مستقبل الديمقراطية فى مصر - وجدي زين الدين

mainThumb

26-04-2018 09:37 AM

 منذ قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بحل الأحزاب السياسية بعد ثورة 1952، والشعب المصرى يكافح من أجل الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية.

 
وبعد هذه السنوات الطويلة من الزمن، تبين أن أكبر خطأ وقعت فيه ثورة 1952، هو ارتكاب جريمة فى حق الحياة السياسية، عندما تم حل الأحزاب، وأن أكبر ضرر للبلاد هو اتباع سياسة الحزب الواحد  والفكر الواحد، لأن ذلك يفصل الناس  عن واقع الحكم،  كما تسبب ذلك فى وقوع الكثير من الكوارث للبلاد، ما جعل أى إنجاز  حققته ثورة 1952، محل ريبة وشك.
 
وبسبب الانتكاسات الكثيرة التى تعرضت لها تلك الفترة، أدرك «عبدالناصر» فى عام 1968، أهمية التعددية الحزبية، بديلاً للحزب والرأى الواحد، وهذا ما دفعه، كما سمعت من الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين، أنه كان يعتزم عودة الحياة السياسية القائمة على التعددية، لكن المنية وافته قبل أن يبدأ هذه الخطوة التى كانت ستنقل مصر نقلة مهمة فى تاريخ الديمقراطية، وهذا يؤكد أن «عبدالناصر» كان لديه قناعة تامة أن حزب الرئيس المتفرد وحده بالسلطة لا يكفى لتحقيق الحياة السياسية السليمة التى تتمناها الجماهير، ولا يخفى على أحد أن نظام الحزب الواحد تسبب فى معاناة شديدة للشعب ليس سياسياً فحسب وإنما اقتصادياً واجتماعياً، ومنذ هذا التاريخ والحياة السياسية تتعرض لنكبات بشعة، وبسبب الفكر الواحد حلت هزيمة 1967، والكوارث فى حرب اليمن والوحدة مع سوريا والانفصال عنها وغيرها من القرارات القائمة على الرأى الواحد وسواء كانت هذه القرارات صحيحة أو خاطئة، فإن النكبة الحقيقية أن يكون هناك فكر ورأى واحد والذى يدفع الثمن فى نهاية المطاف هو الشعب المصرى لكن بوجود الأحزاب  والتعددية، هناك الرأى والرأى الآخر، ما يجعل صاحب القرار أمام رؤية شاملة وواضحة، ويعفيه من اتخاذ قرار منفرداً، وما حدث فى الماضى تسبب فى حرمان البلاد من الديمقراطية التى باتت حلماً للجماهير.
 
وعندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات بعد نصر أكتوبر العظيم، تبنى فكر المنابر والأحزاب الثلاثة المعروفة باليمين واليسار والوسط إنما كان يفكر جدياً فى التعددية الحزبية، لكنها كانت على نطاق محدود جداً، بهدف إقامة حياة ديمقراطية قائمة على التعددية، وجاء أسوأ ما فيها، هو تبنى الرئيس أو رئاسته لحزب بعينه والمسمى بالوسط، والذى يعد النواة للحزب الوطنى المنحل واستمر كفاح المصريين من أجل الديمقراطية فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، بعد ما سيطر الحزب الوطنى على مقاليد كل شىء، وبدأت الحرب الضروس على جميع الأحزاب الأخرى، بل سعى النظام بكل قوته الى تشويه هذه الأحزاب، وأصبحت فكرة الديمقراطية شكلية، لا مكان للأحزاب السياسية فيها، وإنما المتفرد الوحيد هو الحزب الوطنى، وقد تعرضت كل الأحزاب بما  فيها حزب الوفد، لحملات مغرضة بشكل يندى له الجبين، وصالت الأقلام وجالت للتسبيح بحمد الحزب الوطنى، وتشويه ما عداه من أحزاب.
 
بل الأخطر من كل ذلك أن المصريين باتت لديهم عقيدة أنهم أمام حزب واحد يمتلك كل المقدرات، وبلغ الاستخفاف بالشعب أنه تم ضرب إرادتهم عرض الحائط، كما بلغ الاستخفاف بالناس مداه فى تزوير الانتخابات، وسيطرت هيمنة الحزب الحكومى على كل شىء بلا استثناء، وكانت تلك القشة التى قصمت ظهر البعير، عندما فشل النظام بأكمله فى 25 يناير 2011، ولو كانت هناك أحزاب قوية بعد سقوط الحزب الوطنى لملأت الفراغ السياسى، وتجنبت مصر هذه الفوضى وهذا الاضطراب الذى شهدته البلاد وكل النتائج الكارثية التى تسببت فيها جماعة الإخوان والتى تتعرض لها مصر حالياً، وبالتالى فإن كل النكبات التى عانت منها مصر، مرجعها الرئيسي هو سيطرة الحزب الواحد، وغياب التعددية الحزبية سواء كانت غير موجودة على الأرض، أو موجودة ومهمشة كما كان فى عهد مبارك!!
 
نحن الآن نؤسس لدولة ديمقراطية عصرية حديثة قوامها الأحزاب السياسية القوية الفاعلة، ما يستوجب علينا أن نستلهم العبرة من الماضى، فى ظل أن المرحلة القادمة ستشهد تطورات مختلفة بشأن تفعيل الحياة السياسية والحزبية تفعيلاً للمادة الخامسة من الدستور التى تقضى بأن النظام السياسى فى البلاد قائم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقو ق الانسان وحرياته.. والعبرة هنا  تقتضى ألا  نكون أمام حزب واحد «حزب السلطة» الذى يجمع فى يده كل السلطات والمزايا، سواء كان هذا ظاهراً ومعلناً أو غير معلن، لأن ذلك يدفع الناس الى الهرولة إليه لتحقيق مصالحها، وهذا يكرس أيضاً مشهد الحزب الوطنى والحزب الأوحد، المحفور فى عقلهم الباطن.. هذا المشهد يجب ألا يتكرر، فحزب واحد للسلطة وتهميش باقى الأحزاب أو الحرب عليها، فكرة مرفوضة جملة وتفصيلاً.. ونذكر أنه يوم «8 أغسطس عام 2010» عندما دعا حزب الوفد الأحزاب والقوى السياسية، لبحث تفعيل التعددية الحزبية، ورفض سيطرة الحزب الوطنى أذكر فى هذا الصدد أن المستشار بهاء الدين أبوشقة رئيس حزب الوفد، وجه خطاباً للرئيس حسنى مبارك طالبه فيه بنزاهة الانتخابات، وأكد أن الحياد فى الانتخابات هو مسئولية الرئيس شخصياً، والحقيقة أن هذه كانت الفرصة الأخيرة أمام النظام لإثبات حسن النية أمام الشعب وأنها إن ضاعت ستكون النهاية، وهذا ما حدث بالفعل فقد سقط حزب الرئيس أو حزب السلطة، ولعدم وجود أحزاب قوية بسبب الحرب وحملات التشويه لم نجد حزباً سياسياً يملأ الفراغ السياسى.
 
والآن مع بداية السعى أمام التعددية الحزبية، نرجو ألا يتكرر ذات المشهد وأن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وألا تسمح الدولة بالمزايدة، أو المتاجرة باسمها على النحو الذى يعيد المشهد القديم الراسخ فى الأذهان والذاكرة عن الحزب الوطنى أو حزب السلطة أياً كانت التسمية، فهذا يحرك فى النفوس معاناة الشعب من كوارث حزب السلطة أو الحزب الوطنى المنحل، والذى تسبب فى معاناة شديدة للجماهير طوال عقود زمنية مضت.. والأمانة  تدفعنا فى حزب الوفد الذى يعمل من أجل  مصر ويعد ظهيراً، وسنداً للدولة المصرية، أن نتحدث بصراحة شديدة عن مشاهد تجرى الآن نتمنى أن يكون تقديرنا لها خاطئا وغير صحيح، لأنه لو كان هذا صحيحاً، فتلك كارثة لا تحمد عقباها.. وتدعو الى الخوف على مستقبل الديمقراطية خلال المرحلة القادمة.. فالمشهد الذى يدعو الى الخوف والقلق، أن هناك بعض النواب المنتمين الى الأحزاب السياسية، يسعى بل يهرول حالياً الى الانضمام الى حزب مزمع إنشاؤه.. وهناك حقيقة مهمة لا تغيب على أحد، وهى أن حزب الوفد أول من نادى وشجع على إنشاء هذا الحزب، لكن من ثوابت الوفد وتقاليده انه لا يسمح بالانضمام الى عضوية الحزب، أى نائب مفصول أو مستقيل من حزب آخر، وألا يقبل بأية صورة أن ينضم أى نائب الى أى حزب آخر.
 
أعتقد وأننا نؤسس ونرسخ لمبادئ ديمقراطية عصرية، وأن هذا هو المفروض الذى يتعين أن يكون مبدأ تلتزم به كافة الأحزاب التى تلعب دوراً رئيسياً  على الساحة السياسية، لابد من تفعيل الدستور والقانون، خاصة أنهما استشعرا خطورة ذلك، لأن النائب الذى يغير صفته النيابية من مستقل الى حزب أو العكس أو من حزب لآخر، يفقد الأساس الذى جرى عليه انتخاب الشعب له، مما يستوجب إسقاط عضويته من البرلمان.
 
ومعروف أن الدستور والقانون اشترطا أغلبية ثلثى أعضاء المجلس لإسقاط العضوية، إنما الدستور الأخلاقي قبل القانون يستوجب استبعاد هذا النائب نهائياً من الحياة السياسية، لأن ذلك الذى يفعله النائب من الهرولة وتغيير الصفة النيابية، يمثل نوعاً من الانتهازية السياسية التى يجب التبرؤ منها، ومن أصحابها الوصوليين، فالدستور الأخلاقى هو الأساس فى هذا الشأن يجب أن يلتزم به الجميع حتى ولو لم يكن نصاً مكتوباً لأن هناك من المبادئ، ما هو فوق النصوص وهو الأخلاق والمبادئ والقيم، وتلك هى ثوابت ومبادئ حزب الوفد.
 
ولا شك أن هذا مطلب شعبي، بل وتصميم على ديمقراطية حقيقية سقط من أجلها شهداء ومصابون وسالت دماء خلال ثورتى «25 يناير» و«30 يونيو»، وقد آن الأوان أن يجنى الشعب ثمار الثورتين خالصة نقية مبرأة، وهذا هو موقف حزب الوفد منذ ثورة 1919، وكفاحه الدائم من أجل الدستور والديمقراطية والحياة السياسية السليمة الخالية من كل ما يعكر صفوها، وتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين الذين يحلمون بها من زمن طويل، ومن إيماننا الشديد بدعم الدولة الوطنية العصرية والوقوف سنداً لها فى كل المواقف الوطنية، هذا ما يدفعنا الى الحديث بصراحة شديدة عن الخوف على مستقبل الديمقراطية فى مصر، وفى ظل الهرولة إلى حزب السلطة.
 
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد