عودة صدام! - عثمان ميرغني

mainThumb

19-04-2018 03:28 PM

 جرى خلال الأيام القليلة الماضية تداول قصص وحكايات عن رفات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأثير مجدداً الكلام عن نبش قبره والمكان الذي نقل إليه رفاته، وسط تضارب في الأقوال وصل إلى حد إيراد أحاديث أقرب إلى الخيال السينمائي منها إلى الواقع والمنطق.

 

قد لا يكون غريباً أن يستعيد الناس ذكرى صدام خصوصاً في هذا الشهر الذي يتوافق مع ذكرى سقوط نظامه ودخول القوات الأميركية بغداد 9 أبريل (نيسان) 2003، وكذلك مع تاريخ ميلاده 28 أبريل 1937. وقد لا يكون غريباً أن نسمع بعض الناس يسجلون حنيناً إلى عهده، فللرجل أنصاره على الرغم مما اقترن بحكمه من أحداث ومآسٍ جرت على العراق والمنطقة ويلات كثيرة. لكن الغريب هو أن يدخل بعض الناس في متاهات الحديث عن «كرامات»، وعن «جثة لم تتحلل»، ويعطون الأمر صبغة تبتعد عن الواقع، ليتحدثوا عن تلك الفترة وأحداثها لا بلغة العقل وتحليل الأحداث، وقراءة التاريخ كما حدث لا كما نريده أن يحدث، بل يصورونها بطريقة حالمة.
 
ليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها الحديث حول رفات صدام وما حدث لمقبرته التي دفن فيها بعد تسليم جثمانه إلى ممثلين عن عشيرته إثر إعدامه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006. 
 
فقد جرى تداول الحديث عن الأمر عدة مرات خلال الأعوام الماضية، خصوصاً بعد عام 2014 وتمدد تنظيم داعش ودولته الإسلامية المزعومة في العراق. قبل ذلك التاريخ كان هناك جدل بعدما تحول المكان الذي دفن فيه الرئيس العراقي السابق إلى مزار يأتيه المعجبون والفضوليون الذين عرفوا به على الرغم من أن الحكومة العراقية آنذاك كانت قد اشترطت عدم إعلان موقع القبر. ففي الفترة ما بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2014 نشرت وسائل الإعلام تصريحات لزعيم من عشيرة البوناصر التي ينتمي إليها صدام عن أن ميليشيات شيعية اقتحمت المدفن ومزقت صور الرئيس السابق قبل أن تشعل النار في المكان. وكشف الزعيم العشائري عن أنهم كانوا قد نقلوا رفات صدام إلى مكان سري آمن تحسباً لمثل تلك الأحداث وخشية من أن يقدم أحد على نبش القبر والعبث به.
 
في مارس (آذار) 2015 بثت تقارير مصورة من مكان قبر صدام الذي بدا مدمراً تماماً، ونشرت تصريحات لأحد قادة مسلحي «الحشد الشعبي» قال فيها إن مسلحي «داعش» مسؤولون عن تدمير المبنى الذي ضم القبر لأنهم فخخوه قبل انسحابهم، بهدف إيقاع خسائر في صفوف القوات الحكومية والميليشيات الداعمة لها التي كانت على وشك دخول المنطقة. من تلك الروايات لا يعرف بالتحديد م
 
في الوقت ذاته لم يعرف ما حل برفات صدام أو إلى أين نقل، مما أجج الروايات والحكايات المتضاربة ومنها ما يشبه روايات الأفلام مثل تلك التي تقول إن ابنته حلا جاءت بطائرة خاصة هبطت سراً في الموقع الذي دفن فيه والدها ونقلت الرفات إلى الأردن. فإذا سلمنا بأن العراق يعيش فوضى عارمة تسمح بهبوط طائرة خاصة سراً، فإن الأمر لا يمكن أن يقال عن الأردن.
 
الروايات حول رفات صدام تتزامن هذه المرة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية، ومع مشاعر الحنين التي يبديها البعض لعهده بسبب ما آلت إليه الأوضاع في العراق الذي غرق في وحل الفساد والطائفية ومعارك الساسة والانقسامات الداخلية، وأصبح عرضة للتجاذبات والإملاءات الخارجية، وتأثير الوجود الإيراني المكشوف على أرضه. فهذه الأوضاع هي التي تجعل الناس يحنون إلى الماضي ويتذكرون لصدام إنجازاته من دون أن يتوقفوا أمام الإخفاقات، وجردة حساب لثلاث حروب مدمرة ومكلفة، بما في ذلك قتلى وجرحى بالملايين، إضافة إلى سجل من القمع الدموي في الداخل.
 
هذا الأمر ليس حكراً على العراق وحده بل نراه في دول أخرى تخوض سباقاً نحو القاع، وتشهد تردياً مريعاً في أوضاعها وأحوال شعوبها. 
 
ففي ليبيا تسمع أصواتاً تتحسر على عهد العقيد معمر القذافي بعدما سقط البلد في دوامة الفوضى والاحتراب، وفي اليمن انضم بعض منتقدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى أنصاره في رثائه عندما قتل على أيدي حلفائه الألداء من الحوثيين، متمنين لو أنه كان قد تعامل مع الأوضاع بشكل مختلف ولم يسقط في لعبة «الرقص على رؤوس الثعابين».
 
في السودان يتداول الناس قصصاً وموضوعات ومقاطع أشرطة فيديو تستعيد مآثر الرئيس السابق جعفر نميري، أو مواقف بعض أسلافه مثل الرئيس إبراهيم عبود أو الرئيس إسماعيل الأزهري متحسرين على ماضيهم بسبب ما آلت إليه الأحوال اليوم.
إنها ظاهرة تعكس واقع الفشل الذريع للنخب والطبقات السياسية في دول سقطت في مستنقع الفوضى والحروب والفساد، مما جعل كثيرا من الناس فيها يتحسرون على الماضي... ولو كان استبداديا.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد