشيعية على الحكم وتمرير مجاميع الفاشلين، وهذه المنظومة شرسة في تصديها لمن يتعرّض لها في وسائل الإعلام من الأصوات النزيهة وهي قليلة داخل مؤسسة البرلمان أو في وسائل الإعلام المستقلة.
 
هذه المنظومة هي أشبه بحزب نظامه الداخلي الاتحاد والتحالف بين الفشل والفساد في وجه الصدق والنزاهة والإخلاص للناس والوطن. فالمواطنون من وجهة نظر هؤلاء هم الموالون من المرتزقة والمنافقين، أما الوطن فهو الطائفة أو العشيرة والأقلية القومية، ولن يسمح هذا التحالف المصلحي للقوى النزيهة والنظيفة بالتقرب من مراكز القرار في النظام الطائفي الذي سيبقى علامة النظام السياسي العراقي إلى حين.
 
العرب اللندنية


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد