أبومازن على وشك الرحيل - أحمد أبو دوح

mainThumb

08-03-2018 01:59 PM

 انتهى دور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو يدرك ذلك جيدا.

 
الشرعية التي يتمتع بها أبومازن منقسمة إلى شرعية داخلية وأخرى خارجية. كلتا الشرعيتين باتتا منقوصتين.
 
مشكلة عباس الرئيسية في قرار دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. القرار كان بمثابة “اقتراع دولي” على دور عباس وما يمثله في مستقبل التسوية السياسية.
 
مقاومة عباس للخطوات الأميركية الراديكالية في دعم خيارات بنيامين نتنياهو افتقدت لأهم حليف كي تنتج استراتيجية واقعية وقدرة كافية على المناورة. هذا الحليف هو الوقت.
 
وفقا لدبلوماسي مهم في القاهرة، تحدثت معه بالأمس، يبدو أن الحالة الصحية للرئيس أبومازن وصلت إلى مرحلة لم يعد قادرا معها على ممارسة مهامه.
 
نقل عباس للمستشفى في الولايات المتحدة دق جرس إنذار بين الأجهزة الإستخباراتية، التي كانت تعلم بوضعه الصحي، لكنها ربما كانت لا تدرك أنه تراجع إلى هذه الدرجة.
 
مشكلات القلب صارت عبئا واضحا على مزاج عباس وقدرته على الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة، كما أنها أصابته بقلق على مستقبل حركة فتح، وفقا لهذا الدبلوماسي المطلع على المسألة عن قرب.
 
خلق سلوك عباس الجديد مخاوف في العواصم العربية “الراعية” للقضية الفلسطينية بشكل عام. ترشيح محمود العالول كنائب لعباس خيار آمن. هذا صحيح بالنظر إلى وزنه داخل فتح، لكنه يبقى خيارا آمنا بالنسبة لعباس فقط.
 
العالول شخص توافقي، من حيث التاريخ النضالي وانتمائه لمعسكر “المقاومة الشعبية”. في النهاية اتبع أبومازن الخيار المتوقع الذي يتبناه أي زعيم تمثل السلطة بالنسبة إليه أقصى غاية، ووقع خياره على شخص غير معروف دوليا وليس من الشخصيات التي قد تمثل خطرا على إرثه.
 
إلى جانب ذلك لن يكون اختيار العالول كنائب للرئيس، إن تم، مبعثا على أي انقسامات حادة داخل صفوف الحركة. قد تحافظ التسريبات عن تحضير العالول للمنصب، إلى جانب الحديث عن اختيار صائب عريقات رئيسا لمنظمة التحرير، على تماسك فتح، لكنها قد تقسم فلسطين كلها.
 
الدستور يفرض تولي رئيس المجلس التشريعي (البرلمان) في حال غياب الرئيس، لمهامه بغض النظر عن الأسباب. مشكلة عباس هي أن رئيس البرلمان هو عبدالعزيز الدويك، القيادي المعروف في حركة حماس، وتوليه المنصب في حالة وفاة عباس أو استقالته يقلب المشهد الفلسطيني تماما.
 
خيارات عباس صارت محدودة، وقدرته على الحركة أيضا، سياسيا وجسديا. التدهور الحاد والمفاجئ في الحالة الصحية للزعماء غالبا ما يؤثر بشكل مباشر على قراراتهم الأخيرة، ويسهم في تحديد شكل المرحلة المقبلة التي تعقب رحيلهم.
 
لم يكن ذلك غريبا عند اتخاذ الملك حسين قراره بتغيير ولي العهد في اللحظات الأخيرة، ولم يكن أيضا جديدا قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد قبل وفاته بأشهر قليلة.
 
في أنظمة الحكم الملكية عادة، لا تؤثر التغيرات الراديكالية المفاجئة على استقرار الدولة وتماسكها، لكن الوضع الفلسطيني مختلف.
 
لا تكمن مشكلة السلطة الفلسطينية في الطبيعة المفاجئة لخطط عباس أو الأشخاص الذين يطرحهم لتولي مفاتيح السلطة من بعده، لكن المشكلة الحقيقية هي أن هذه الخطط تضرب توازنا دقيقا بين القوى في الداخل، وتخلط أوراق القوى الإقليمية والدولية الراعية.
 
لا تريد الدول العربية الرئيسية أن يرحل عباس عن القضية الفلسطينية، ويترك لهم خلفه قضية أخرى. لا أحد يرغب في أن تتحول المصالحة الفلسطينية، التي ترعاها مصر وتكافح من أجل إنقاذها، إلى “قضية فلسطينية” أخرى، تعيش على المباحثات والمفاوضات والوساطات.
 
هكذا سيتحول النقاش حول رفض الوساطة الأميركية “التاريخية” لعملية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى الكلام المكرر عن الوساطة المصرية، التي ستصبح مع مرور الوقت “تاريخية”، في “عملية سلام” بين الحمساويين والفتحاويين.
 
لم يعد أحد لديه بوصلة اليوم. قرار ترامب أثار الغبار في أعين الفلسطينيين والعرب والأميركيين والإسرائيليين أنفسهم. الجميع صار يبكي ويصدر أصواتا محتقنة دون أن يقول شيئا، باستثناء الإسرائيليين الذين باتوا اليوم يملكون وحدهم الصوت العالي.
 
الفرق هو أن دموع العرب هي دموع الحزن والهيستيريا وقلة الحيلة، ودموع الإسرائيليين هي دموع الفرح.
 
هيستيريا قرار ترامب وضعت عباس تحت ضغط كبير، وسحبت منه جميع أوراقه التي كان يجهزها لجولة جديدة مع الإسرائيليين. رغم محاولته الإفلات من مصيره العربي المحتوم، يدرك عباس في أعمـاقه أنه مـن الممكن أحيانا أن يركض بعيدا عـن العرب، لكنـه لن يصل إلى أي مكان.
 
إصرار عباس على المشاركة في المؤتمر الذي دعت إليه تركيا في أعقاب قرار ترامب، بحضور الرئيس الإيراني حسن روحاني، رغم تحفظات بعض الدول العربية المؤثرة، أظهرت للحظة عزمه على الميل للخيار التركي- الإيراني وتهميش القرار العربي. لكن مشكلة عباس هو أنه يكاد يكون الزعيم الوحيد في المنطقة الذي لا يتمتع برفاهية تنويع تحالفاته كما يشاء.
 
حاول الزعيم الراحل ياسر عرفات فعل الشيء نفسه خلال غزو العراق للكويت، واعتقد (بشكل غير مفهوم) أنه من الممكن اللعب على الخلافات العربية وتحقيق مكاسب نوعية من وراء الغزو، لكنه اكتشف لاحقا أن المسألة ليست بهذه البساطة.
 
أزمة الفلسطينيين تكمن في موقعهم الجغرافي، وفي التاريخ أيضا. لا يمكنك ببساطة أن تصل إلى ما بعد جيرانك من دون أن تمر بهم أولا.
 
إذا لم يتمكن عرفات من القفز على جيرانه العرب من أجل الوصول إلى عرب آخرين لا يبعدون عنه كثيرا، فكيف يعتقد عباس أن بإمكانه تخطي المنطقة كلها للوصول إلى حل تركي- إيراني بلا مستقبل.
 
أعقد أزمات الفلسطينيين مع الإسرائيليين كانت تمر في السابق لأن الفلسطينيين لم يتحولوا إلى عبء على العرب، ولم يشكل العرب عبئا عليهم. اليوم أزمة عباس صارت مع إسرائيل وحماس والعرب وترامب. من بقي في هذه المعادلة كلها؟ لا أحد.
 
ليس هذا هو الخوف الأكبر على أيّ حال. الأزمة ستكون أكثر تعقيدا لو تسببت هذه العداوات في تعقيد القضية الفلسطينية، المعقدة أصلا. حينها لن يصبح عباس عبئا على أحد، سوى الفلسطينيين أنفسهم.
 
في النهاية لا أحد يعرف من الذي سيقضي على الآخر. هل قرار ترامب بشأن القدس هو الذي تسبب في التدهور المفاجئ لصحة عباس، أم سياسة عباس في مواجهة هذا القرار الظالم والغبي هي من ستقضي على أي أمل في استعادة الزخم الإقليمي والدولي حول القدس!
 
الشيء الوحيد المؤكد هو أن عباس، الذي سيبلغ نهاية هذا الشهر عامه الثالث والثمانين، لن يخرج من الأزمة هذه المرة سليما، سواء سياسيا أو صحيا.
 
ما بات يهمّ القوى الإقليمية والدولية أكثر الآن ليس بقاءه، لكن تقليل الخسائر الناجمة عن خروجه قدر الإمكان.
 
العرب
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد