كلمة من ماء ونار .. قمح تسحه السماء ..

mainThumb

18-03-2018 02:07 PM

الكلمة الحرة أحياناً تشبه امرأة خصبة كالربيع، تصحو متحررة من اليباب، وتسحب البساط إذا غشى حرثَها القحطُ من تحت أقدام الخيبة، لكنها إذا مسها الغبن، فهي لن تتوانى عن إضرام النار في هشيم الرياء؛ لتكتب مذكرات العتمة وتزيل الأقنعة عن وجوه رجال الكلمة المأجورة، والفقاعات الإعلامية المرسومة بمهارة، واللصوص المبجلين من سياسيين وسماسرة بغاء.. فالكلمة الحرة امرأة خلقت من ماء ونار.. تترفع بالعزة عن الموبقات، وتنأى بروحها عن فرش الضلال، فليست كعاهرة يتبادلها فرسان الخيبة في مواخير الرياء؛ بل هي تلك الماجدة التي تضج بالأنوثة والحكمة وتسري كالجدول الهائم في بساتين النخيل، امرأة تنضج قريحتها كتفاحة البلوغ تحت دفء زهرة النور، فتغمس رغباتها المكبونة وتوقها إلى الحرية بمحبرة الوجدان وهي تعكس ألوان الربيع من نوار اللوز والرمان حتى زهرة التوليت المنتشرة على ضفتي الصباح وهي تودع السنونو بثرثرته ليشق عنان السماء وفي جعبته كل الأسئلة الكونية المحرمة؛ ذاتها تلك الفاتنة وهي تكتب بشهية مترعة بنبيذ الحياة حتى الثمالة، فلا تأبه بالأرض إذا ما جنّت تحت قدميها فتميد معها كغجرية تحاور الرياح على إيقاعات الرعود ومعزوفة المطر، بل ستمزق أغلفة الزيف عارية من أردية الخوف، ومحاذير النوم في المقاهي وسط القوادين من المقامرين وهم يستلهمون من شريعة حمورابي ما يناسب مصالحهم، ثم يقترفون الخطايا في الظلام، ويطبقون على رواد المقاهي الصغار من المتعبين قواعد شريعة الغاب، في غفلة من قوانين الكون المنشغلة بتنظيم أحلام البشر بعيداً عن الأرض في المجرات، مسخرين خمرة الوعود في تخدير أحلام الشعوب، مستحوذين على فيزياء الكم التي تتحكم بالذرة وجزيئات الماء وتزود زعيم العصابة في المقهى بطاقة تدميرية لا تبقي ولا تذر.. من هنا فالكلمة الحرة تبدو كمهرة غجرية تتمطى وهي قابعة في السرير المحاط بالرياش مطوقة بقيود من الذهب المفصص بالأحجار الكريمة، فترفض أن تنيم شهريار بحكايات محكومة بشروطٍ وضعتها فحولة الذكور وهم يجأرون بملء الصوت المفرغ من أنين الناي وهو ينيم الخراف قبل الذبح في مسالخ السياسة، أصوات ترعد في الحروب دون مطر.. قمح.. أحلام. صليل أكاذيب متصاعدة الجذوة، في أتون حروب وجودية يصول في رحاها فرسان الوهم وهم يقارعون طواحين الهواء فلا تسمع إلا جعجعة دون طحْن، في عالم يتبدى في قممه لون المشيب الثلجي، حيث تنساب الحكمة من عليائها رقراقة كالماء النمير؛ لتصب مهدورة في البحر دون أن تعيد للعقول المتعبة والقلوب الميتة والبطون الضامرة معنى الحياة.. وفي الظلام لا يسمع إلا خرير الجداول والآبار ناضبة، وشيبة الجبال تتحول إلى لوحات يعلقها المترفون كالأحلام على جدران المعابد المزخرفة فلا يستجاب في أروقتها للدعاء، وقصورهم التي يتجمعون حول طاولاتها المنحوتة من خشب البلوط الفاخر للعب القمار، والتعساء في غرفهم المكتظة المحرومة من الهواء والحرية وعبق الشمس المورقة في سماء ليست لهم، يفتقرون إلى رحمة السجان فلا يمتلكون في عتمتها إلا وعود الطغاة، وتتستر في دروب المدينة اللاهية بأضوائها كالعاهرات، مواخيرُ السياسة، فيما تمتلئ الأزقة المتوارية بالخصيان؛ لذلك تجد تلك الكلمة كامرأة تتحدى، رغم أنها مستهدفة من الذئاب المكشرة عن رغباتها بامتلاك كيانها وتفاصيل ذاكرتها الملتهبة، امرأة جامحة كالخيل، فيلمع بين أناملها قلم مغموس بثرثرة السنونو وحكايات السندباد، تسد فرجها في وجوه سماسرة الكلام اللاهثين إلى فتنة الظهور، قلم كأنه وهو في يدها ذلك السيف البتار الذي يخرج مارد الشعر من قمقم الوجل وترف أحلام لا تنبلج مع الصباح.
 
كلمة قزحية، امرأة تلقم ضرعها للقصيدة، مهرة جامحة في وجه الريح، سنونو ممتلئ بدهشة الطفولة، براعم تتحرر من الأقمطة المرصعة بوصايا أمهات خائفات، نصوص مغموسة بأحلام العذارى وهن يتراشقن بقمح تسحه السماء.. يعبرن عن اللحظات الهاربة من البوح الفطري المتستر تحت أغطية الكلام المباح.. والصور المتداخلة تكاد تلتهم بعضها وتذوب في نبيذ اللحظة فيترع قلب المشتاق بسلافة المعنى حتى الثمالة.. هذه لغة الأنثى متحررة من أناقة السرد وفيها ملامح من غواية الطبيعة وفطرية التلاقي تماهي جسدياً حتى الذوبان مع شبق الخيول الجامحة في العراء.. قلم منحوت من الزان ومحشو بعذرية الأرض، يلتقط جنون الوعي الكلي لتفاصيل المشاهد الحسية والروحية.. هكذا تعربد الكلمات على أرض مرصوفة بالرؤوس المزدحمة بالأسئلة فيما يتسرب المعنى المترع بالشهوات من رحم الخوف وإرهاصات الحمل الكاذب.. فتداعب المعنى أحياناً بغواية الأنثى لتفجر طاقاته المكبوتة.. حقول مبذورة بالدهشة والجمال.. 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد