الدراما السعودية في رمضان

mainThumb

23-05-2018 11:23 AM

منذ نشأة الاعلام المرئي-التلفزيون- ثم بعد انفتاح الفضاء على مداه، أخذ اهل الفن يركزّون جهودهم لكي يقدموا أجود أعمالهم -كما يعتقدون- في شهر رمضان الفضيل، حيث تزداد معدلات المشاهدة فيه أكثر من غيره.


قبل البث الفضائي كان يميز إنتاج رمضان برامج وازنة ومسئولة، تقدم المعلومة من خلال برامج المسابقات الهادفة، والتسلية البريئة من خلال المسلسلات المراعية لحرمة الشهر، والابتسامة الجميلة من خلال برامج الكاميرا الخفية، وعرف المشاهدون عددا من النجوم ممن اُعتبروا حينها فاكهة الشهر، وبدون ظهورهم لا تكتمل فرحة الناس به.


اليوم انقلبت الأمور، فمن خلال التنافس الهدّام بين أعداد كبيرة من العاملين في شتى صور الفن، وبين عدد لا ينحصر من الفضائيات، يتكاتف الجميع لتقديم اعمالٍ أغلبها لا يتناسب مع طبيعة الشهر، فقد غابت التسلية البريئة، ومن ثم الابتسامة الراقية عن البرامج، وكذلك صار الجميع لا همّ له غير النجومية والتكسب على حساب قيمنا وثقافتنا وعبادتنا.


حظيت الدراما السعودية التي انطلقت منذ ظهور التلفزيون في الستينات بنصيب من المتابعة المحلية والخليجية، على الرغم من السياق الثقافي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع السعودي، وكانت تعترض هذه الدراما العديد من المشكلات؛ أبرزها عدم وجود المسارح ودور السينما، ونقص أعداد العاملين في المجال خاصة العنصر النسائي، وغياب المعاهد الفنية، وعدم وجود منتجين حقيقين، ومشكلة التسويق الذي كان يقتصر على التلفزيون السعودي، والأهم من كل ذلك هو النظرة المحافظة للمجتمع السعودي، والتي كانت تقف بالمرصاد لكل أمر يخرج عن الأعراف والتقاليد، لكن هذه الدراما -على كل حال- بقيت مُغرقة في المحلية، الشيء الذي اعتبره الفنان السعودي بشير الغنيم جيدا للسعوديين لكن ليس بالنسبة  لغيرهم.


رغم العقبات الكثيرة، برز عدد من النجوم في العقود الثلاث الماضية، نالوا شهرة واسعة محليا وعربيا، وتصدوا لنقد الكثير من الآفات التي يعاني منها المجتمع السعودي، واثاروا الكثير من القضايا مثل الفقر والمحسوبية والبيروقراطية الرسمية، وبدا أن هناك مساحة من الحرية المحسوبة بدقة، التي يمكن من خلالها التعرض-بحذر- للأداء الخدمي الحكومي، لكن كان يتم ذلك في ظل اشارات حمراء منارة دائما، ولا يمكن بحال تجاوزها.


 كانت الرقابة أو الخطوط الحمراء تخص النهج الحكومي السياسي أكثر مما تتصل بمراعاة ضمير المجتمع وقيمه، وكانت هناك العديد من الحلقات التلفزيونية المثيرة التي تطرقت للشأن الإقليمي والمحلي، مثل تلك التي تعرضت لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقليميا كالحلقة التي تصدت للأزمة الخليجية، مثل حلقة قطر، وكذلك حلقة بيضة الشيطان التي تعرضت مباشرة لما أُطلق عليه تنظيمات الإسلام السياسي، لكن بقي النهج السياسي الرسمي المحافظ بعيدا عن تماس المشاغبة أو الاشتباك.


في رمضان هذا العام، يراقب الكثيرون الدراما التلفزيونية السعودية عن كثب، يدفعهم إلى ذلك ما جرى من حراك في بنية فكر الدولة من انفتاح سياسي واقتصادي وثقافي، حيث يفترض المراقبون أن ينعكس ما يجري من تغيير في مرآة الدراما، وبنفس الوقت يرصدون بدقة ردة فعل المجتمع السعودي والعربي تجاه ما تعكسه هذه الدراما، وإن كنا نرى أن تحقيق ذلك لا ينبغي أن يتم بعشوائية، بل يجب أن تقيسه مؤسسات محايدة لاستطلاعات الرأي العام.


شاهدت بعض حلقات الدراما السعودية الرمضانية هذا العام في عدد من الأعمال، وهي قليلة بطبيعة الحال، محاولا رصد كيف تأثرت هي نفسها أيضا في ما بدا أنه انقلاب في فكر الدولة وفلسفتها ونهجها السياسي والثقافي، وقد لاحظت أنها حاولت أن تتلقف ما يطرحه الخطاب الرسمي بلهفة، وتذهب بتسرع  وسطحية لمعالجة قضايا ما زال المجتمع يتمترس في الدفاع عنها، وكانت هناك فكرة أساسية حاضرة في أكثر من عمل، تلمح فيها جميعا اصرار الدراما على تسويقها، وهي أن المجتمع السعودي كان أقل تشددا بمراحل قبل الآن، بل تبرز أن التشدد فيه مستورداً، وأن المجتمع  ما قبل "زمن الصحوة" مباشرة أي في عقدي الستينات والسبعينات، كان منفتحا بعيدا عن "التطرف" الحالي، لكن أحداث المنطقة والإقليم، وخاصة زلزال العام 67 دفع إلى هذا التشدد الذي نراه اليوم.


الدراما السعودية في رمضان هذا العام، تميزت بأمرين؛ أولهما أرادت أن تقدم العنصر النسائي بشكل مختلف، وبجرأة أكثر، لم يعتادها المشاهد المحلي أو العربي، والامر الثاني أنها تروج لضرورة خلع ثوب التدين التقليدي، والتدثر بثوبٍ ليبراليٍ جديد، بحيث تحابي الدولة في مسارها الحالي، كما تدعو الأجيال الشابة الى عدم التحرج من ركوب الموجة دون الالتفات إلى الوراء.


ختاما فإن الدراما وكل صور الفن الأخرى، مطالبة أن تكون على قدر المسئولية، بحيث تكون متزنة في تسويق متطلبات المرحلة، التي لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، وبالتالي من غير الممكن أن ننتقد المرحلة ونقيضها بنفس الوقت، فلا يُعقل أن يكون الجمود والتغيير كلاهما موضع نقد غير بناّء. فالمملكة بما كانت عليه تعرضت لكثير من النقد، وعندما جاءت قيادة دعت إلى التغيير واجهت أيضا عاصفة من النقد، لكن ما يتحفظ عليه كثير من الناس هنا، أن الإصلاح ينبغي أن يكون متدرجا، ويراعي القيمة الروحية والمكانية للمملكة، حتى يحقق أهدافه دون التعرض لهزات مؤلمة.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد