خذوا الحكمة من المُرجان - سحر ناصر

mainThumb

26-04-2018 09:41 AM

 هل رأيت كائناً حياً -غير الإنسان- يحمل مظّلة لحماية نفسه من حرارة الشمس؟ فكّر جيداً.. الأغلب أن الجواب هو النفيّ، إلا إذا كنت عالماً في الأحياء البحرية الأسترالية، حيث اكتشف العلماء معجزة طبيعية تبعث على الأمل والتفاؤل، وتُعطينا حكمة تُضاف إلى رصيدنا في هذه الحياة. فالشُعب المرجانية الموجودة بالمياه تُنتج سحابة على شكل مظلّة، تطير بشكل انسيابي من قاع البحر إلى سطح المياه، وتستقر فوق رأس المرجان تحديداً، لحماية نفسها من أشعة الشمس! 

هذه المظلّة غير المرئية بالعين المجرّدة، تتألف من مركّبات كيميائية تنتجها الشعب المرجانية، تتفاعل مع المركبات الموجودة في المياه، فتُنتج مظلّة طبيعية تقي هذه الكائنات الحرارة، وتحميها من خطر الانقراض.
هذه المعجزة الطبيعية، وصفها العلماء بالقدرة الهائلة على التكيّف والمناورة من أجل البقاء على قيد الحياة، وما زاد من دهشة العلماء هو قدرة تلك الكائنات على تعديل مركّبات هذه المظلات بعملية فيزيائية دقيقة جداً، لإبقائها فترة أطول فوق رؤوسها. 
 
هذا الاكتشاف تداولته وسائل الإعلام بخبر جاء تحت عناوين مختلفة، أبرزها «المرجان يُبهر البشرية بقدرته على الابتكار»، ولكن ما يُبهر الإنسان حقاً، ويُعزز إيماننا بقدرة الله المطلقة في هذا الكون، هو توقيت هذا الاكتشاف الذي يأتي بعد أيام قليلة من إعلان علماء جامعة ستانفورد الأميركية نجاحهم في تطوير جينات معدلة وراثياً للشُعب المرجانية، تجعلها تصمد لفترة أطول، وبالتزامن أيضاً مع تكثيف علماء يابانيين أبحاثهم حول إنتاج الشعب المرجانية الصناعية.
 
وفيما يتسابق العلماء على إيجاد طريقة لحماية المُرجان، تُقاوم هذه الكائنات خطر الانقراض على طريقتها، -وبأمر من الله عزّ وجلّ- وانسجام تامّ مع الطبيعة.
 
قد يعتبر الكثيرون أن هذا الاكتشاف مهم فقط على مستوى البيئة، وأنه خبر سارّ لأنصار البيئة. ولكن ألا يُشكّل هذا الخبر مصدر إلهام لنا كبشر في جميع نواحي الحياة. ونحنُ الذين إذ مسّنا الضرّ بدنياً أو نفسياً قد ننكسر في لحظة ضعف معينة، وقد نشكّ في قدرتنا على المقاومة، أو على الاستمرار في مواجهة التحديات والمصاعب في هذه الدينا. فكمّ من شاب أو شابة أُصيب بانهيار نفسي بسبب مشكلة بسيطة أو معقدة؟ وكم من ضعيف يقرر الانتحار أو القتل بسبب ظروف صعبة؟ وكم من شخص صار رهينة للحبوب المهدئة أو المخدرة هرباً من الواقع؟ وكم من جندي انهزم لعدم قدرته على المناورة في حرب قاسية؟ 
 
ربّما لن يلقى هذا الاكتشاف أثراً يُذكر في نفوسكم، ولكنه بالتأكيد شكّل مصدر إلهام لي، فقد منح الله سبحانه وتعالى قدرة هائلة لجميع الكائنات الحيّة على التكيّف لحماية نفسها من الخطر، فكيف بحال الإنسان الذي سُخرّت له هذه الكائنات؟ وأمره الله بالتوكل عليه في جميع شؤونه، وفي السعي والعمل من أجل الابتكار. لقد أعطت الشعب المرجانية فرصة للعلماء كي يُطوّروا أبحاثهم، وفتحت لهم باباً جديداً للتفكّر والتأمل من أجل استمرار البشرية، وكأنها حاورتهم وأرسلت لهم المظلات لتقول لهم: «لا تستسلموا. استمروا في العطاء والإنتاج والبحث بما ينفع هذه البشرية». 
 
لا تخشَ الصعاب والتحديات والخطر.. فالمُرجان نموذجاً والإنسانُ عالماً! .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد