قيثارة الناصرة الراحلة ريم بنا في ذمة الله .. وحديث عن فلسطين

mainThumb

25-03-2018 10:39 AM

 عصفورة الناصرة ترحل عنا ويبقى أنينها معزوفة الوجع الفلسطيني التي تحرض الأجيال الفلسطينية على امتطاء صهوة النضال وإشعال النهار بالفن والمقاومة وبذر الحياة الحرة في اليباب.. وهكذا رحلت المطربة الفلسطينية والشاعرة ريم البنا مترجلة عن صهوة الغناء، ليبقى من الزعتر البري عبقه الفواح في روح المكان..

تنتزع المرافئ من الرحيل حمرة الغسق قبل النعيب على الأطلال..  فتعزف قيثارة ريم بنا تفاصيل الوجع الفلسطيني وتنثره قمحاً على الذاكرة المكانية وعبقاً لقهوة السمّار على شرفات الصباح.. وهكذا شدّت المطربة الفلسطينة ريم بنا رحالها بعد سقم إلى الأبدية فجر السبت الموافق 24 مارس في العاصمة الألمانية برلين بعد صراع دام تسع سنوات مع المرض الخبيث "سرطان الثدي" وأصبحت حكايتها أسيرة السنونو يطوف متنقلاً بتفاصيلها الفلسطينية بين المرافئ والمدن ومواطن الشتات.
 
وكانت ابنة الناصرة مطربة من طراز خاص، سميت بصوت المقاومة والنضال الفلسطيني، وشيعت جنازتها على أنعام النشيد الوطني وأغنية موطني.
 
فمنذ قررت ابنة الشاعرة زهيرة صباغ، رائدة الحركة النسوية في فلسطين، احتراف الغناء، سافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى. وعادت من هناك بأبنائها الثلاث  بعد زيجة فاشلة من زميلها الأكارني في المعهد العالي للموسيقى.
 ولكن القدر كان لها بالمرصاد، ليدخلها في أتون حرب من نوع خاص، حين باغتها مرض سرطان الثدي قبل تسعة أعوام، ونصبت متاريسها في وجهه مطلقة لصوتها العنان في حرب ضروس مع اليأس، وانتصرت عليه في المرة الأولى، ولكن المرض الخبيث عاد وهاجمها بقسوة فأعلنت توقفها عن الغناء عام 2016، بعد إصابة أوتارها الصوتية، ولم تتوقف حناجر المحبين عن إحياء موروثها الغنائي الجميل وترديد صداه، فقد استعارت عصافير الوادي صوتها، وانطلقت تردد أغانيها المدهشة في عالم اختنق فيه السؤال.. 
 
الفارس يترجل عن صهوة الغناء ولكن لجموح الريح وعنفوان المقاومة البقاء.. قد تلوذ حبة القمح إلى دفء الأرض لكنها ستورث العاشقين حقل سنابل.. فقد تركت لنا ريم بنا عدة ألبومات موسيقية يطغى عليها الطابع الوطني، ولها أيضاً العديد من المشاركات في احتفاليّات ونشاطات عالمية لنصرة حقوق الإنسان. 
 
وييتميز أسلوبها الموسيقي بدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية، معبرة في ذلك عن معاناة الشعب الفلسطيني وهواجسه كما تعبر عن أفراحه وأتراحه وآماله.
 
ربما ألفت ريم بنا أغانيها الخاصة؛ ولكنها أيضاً كانت تلحن الأشعار الفلسطينية، لتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وزهيرة صباغ وسيدي هركاش. 
 
ومن الجدير ذكره هو الدور الذي أنيطت به في توظيف أغانيها الآسرة المعبرة  من خلال إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات وكذلك البرامج الوثائقية التي تناولت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية بالعرض.
 
تحمل ريم رسالة فنية واضحة في موسيقاها، وهي تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني خاصة الضفة الغربية، واحياء التراث الفلسطيني، لذلك عرفت بصوت المقاومة والنضال.
 
رحم الله ريم البنا وأسكنها فسيح جناته.. وتبقى قيثارتها مشدودة الأوتار على طول فلسطين، فتعزف الريح عليها أغنيات الشتاء وأهازيج العودة وأساطير البحر الكنعانية، وتسمعنا ذاكرة المدن السليبة التي اشتاقت لعشاقها العائدين، ويشتعل في قلوبهم الحنين رغم نعيب الغربان حتى يستيقظ النهار في الأجيال التي أحبت ريم بنا، ودرويش، وكنفاني،وكل الشهداء.. وحلقت بصوتها عالياً حيث تتربع عشتار وعنّاة وبعل وأيل فوق فلسطين وتاريخها التليد وذاكرتها التي لا تبور.. وأدخلتنا في رمزية انهزام السرطان الصهيوني أمام سطوة الغناء المتحرر من القيود أمام الحلم الفلسطيني وذاكرة المكان! وتبقى للغناء الملتزم مشاعله المتشرة في ظلمات القهر وقسوة اليباب..
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد