العراق بعد داعش: تحديات تهدد بمزيد من التشظي - سلام السعدي

mainThumb

14-07-2018 03:20 PM

 مر عام على إعلان الحكومة العراقية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وذلك بعد استعادة السيطرة على مدينة الموصل، معقل التنظيم وعاصمة خلافته المزعومة، وذلك في يوليو 2017. توقع البعض أن يكون العام الماضي، وقد تخلصت البلاد فيه من وطأة الحرب، فرصة مناسبة لالتقاط الأنفاس من قبل كافة الفرقاء السياسيين وفرصة للالتفات نحو إعادة الإعمار ونحو بدء عملية سياسية ذات مصداقية تعيد شيئاً من التماسك الوطني لبلد مفتت.

 
ولكن انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، لم يقد إلى السلام، بل إلى تكثيف الصراع الداخلي على السلطة، وإلى بروز تحديات عديدة ستكون بانتظار الحكومة العراقية التي تنتظر تشكيلها قريباً.
 
في البداية، حاول الأكراد تكريس ما حصدوه من جراء انهيار الدولة العراقية عام 2014 والذي صاحب بروز داعش. ففي ذلك الوقت كانت قوات البشمركة قد استغلت فرار القوات العراقية أمام هجوم داعش للسيطرة على مدينة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها. وبمجرد انتهاء الحرب المشتركة على داعش، برز الخلاف بين الأكراد والحكومة العراقية حول مدينة كركوك فقامت الأخيرة بشن هجوم عسكري سريع وانتزعت السيطرة عليها.
 
لم ينته الصراع عند ذلك بل تحول إلى صراع داخلي بين القوى السياسية الشيعية وخصوصاً مع بروز لاعب جديد هو ميليشيات الحشد الشعبي الذي تشكلت بدعم من إيران لقتال تنظيم داعش، وتحولت إلى القوة العسكرية الأكبر في البلاد ومن ثم تحولت إلى قوة سياسية بعد هزيمة داعش.
 
ويتضح من خلال نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة أن سنوات الحرب أثرت بصورة كبيرة على المستقبل السياسي للعراق، إذ حلت قائمة الفتح التي تمثل ميليشيات الحشد الشعبي في المرتبة الثانية بعد قائمة مقتدى الصدر في تلك الانتخابات.
 
هكذا، ستواجه الحكومة الجديدة حال تشكيلها تحديات يمكن تلخيصها بتحقيق استقرار سياسي واقتصادي في العراق يسمح بالتقاط الأنفاس والتخفيف من حدة الصراعات السياسية بما ينقل البلاد خطوة للأمام بعد كل ما مرت به من دمار وتشظ سياسي وأهلي. ولكن هل تتمكن الحكومة المرتقبة من تحقيق الاستقرار المنشود؟
 
يحتاج الاستقرار إلى إطلاق عملية سياسية جديدة تكون تشاركية إلى حد كبير تدمج القوى السياسية السنية في عملية صناعة القرار. أثبتت الحكومات العراقية دوما، بدعم إيراني ولامبالاة أميركية، أنها غير راغبة في مشاركة حقيقية بالسلطة مع مكونات غير شيعية. بل إن عمليات التزوير الواسعة التي جرت خلال الانتخابات الأخيرة توضح وجود أطراف سياسية لا تزال ترفض المشاركة الحقيقية بالسلطة حتى ضمن البيت السياسي الشيعي نفسه.
 
نتائج الانتخابات لا تشي بإمكانية تشكيل حكومة قادرة فعلاً على قيادة عملية سياسية وطنية جامعة. إذ حلت قائمة رجل الدين الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر في المرتبة الأولى، وتلتها قائمة الفتح التابعة لميليشيات الحشد الشعبي. بمعنى آخر تصدرت المشهد السياسي للعراق قوى سياسية ميليشياوية شديدة الطائفية ومتهمة بارتكاب جرائم حرب بحق شرائح واسعة من العراقيين وبعمليات تدمير متعمدة للمنازل وبالتهجير القسري. وقد أعلن الطرفان تحالفاً سياسياً سوف يؤدي، في حال تجسيده سياسيا، إلى حكومة هي أبعد ما تكون عن تحقيق وحدة وطنية. هذه وصفة جديدة للمظالم التي شكلت داعش بالأساس، وسوف تقود تالياً إلى بروز داعش جديد أو ما يشابهه.
 
كما يحتاج الاستقرار إلى عملية إعادة إعمار واسعة وتذليل مصاعب العيش التي تعصف بملايين العراقيين، وخصوصاً الذين نزحوا من منازلهم وعادوا ليجدوها مدمرة أو لم يتمكنوا من العودة.
 
هذه عملية عسيرة للغاية إذ لا يبدو أن تمويل إعادة الإعمار متاح حتى الآن ولا تبدي الحكومة العراقية اهتماما خاصا في ظل انشغال مكوناتها بالصراعات الداخلية وبالانتخابات. وبصورة عامة هنالك حاجة ماسة لتحقيق نقلة واضحة في الظروف الاقتصادية والمعيشية لجميع العراقيين وليس السنة فقط.
 
إن حلول قائمة مقتدى الصدر في المرتبة الأولى جاء بدرجة كبيرة بسبب تزايد التذمر الاجتماعي والاقتصادي لدى قاعدة عريضة من الشعب العراقي.
 
تحديات كثيرة سوف تواجه الكيان السياسي العراقي الجديد ما بعد الحرب على داعش. وعلى الفرقاء السياسيين العمل بسرعة من أجل حلها قبل أن يضاف إليها تحدٍ جديد بدأت تبرز ملامحه: عودة تنظيم داعش.
 
العرب


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد