محاولات لركوب موجة مظاهرات البصرة - د. باهرة الشيخلي

mainThumb

14-07-2018 03:18 PM

 بعد أن عمت المظاهرات الشعبية الساخطة مدينة البصرة واستجابت لها مدن الجنوب العراقي والفرات الأوسط والعاصمة بغداد، شرعت الطبقة السياسية العراقية في ترويج شائعة تقول إن هذه المظاهرات سببها تصفية حسابات بين السياسيين أنفسهم لتسقيط بعضهم بعضا، وحاول سياسيون آخرون ركوب موجتها متخلين عن خطابهم الطائفي ومستبدلينه بخطاب وطني، لكن هذا الخطاب بدا على ألسنتهم كما تبدو الكلمات الأولى، التي يجرب الطفل نطقها فيثير ضحك من حوله، واتهم بعضهم الآخر المتظاهرين بأنهم بعثيون، أو شيوعيون ممن لم يلتحقوا بالعملية السياسية وأدانوها في محاولة لصرف الأنظار عنها، ولكن الاتساع الكبير لهذه المظاهرات أسقط جميع هذه الاتهامات وأفشل جميع تلك المحاولات.

 
أصيب سياسيو العراق الجدد كلهم بالصدمة من هذه التظاهرات، ولكن أكثرهم صدمة كان السياسيون الذين يحسبون أنفسهم على الطائفة الشيعية، فها هي خدعتهم الكبرى تنكشف أمام العالم وتنفضح دعاواهم بأنهم جاؤوا لإزالة “مظلومية الشيعة”، وها هم الشيعة يتظاهرون ويعلنون أنهم لم يعرفوا مظلومية طوال تاريخهم كمثل الظلم الذي مارسه عليهم من جاء باسم مظلوميتهم المُدّعاة.
 
التذمر وأعمال المقاومة ليسا جديدين في جنوبي العراق وفراته الأوسط، لكن السياسيين الشيعة عملوا بكل طاقتهم وبذلوا أقصى جهودهم وسخروا ماكيناتهم الإعلامية كلها وجميع العمائم السائرة في ركابهم للتعتيم عليهما وخنق أخبارهما، ولكن حبل الكذب قصير.
 
ولهذه المظاهرات مقدمات كثيرة لعل أوضحها المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات، التي كانت رسالة واضحة لكل من يبصر، مفادها أن العملية السياسية التي فرضت على العراقيين وكل من جاءت بهم من وجوه سياسية يراها العراقيون لأول مرة، بعد الغزو الأميركي لبلادهم واحتلالها، مرفوضة ومرفوض كل من جاء على موجتها وحتى من ركب هذه الموجة بعد حين.
 
وأقصى ما استطاع أن يحققه خداع السياسيين للعالم، هذه المرة، هو ادعاؤهم بأن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت 20 بالمئة، بمعنى أن الرافضين كانت نسبتهم 80 بالمئة، ثم عندما افتضحت لعب التزوير وشراء الأصوات تبين أن نسبة المشاركين لم ترق إلى 5 بالمئة، وقلنا وقتها، إن لنسبة الـ80 بالمئة استحقاقاتها، وإنها ستقول كلمتها بعد الانتخابات، وها هي ترفع صوتها منادية بتوفير خدمات لا تستطيع الطبقة السياسية، مع فسادها، توفيرها، حتى بعد عقود من الزمان، لأن هذه الطبقة بإهمالها البلاد وأهلها وانشغالها بالصراع على كراسي الحكم وبفسادها ونهب ثروات البلاد وتقديم الجزء الأعظم منها إلى إيران للتخفيف من أزماتها الخانقة، دمرت البنى التحتية للبلاد، التي تأسست على مدى 82 سنة هي عمر النظام الوطني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 وحتى احتلال العراق سنة 2003.
 
وإذا كان العراقيون قد بدأوا مظاهراتهم بالمطالبة بتوفير الخدمات، التي يعلمون أن الحكومة غير قادرة على توفيرها، فإنهم سيرفعون سقف مطالبهم إلى التغيير الشامل للنظام السياسي في العراق، وقد جاء هذا المطلب، الذي هو أساس الحل لأزمات البلاد على لسان متظاهرين كثيرين انتشرت مقاطعهم المصورة على شبكة التواصل الاجتماعي.
 
وفي محاولة لامتصاص النقمة الشعبية على الأداء الحكومي الفاشل، عقد مجلس الوزراء العراقي جلسة، الثلاثاء العاشر من يوليو الحالي، شهدت مناقشة موسعة لمشكلات أهالي البصرة وموضوع المياه ومشروع ماء البصرة وأصدر قرارات جديدة، منها: تشكيل وفد حكومي برئاسة وزير النفط وعضوية وزراء الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة والكهرباء والموارد المائية والنقل وهيئة المستشارين في رئاسة الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء وخلية الأزمة، يذهب إلى البصرة بصفة عاجلة ويتولى معالجة المشكلات، التي تواجهها المحافظة، وزيادة العجلات الحوضية الناقلة للماء الصافي لتوزيع الماء على المواطنين، وربط مشروع ماء البصرة في الهارثة بالخطوط الناقلة الحالية، ودراسة إمكانية ضخ الماء أثناء التشغيل التجريبي وتُقدم من استشاريي المشروع، وأن تنسق الهيئة التنفيذية لمشروع ماء البصرة مع الجانب البريطاني لغرض تخصيص المبلغ المطلوب للشركة الاستشارية.
 
لكن هذه الحلول العاجلة لا تكفي ولا تدوم لأن المشكلات أكبر، أو كما يقول المثل العراقي “الشق كبير والرقعة صغيرة”، فالماء ليس الوحيد الذي أثار غضب العراقيين على الأداء الحكومي. فإذا كانت البصرة هي الأكثر معاناة من مشكلة المياه الصالحة للشرب، فما بال المدن الأخرى والعاصمة بغداد لكي تتظاهر مع البصرة؟ ولذلك وبالحس الشعبي الواعي تندّر العراقيون على قرار مجلس الوزراء بـ”زيادة العجلات الحوضية الناقلة للماء الصافي لتوزيع الماء على المواطنين”، لأن مشكلة المياه، وخصوصا بعد تحويل إيران لمجاري أنهارها لكي لا يستفيد منها العراقيون وتعمدها إلقاء مياهها شديدة الملوحة في شط العرب ورمي فضلات مصانعها في مياه هذا الشط، تفاقمت بما لا تجدي معها الحلول الترقيعية.
 
أطلق العراقيون على مظاهراتهم الحالية أسماء كثيرة منها انتفاضة الجياع وثورة العشرين الثانية، في إشارة إلى ثورتهم على الاحتلال البريطاني في الثلاثين من يونيو سنة 1920، ومنهم من سماها ثورة الحادي والعشرين.
 
الوضع في العراق يتطور بصفة خطرة جدا، وليس مستبعدا أن تشارك فيه المدن الغربية والشمالية في البلاد لأن لهذه المدن مطالبها أيضا، فالطبقة السياسية العراقية، كما قال أحد المتظاهرين، وزعت ظلمها بالتساوي على العراقيين جميعا وأنها لم تكن عادلة إلا في هذا التوزيع.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد