عواصم الإنقاذ ثلاث: الرياض وأبوظبي والكويت - سليمان جودة

mainThumb

12-07-2018 03:14 PM

 سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يذكر فيه كل مواطن أردني، أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قد بادر بالدعوة ذات يوم من أيام رمضان هذا العام، إلى قمة رباعية في مكة المكرمة، وأن الموضوع المطروح على مائدتها كان موضوعاً واحداً، وأن جدول أعمالها كان من بند واحد، وأن البند الواحد كان هو نفسه الموضوع الواحد، وأن الموضوع كان يبحث في طريقة يمكن بها مد يد العون إلى بلد عربي، وكذلك كان يفعل البند، وأن المبادرة جاءت في وقتها تماماً، وأنها لو لم تخرج إلى النور في وقتها، فربما كانت الأمور في البلد العربي المقصود بها، قد أخذت اتجاهاً بعيداً.

 

سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يذكر فيه كل مواطن عربي، أن هذا البلد الذي انعقدت القمة من أجله، كان الأردن، وأنه كان قبلها يواجه موقفاً صعباً على المستوى الاقتصادي بالذات، وأن أطرافاً في الداخل، وأخرى في الخارج، أرادت توظيف صعوبة الموقف لغير صالح العاصمة عمّان، ولغير صالح الغالبية من مواطني المملكة الأردنية في العموم، وأنها سعت إلى ذلك فعلاً، وراحت تحرك الشارع وترفع من درجة الحرارة فيه، لولا أن مبادرة خادم الحرمين قد قطعت الطريق على كل أطراف الداخل والخارج، ولولا أنها جاءت في وقتها ولم تتأخر.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يذكر فيه الذين تابعوا القمة على مستوى الإعلام، أن القمة الرباعية اكتملت في مكة المكرمة، وأن الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت، قد سارع إلى الترحيب بالقمة، ثم إلى المشاركة فيها، وأن الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، قد سارع إلى الشيء نفسه، وأن الملك عبد الله الثاني، عاهل الأردن، كان رابع الحاضرين على طاولة الاجتماع، بعد الملك سلمان، والشيخ صباح، والشيخ محمد، وأن القمة لم تنفضّ إلا بعد أن كانت قد خصصت مليارين ونصف المليار من الدولارات، لدفع خطر عن الأراضي الأردنية كان يلوح شبحه في الأفق من بعيد.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، نذكر فيه جميعاً، أن الهدوء قد عاد بعد القمة إلى شوارع عمّان وميادينها، وأن الصخب الذي ملأها قد اختفى، وأن الهتافات التي كانت تموج فيها وتتردد قد انحسرت، وأن الصوت العالي الذي كان يرفع راياته قد استحى وانخفض، وأن العقل قد عاد فوجد له مكاناً، وأن العاطفة المندفعة التي كانت قد حلت في مكانه قد أفاقت، وأن الذين راهنوا على إضافة عاصمة عربية جديدة إلى عواصم تعاني مما لا يزال يتسمى بأنه ربيع عربي، قد أصابهم اليأس، واستبد بهم الإحباط، وأنهم قد استداروا يغادرون العاصمة الأردنية، بعد أن فقدوا الأمل في أن يكون لهم موطئ قدم هناك.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يذكر فيه الذين يؤرخون لتطورات الأحداث وتفاعلاتها، أن قمة مكة المكرمة قد ألقت طوق نجاه إلى بلد شقيق، وأنها قد انتشلته من بين أمواج قوية وعنيفة كانت تتلاطم وتضرب في الشاطئ بعنف، وأن مبادرة خادم الحرمين قد أثبتت بالتجربة، وعلى أرض الواقع الحي، أن الاتحاد الأوروبي ليس وحده القادر على بسط يد المساعدة، إلى دولة من بين الدول الأعضاء فيه، هي اليونان، لإنقاذها من مصير غامض، وأن العرب قادرون على أن يفعلوا مثله، بدليل مبادرة العواصم الثلاث المُشار إليها، وأنهم ليسوا فقط قادرين على أن يفعلوا مثله، وإنما قادرون على أن يكرروها بعدها بأيام معدودة على أصابع اليدين، فتنجح المبادرة في المرة الثانية، نجاحها في المرة الأولى.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يذكر فيه الذين عاشوا أجواء المبادرة الأولى تجاه المملكة الأردنية، أنهم قد عايشوا أجواء عمل عربي مماثل، عندما سارعت الدول الثلاث بالهمة نفسها، إلى طرح مبادرة تدعم الإصلاح الاقتصادي في مملكة البحرين، وتعزز استقرار الأوضاع المالية في المنامة، وسوف يذكرون أن المبادرة ما لبثت أن أظهرت مفعولاً قوياً، فاسترد الدينار البحريني قوته، وتعافى سريعاً، بعد أن وجد تحركاً خليجياً ثلاثياً واعياً أوقف تراجعه، وأعاد إليه وضعه الطبيعي ومكانته في سلة العملات... سوف يذكرون هذا لأنه حدث، ولأنه كان واقعاً عاشته البحرين.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، نتذاكر فيه كلنا، أن العواصم الثلاث بادرت حين بادرت، بحس عربي خالص من جانبها، وبمشاعر قومية مجردة من ناحيتها، وأن مبادرتيها في الحالتين كانتا عملاً تطوعياً غير مفروض عليها، وأن التزامات الأخوة، والمروءة، والرجولة، لدى العربي بشكل عام، هي التي فرضت المبادرتين، ولا التزامات غيرها، وأن الحاجة إذا قضت بمبادرة ثالثة، بل ورابعة، فلن يتغير منسوب الغيرة العربية فيما هو مقبل عما كان إزاء عمّان والمنامة.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يروي فيه المأمورون من دينهم بيننا، بستر الشيء السيئ إذا وجدوه، وإذاعة الشيء الحسن إذا رأوه، أن الرياض ومعها أبوظبي والكويت، قد قدمت ما قدمته في المبادرتين، بدافع من إسعاف واجب، وليس بدافع من الرغبة في التباهي بتقديم عون، ولا بدافع من أن يقال إنها قدمت، وساعدت، وأعانت.
 
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، لا يخفى فيه على أحد أن شيطان ما يُسمى الربيع العربي، إذا كان قد يئس من أن يُعبد في عمّان، وفي المنامة من بعدها، فلن يتوقف عن طرق أبواب عواصم عربية أخرى، ولن يملّ من الطرق، ولكنه في كل الحالات سيجد مبادرات مُشابهة من العواصم الثلاث، التي لن تتخلف عن النجدة، ولا عن المسارعة، ولا عن المبادأة، لأنها في مبادرتين سابقتين كانت تفعل ذلك عن روح متأصلة فيها، أكثر مما تفعله عن شيء آخر.
سوف يمضي هذا الوقت، وسوف يأتي وقت آخر من بعده، يُذكر فيه هذا كله، فلا ينكره أحد، ولا يجادل فيه أحد، وسوف يكون أبناء العاصمتين؛ عمّان والمنامة، أول الذين يذكرون، وأول الذين يقفون في طريق الجدل والإنكار، وأول الذين يذكرون ويقفون، من موقع المُجرّب، الذي طلب منا تراثنا الشعبي الذي تراكم على مر السنين، أن نسأله قبل أن نسأل الطبيب.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد