عويدي العبادي يتحدث عن أعظم ملكة أردنية

mainThumb

27-05-2018 05:41 PM

بقلم المؤرخ المفكر: د. احمد عويدي العبادي 
 
ملحوظة / خاص بالسوسنة 
 
(سننشر بإذن الله) هنا على حلقات بحثا تاريخيا دقيقا وعميقا وموثقا عن المغفور لها الملكة بلقيس، أعظم ملكة في التاريخ، وهي ملكة اردنية بامتياز عاشت قبل ثلاثة الاف سنة وكرمها الله سبحانه في القران الكريم وذكرتها الكتب السماوية، وقد استغرق البحث وقتا طويلاً ومن الضروري اطلاع الأجيال الحالية والقادمة على هذا التاريخ الأردني المشرف الذي يعتز به كل أردني ، والذي كان ينسب لغير الأردن والاردنيين .
 
الحلقة الأولى 
 
  انها الملكة الأردنية بلقيس بنت الهدهاد بن شراحبيل من قبيلة سبأ الشمال، رحمها الله، ملكة سبأ الأردنية/ الجوف/ أدوماتو/ دومة الجندل قبل ثلاثة الاف عام، التي ذكرها وكرمها وأثنى عليها وشهد لها بالإسلام كل من: القران الكريم، والانجيل والتوراة، (. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) سورة النمل.
 
 وشهدت بعظمتها أيضا: الوثائق الاشورية والصينية والمصرية القديمة والحبشية واليمنية والروايات التاريخية كأعظم ملكة في التاريخ البشري، حتى صارت موضوع ومادة الحكايات التاريخية والشعبية الوهمية والحقيقية عبر القرون في كل من اسيا وافريقيا، وتم إطلاق اسمها من بعدها على أكثر من ملكة في اليمن والحبشة مما اوجد الالتباس في مكانها وتاريخها، الا ان القران الكريم قد حدد زمانها علنا في زمن النبي سليمان عليه السلام، وحدد مكانها ضمنا (فمكث غير بعيد) وهذا ما توصلنا اليه ونعتمده بكل قناعة المؤرخ وامانته. 
لقد كانت ملكة عربية اردنية لواحدة من الممالك الأدومية الأردنية ضمن الممالك الثمودية الأردنية المتحدة التي استمرت هذه الممالك واتحادها الاف السنين، وكانت مملكة بلقيس تسمى مملكة سبأ (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) وعاصمتها أدوماتو أي ادوم الجديدة المسماة دومة الجندل في شمال جزيرة العرب عندما كانت مناطق وبلدان شمال الجزيرة جزءا من الأردن وبقيت كذلك الى ان تم نزعها بموجب اتفاقية الحدا الموقعة في 2/11/1925. 
 
ومن أسباب اللبس في الامر ان اسم سبأ ورد في القران الكريم على كل من سبأ التي ملكتها الملكة بلقيس مدار البحث (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) سورة النمل، وحضارة سد مأرب في اليمن جنوب جزيرة العرب التي وصفت باليمن السعيد وذات الجنات العظيمة (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) سورة سبأ.
 
 والحقيقة ان اسم سبأ الأول هو اسم رجل وبالتالي قوم وقبيلة أطلقت على الأرض وصارت مملكة باسم ذلك الرجل، بينما الثاني اسم لأرض فيها سد مأرب الوافر الماء وبها جنتان عن يمين وشمال وحضارة واستقرار ولكن الفارق بالتاريخ ان سبأ بلقيس سابق لسبأ السد لا يقل عن أربعة قرون   من 1000 ق. م زمن بلقيس الى 600 ق. م عند سبأ السد، ولا علاقة لأي منهما بالأخر زمانا ومكانا. كما ان سبا السد يمنية في جنوب جزيرة العرب، وسبأ بلقيس اردنية في الجزء الشامي من جزرة العرب وهو شمال جزيرة العرب. والأولى بعيدة عن فلسطين بحيث يتعذر على الهدهد ان يذهب ويعود في وقت قصير، بينما الثانية قريبة من فلسطين مقارنة ببعد الأولى (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) سورة النمل.
 
 وبينما نجد باليمن ارضا وشعبا وحضارة كما وردت في القران الكريم، فان سبأ الأردن / سبأ الشمال كانت مملكة مزدهرة اقتصاديا قوية عسكريا مستقرة سياسيا وتعمل بالزراعة والتجارة، كما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين في الحديث الشريف في ان هذا الاسم هو لرجل ولد له عشرة أبناء.
      فقد روى الترمذي وغيره عن فروة بن مسيك المرادي، قال: {أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ; ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم، فأذن لي في قتالهم وأمرني. فلما خرجت من عنده سأل عني ما فعل القطيفي؟ فأخبر بأني قد سرت. قال: فأرسل في أثري فردني، فأتيته، وهو في نفر من أصحابه، فقال: ادع القوم، فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث لك.  وأنزل الله في سبأ ما أنزل.
 
    فقال رجل: يا رسول الله ; ما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ فقال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة (أي ذهبوا الى اليمن في الجنوب)، وتشاءم منهم أربعة؟ (أي ذهبوا الى بلاد الشام في الشمال) فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة. وأما الذين تيامنوا فالأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار. فقال رجل: يا رسول الله ; وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيله} وروي في هذا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث آخر
 
 . وسميت البلد أي سبأ الشمال باسم القبيلة من أبناء ذلك الرجل (.... وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) سورة النمل، وان هذا الحديث يبرهن أيضا على علاقة المكانين والمملكتين بعضهما ببعض من حيث الاسم والقبائل والاصل المتعلق بأبناء سبأ.
 
بعد هذه المقدمة الضرورية نقول ابتداء، أن الأردن أنجبت ملكات وأميرات وشيخات وشريفات أردنيات، دخلن التاريخ بامتياز وصنعن التاريخ، منذ زمن الوثنية والجاهلية الأولى الى مطلع القرن العشرين، وأعطين صورة ناصعة عن المرأة الأردنية الأصيلة النبيلة عبر التاريخ المتمتعة برفيع الاخلاق ورقي السلوك والعفة والاحتشام والحياء الذي لا يضيع معه الحق.  وهن مصدر اعتزازنا وفخرنا الى يوم القيامة، وان كان البعض لا يروق له قراءة ذلك ولا سماعه ولا الاعتراف به، بل ولا ذكر أي من هؤلاء العظيمات، ويصرون على تجاهل هذه العبقريات المتميزة.
 
      ويشكل هذا التجاهل والانكار خطيئة بحق الأردن وتاريخه وهويته وشرعيته التاريخية والحاضرة ، هذا التجاهل الذي يصدع بأمره أشباه السياسيين وفلول التسول السياسي ومجموعات الهمزة واللمزة , وبعض أشباه الكتاب والسحيجة وعبيد العبيد والفاسدين والمفسدين والحاقدين ولصوص الإنجاز الذين يسرقون ما يقدمه الاخرون فيدعوه لأنفسهم وهم لم يقدموا شيئا إيجابيا الا السوء والتهريج والتسحيج ويحبون ان يمدحوا بما  لم يفعلوا: (  لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) سورة ال عمران .
 ولكنني كمؤرخ لدي حسابات مغايرة وهي وطنية اردنية حقيقية بامتياز، وان تطلبت مزيدا من التضحيات علاوة على ما كان وما هو كائن مما قدمناه ونقدمه. كما انني امين مع قناعاتي التاريخية التي تصطدم مع مسلمات تاريخية زائفة، ولا اتوانى عن تمحيصها وتفنيدها وبيان رأينا الجديد 
    حيث ان حساباتي لا تتفق مع حسابات السياسة السائدة والمصالح والانتفاع. فنحن أمناء على تاريخنا، وعلى إعادة كتابته.
 
    حديثنا عن, الملكة بلقيس , التي عاشت قبل ثلاثة الاف سنة على التراب الأردني العزيز , وهي الملكة المؤمنة المحتشمة العفيفة الشريفة, سيدة الاخلاق والحكمة والجمال والذوق والفهم في عصرها وما بعدها في كثير من العصور ,  التي شهد لها القران الكريم بذلك , واثنى عليها الانجيل وسائر المؤرخين القدامى والمحدثين , وصارت اسطورة للمجد وسمو الاخلاق , والاحتشام والايمان والاعتراف بالذنب والتوبة عنه والعفة والجمال والحكمة والدهاء والديموقراطية وبعد النظر وحب الوطن , والحرص على شعبها قبل حرصها على نفسها , وخاطرت بنفسها بالذهاب الى  النبي  سليمان , من أجل انقاذ شعبها ومملكتها من الاحتلال, وتدمير المنجزات  .
 
     وهي رحمها الله تعالى مثل أعلى في احترام الاخرين بدون اقصاء ولا تهميش ولا تطنيش، والايمان بالرأي والراي الاخر وحرية التعبير، وكل ذلك ورد شهادة لها بنص القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) سورة النمل 
 
    لقد أشار القران الكريم والكتب السماوية الأخرى، الى سيدات اردنيات بكل الاجلال والاحترام. وعلى راس هؤلاء الأردنيات، الملكة بلقيس التي غدت شخصيتها مادة خصبة للكتب والقصص والروايات، بسائر اللغات والحضارات والثقافات عبر عشرات القرون. وتعد هذه المرأة مصدر فخر واعتزاز للأردنيين بخاصة، والعرب بعامة، عبر تاريخهم الطويل. حيث جاء ذكرها في القران الكريم في سورة النمل على مدى 22 اية كريمة متتابعة متواصلة.
 
 وكانت البداية { وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ).نلاحظ التعبير القرآني الكريم ( تملكهم ) ولم يقل ( تحكمهم او تقمعهم او تتحكم بهم او تنهبهم او تعتقلهم او تعلمهم سوء الاخلاق او تستعبدهم وانما قال تملكهم ) لتبين ان الأردن هي اول بلد في العالم الذي فرق بين المنهجين هما :  ( تملكهم ) و ( تحكمهم ) .وهو يحتاج الى شرح مطول ليس هذا مقامه .
 
    وعندما نزلت سورة النمل وفيها قصة سبأ (والملكة بلقيس) , قال رجل يا رسول الله وما سبأ؟ :  أرض أو امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة , ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ( ذهبوا الى اليمن) منهم ستة , وتشاءم ( ذهبوا الى الشام ) منهم أربعة , فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة , وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير ومذحج وأنمار وكندة , فقال رجل يا رسول الله وما أنمار قال الذين منهم خثعم وبجيلة ) , وروي هذا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب , قال الترمذي : حسن غريب قال الشيخ الألباني : حسن صحيح (سنن الترمذي) رقم الحديث : 3222 , وأخرجه الطبري في تفسيره سورة سبأ تحت رقم 26430.
 
     وبذلك نجد ان جذام بمكوناتها هي جزء من سبأ انسانا ومكانا. ومن جذام الأردن الى الان: بني صخر وبني عباد وبني حميدة وبني عجرمة وبني عقبة وغيرهم كثير، وهذا يبين تجذر هذه عشائرنا الأردنية منذ مملكة سبأ وما قبلها الى الان والى ما شاء الله تعالى، لذا فعندما نتحدث عن مملكة سبأ الأردنية والملكة بلقيس، فإننا نتحدث عن تاريخ الأردن وجذام وبني عاملة وغسان ولخم ومكوناتها، وما على المشككين الا ان يأتوا ببرهان اخر من داخل القران الكريم والحديث الشريف الذي جئنا به برهانا على ما نقول. 
    الملكة بلقيس الأردنية ولها أسماء أخرى وردت في المخطوطات الاشورية والبابلية، منها: شمس أو شمسي أو وهج الشمس، وكلها أسماء صحيحة للملكة بلقيس، التي كانت ملكة قبل ثلاثة الاف عام، هي أعظم ملكة في التاريخ العربي الإسلامي والإنساني بدون منازع ولا استثناء، بل انها شخصية تاريخية نسائية لا نظير لها (كملكة) في تاريخ الأردن وتاريخ العرب والإنسانية كلها.
 
     وقد فاضت بذكرها كتب السماء والأرض قديما، وثقافات الأمم السابقة واللاحقة. وقد كانت سيدة نساء عصرها بدون منازع جمالا وعقلا راجحا واكتمالا، كما ذكر القران الكريم: (وأوتيت من كل شيء). ورغم ظهور ملكات عظيمات غيرها عطرن التاريخ مثل الامبراطورة الأردنية الزباء / زنوبيا، والملكة الفرعونية حتشبسوت، والملكة الاشورية سميراميس، والملكة الفرعونية نفرتيتي، الا ان أيا منهن لم تشبه بلقيس ولم تضاهيها ولم تتفوق عليها.
 
واما ما ورد في التوراة والإنجيل عن الملكة بلقيس فيمكن ان نذكر نصوصا مقتضبة لان النصوص عنها تطول وتتناقض ايضا ونحن نركز على ما جاء في القران الكريم لأنه كلام الله سبحانه لا تناقض فيه ولا شك ابدا. جاء في التوراة عن بلقيس ما يلي: في سفر الملوك الأول 10: 1 ((وسمعت ملكة سبا بخبر سليمان فأتت لتمتحنه بمسائل. فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدا، بجمال حاملة أطيابا وذهبا كثيرا جدا وحجارة كريمة. وأتت إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبها.). وفي الروايات الإسرائيلية فان هناك حوار بالألغاز بين الملكة بلقيس والنبي سليمان اسفرت عن اعلان اسلامها، لكنني لم اتوثق من دقة وصحة هذا الحوار. 
 
 وتضيف التوراة: (فأخبرها سليمان بكل كلامها. فلما رأت ملكة سبا كل حكمة سليمان، والبيت الذي بناه، وطعام مائدته، ومجلس عبيده، وموقف خدامه وملابسهم، وسقاته، ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب، لم يبق فيها روح بعد. فقالت للملك: صحيحا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي وأعطت الملك ــ سليمان ــ مئة وعشرين وزنة ذهب وأطيابا كثيرة جدا وحجارة كريمة. وأعطى الملك سليمان لملكة سبا كل مشتهاها الذي طلبت، فانصرفت وذهبت إلى أرضها هي وعبيدها). 
 
   وكما سنرى ان رواية القران الكريم لموضوع الهدايا وهي الصحيحة تتحدث عن هذه الهدايا بطريقة مفصلة ودقيقة سناتي على ذكرها في معرض البحث ان شاء الله تعالى 
 
واما في الإنجيل فقد ورد ذكر ملكة سبأ في موضعين بنفس المعنى، حيث أطلق عليها سيدنا يسوع المسيح عليه السلام لقب (ملكة التيمن) (4) وهو ما جاء في إنجيل متى 12: 42 ((ملكة التيمن ستقوم في الدين وتدينه، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان)). ولم يذكر أيضا مسألة الكرسي أو آصف بن برخيا. والتيمن هي تيماء وهي ارض اردنية تقع الى الجنوب الغربي من دومة الجندل.
 
أما آخر أباطرة الحبشة (هيلا سيلاسي) فكان يزعم كاذبا أنه الحفيد الأخير في سلسلة أباطرة حكموا الحبشة، وأن نسبهم يعود إلى العلاقة التي قامت بين (سليمان) و(بلقيس) بعد أن خلبت لبه بفتنتها، وقد تحول الاسم (بلتيس) إلى (بلقيس) نتيجة الخلط اللساني)).
 
    وهذا كلام غير صحيح لان سليمان لم يتزوج بلقيس بل تزوجها ابن عم لها فقد كانت ملكة عربية والعربية تأنف الزواج من العبري آنذاك حتى ولو كان نبيا فمهمته عندهم انه نبي وليس زوجا، ولكن سليمان عليه السلام تزوج من الاميرة نعمة العمونية التي بقيت على دينها الوثني في عبادة مالكوم معبود / إله بني عمون وبنى لها معبدا لدينها حسبما تقول كتب التوراة
 
ويطلق الاحباش على الملكة بلقيس: الملكة ميكادا. ويقولون إن الكتاب المقدَّس لم يذكر اسم الملكة (بلقيس)، وأن القرآن الكريم أيضًا لم يذكر اسمها، بل اكتفى بقول الهدهد: (وجدت امرأة تملكهم) (النمل 27: 23
 
اما أصف بن برخيا المذكور في قصة الملكة بلقيس، وهو الذي اتى بعرشها قبل ان يرتد طرف سليمان اليه، فقد اتفقت الروايات على وجوده وان اختلفت بين من قال انه ابن اخ سليمان او ابن خالته او وزيرا عنده، ولكن وفي جميع الظروف فان آصف بن برخيا هو أحد علماء بني إسرائيل ومن المقربين من الملك سليمان وكان يملك العلم الكبير ويعلم باسم الله الأعظم.
 
ويجمع العلماء أن أصف بن برخيا هو من أحضر عرش ملكة سبأ إلى الملك سليمان بن داود بطرفة عين. ومع أنه لم يذكر بالاسم في القران الكريم إلا أن هناك إجماع بأنه من أشار اليه القران انه هو من كان “عنده علم من الكتاب" المذكور في سورة النمل الأية 40  
 ولم يذكر بالاسم في القرآن الكريم أو في أي من الأحاديث النبوية الشريفة لكنه ذكر اسمه في العديد من كتب العلماء والمفسرين المسلمين بـأنه الشخص الذي أحضر عرش بلقيس. كما ينتشر ذكره في كتب السحر وبين المهتمين بعلوم الروحانيات وينسب له كتاب بعنوان "الأجناس" 
من جهة أخرى فانه. كما انه لا علاقة للملكة بلقيس الأردنية باليمن ولا بالحبشة ولكن لعظيم قدرها وسمعتها ادعاه كل لنفسه على راي الشاعر العربي مجنون بني عامر 
 
وكل يدَّعي وصلاً لليلى ....     وليلى لا تقر لهم بذاكا
 
إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ      تبين من بكى ممن تباكى...
 
فأما من بكى فيذوب وجداً       وينطق بالهوى من قد تباكى...
 
ولو أني استطعت كففت طرفي      فلم أبصر به. حتى أراك.
 
 اما سبأ الأرض اليمنية في جنوب جزيرة العرب  التي فيها السد الذي غشاه سيل العرم كما وثقه القران الكريم , فقد وردت في كتاب الله العزيز ولكن بصورة أخرى , وفي سورة أخرى, حيث قال تعالى : (في كتابه العزيز : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) ( سورة سبأ: 15-16)
 
  حيث يعود تاريخ بناء أول سد في مأرب الى ما بين 1750 و1700 قبل الميلاد. اما بناء سد مارب فكان قمة المهارة الهندسية وبعد ان بنوا العديد من السدود قبله وصارت لديهم المهارة الهندسية على بناء سد كان تحفة فنية وعمرانية. حيث اقاموا سد مارب المذكور في القران الكريم الذي خرب عدة مرات كان اخرها في القرن السادس للميلادي ذلك أن السد عانى من العديد من المخالفات ” حيث وقعت حوادث كبيرة سجلت في 449، 450، 542 و548 ” وأصبحت أعمال الصيانة مرهقة على نحو متزايد.
 
ويعتبر مجتمع سبأ اليمن واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم حوالي عام -750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب. ومع هذا بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ اليمن موضع خلاف حتى الآن، بينما لا خلاف على نشوء حضارة سبأ الشمال الأردنية التي كانت في اوجها في حوالي 1000 ق. م. متقدمة على سبا الجنوب بحوالي ثلاثة قرون الى خمسة قرون، عندما كانت الأردنية في اوجها لم تكن اليمنية وصلت الى الحضارة بعد 
 
وجاء في تقرير الحكايات المحلية إلى أن الاختراق النهائي للسد كان متوقعا من قبل ملك يدعى عمران، والذي كان أيضا كاهنا من كهان اليمن، وفي وقت لاحق تتحدث الاساطير التي لا زالت دارجة عن خرق السد بسبب الفئران الكبيرة التي تلتهم ذلك بأسنانها وتخدشه بأظافرها، كان اخرها في 570 أو 575، وفي هذه المرة تركت دون اصلاح، وكان اختراق وتدمير سد مأرب حدثا تاريخيا، ذكره القرآن الكريم.
 
” لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ” “صدق الله العظيم “
 
 وكانت مملكة سبأ البانية للسد والتي ظهرت كحضارة بعد ظهور بلقيس الشمال مملكة عربية يمنية قديمة، وهناك اختلاف حول مرحلة نشأتها، فهي موجودة من القرن الحادي عشر قبل الميلاد على الأقل. ولكن وجودها كمملكة لا يعني انها بنت حضارتها بين يوم وليلة بل اخذت قرونا لتصل الى مرحلة الحضارة، أي ان بدء هذه الدولة كان في زمن قمة حضارة سبأ الشمال وان هناك فراق زمني وحضاري بينهما تقدمت فيه الشمال على الجنوب. 
 
وكانت سبأ لجنوب تتألف من أقوى الاتحادات القبلية في اليمن القديم. واستطاعت تكوين نظام سياسي وصفه علماء العربية الجنوبية بأنه فيدرالية ضمت مملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين وكل القبائل التابعة لهذه الممالك، تقول المصادر التاريخية التي تتحدث عن حضارة سبأ الأردنية: إنها كانت أشبه بالحضارة الفينيقية، أغلب نشاطاتها تجارية، لقد سيطر هؤلاء القوم على الطرق التجارية التي تمر عبر شمالي الجزيرة، وكان على التجار السبئيين أن يأخذوا إذناً من الملك الآشوري سيرجون الثاني حاكم المنطقة التي تجاور شمالي الجزيرة، إذا ما أرادوا أن يصلوا بتجارتهم إلى غزة والبحر المتوسط، أو أن يدفعوا له ضريبة على تجارتهم، وعندما بدأ هؤلاء التجار بدفع الضرائب للملك الآشوري دُوِّنَ اسمُهُم في السجلات السنوية لتلك المنطقة.
 
يعرف السبئيون الأردنيون من خلال التاريخ واحداثه ووثائقه كقوم متحضرين، تظهر في نصوص نقوش ملوكهم   كلمات مثل "استرجاع"، "تكريس"، "بناء"، بشكل متكرر، وقد كانوا أقوياء عسكرياً، حيث كان الجيش السبئي من أهم العوامل التي ضمنت استمرار هذه الحضارة صامدة لفترة طويلة. كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً. قال تعالى وفي وصفهم : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)) سورة النمل , ويمكن تصوير سبأ الأردنية  على أنها كانت بلاداً معتدلة سياسياً، إلا أنها ما كانت لتتأخر في استخدام القوة عند الضرورة.. لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من " القوى العظيمة" في ذلك الزمان.
 
   اما بالنسبة لسبأ اليمن فيذكر القرآن الكريم أن العقاب الإلهي كان بإرسال (سَيْلَ العَرِمِ). وهذا التعبير القرآني يخبرنا كيف وقعت الواقعة، فكلمة "عَرِم" تعني الحاجز أو السد. يصف تعبير (سَيْلَ العَرِمِ) السيل الذي جاء ليدمر هذا الحاجز، لقد حل المفسرون المسلمون موضوع الزمان والمكان على ضوء الألفاظ القرآنية التي وردت في وصف سيل العرم، يقول المودودي في تفسيره:
 
"كما استخدم في التعبير سيل العرم، فإن كلمة "عَرِم" مشتقة من كلمة "عريمين" المستخدمة في لهجة سكان جنوب الجزيرة، والتي تعني "السد، الحاجز"، وقد عثر على هذه الكلمة في أثناء الحفريات التي نفذت في جنوب اليمن باستعمالات كثيرة تفيد هذا المعنى، على سبيل المثال: استخدمت هذه الكلمة في الكتابات التي كانت تملى من قبل ملك اليمن الحبشي "أبرهة"، بعد تعمير وأصلاح سد مأرب في 542 و543 م لتعني السد "الحاجز" مرة أخرى. أذن فأن (سَيْلَ العَرِم) يعني "كارثة السيل التي حدثت بعد تحطم سد".
(وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سبأ: 16). أي: إن البلدة بكاملها قد غرقت بعد انهيار السد بسبب السيل، لقد تحطمت جميع أقنية الري التي حفرها السبئيون، وكذلك الحائط الذي أنشأوه ببنائهم حواجز بين الجبال، ولم يعد لنظام الري أي وجود، وهكذا تحولت الجنان إلى أدغال، ولم يبقَ من الثمار شيء، سوى ثمار تشبه الكرز وأشجار قصيرة كثيرة الجذور. (4)
لقد أقر الكاتب وعالم الآثار المسيحي وورنر كيلر Werner Kellerصاحب كتاب "الكتاب المقدس كان صحيحاً" أن سيل العرم قد حدث كما ورد وصفه في القرآن الكريم، وأنه وقع في تلك المنطقة، وأن هلاك المنطقة بكاملها بسبب انهياره، إنما يبرهن على أن المثال الذي ورد في القرآن الكريم عن قوم الجنتين قد وقع فعلاً.  
 
بعد وقوع كارثة السد، بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية، وهكذا كانت عاقبة القوم الذين أعرضوا عن ذكر الله وترفعوا عن شكره، وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين إلى شمالي الجزيرة والى مكة المكرمة وبلاد الشام. وهذا ما فعله قوم سبأ، فكانت عاقبتهم أن غرقت بلادهم وجنانهم ليفهموا أنهم ليسوا أصحاب القوة، بل أنها نعمة من الله سبحانه أسبغها الله عليهم فحسب. ثم سلبها منهم عندما كفروا بأنعم الله سبحانه .
 
 ويخبرنا القرآن الكريم أن ملكة سبأ الأردنية الشمالية وقومها كانوا "يعبدون الشمس من دون الله" قبل أن تعتنق الاسلام بين يدي النبي سليمان عليه الصلاة والسلام. كما تفيد آيات القران الكريم والنقوش الاثرية انهم كانوا يعبدون الشمس والقمر من دون الله في معابدهم  
 
(وللحديث بقية بإذن الله)
----------------------


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد