الإسلاميون بين حلم الرئاسة والخوف منها - د. آمال موسى

mainThumb

15-07-2018 03:37 PM

 إنّ تحذير القيادي بحركة «النّهضة» التونسيّة السيّد محمد بن سالم من سيناريو محمد مرسي، في حال ترشحت النّهضة للانتخابات الرئاسيّة، يستحق حسب تقديرنا وقفة وانتباهاً خاصين، وذلك لأسباب متعدّدة ومختلفة.

أولا يقوم هذا التنبيه على تبني معلومة راجت في الأسابيع الأخيرة حول نية رئيس الحركة السيّد راشد الغنوشي الترشح للانتخابات الرئاسيّة التي ستنعقد في العام المقبل. وبناء عليه فالواضح أن نية الترشح في حدّ ذاتها هي موضوع اختلاف في المواقف. كما أن رفض شق داخل الحركة فكرة الترشح للانتخابات الرئاسيّة ليس من فراغ ولا هو طبعاً من باب الترفع، حيث إنّ الحكم هدف أي حزب يمارس السياسة.
 
ولكن قبل التعرف إلى أسباب رفض البعض لإمكانيّة فوز حركة النّهضة في الانتخابات الرئاسيّة، من المهم التوقف عند روافد الثقة بالفوز إذا ما أقدمت النهضة على طموح الرئاسة ودخول قصر قرطاج.
 
يمكن الإشارة إلى مسألتين مهمتين الأولى فوز حركة النّهضة في الانتخابات الرئاسيّة، مقارنة بالنتائج التي حققتها حركة نداء تونس وهو فوز أصابت من خلاله النّهضة أهدافاً عدة من شأنها أن تساعدها في الموعد الانتخابي التشريعي والانتخابي المقبل.
 
تتمثل المسألة الثانيّة في تراجع أثر حركة نداء تونس الفائزة في الانتخابات التشريعية والرئاسيّة في سنة 2014، وضعف مصداقيتها في الوقت الراهن عند شق واسع من التونسيين، الشيء الذي يساعد النّهضة على استثمار الرصيد السلبي الراهن لحركة نداء تونس. بمعنى آخر فإن حركة النهضة التي تراجعت هي بدورها ترى في تراجع النّداء الكبير نوعاً من تلطيف لتراجعها، خاصة أنّها الأولى حزبياً بفضل تكتيكها وتفوقها في التنظيم.
 
إذن أصبح موضوع الترشح في الانتخابات الرئاسيّة مطروحاً، لأن حركة النهضة كانت الأولى من بين الأحزاب في الانتخابات البلديّة، إضافة إلى أن انطفاء الجاذبيّة الشعبيّة لحركة نداء تونس وتنامي الانتقادات ضد قياداتها، وما حصل بينها من انشقاقات وتلاسن جعل صورة الحركة تتراجع.
 
وبناء على هذه المعطيات الميدانيّة المثبتة بالإحصائيات والأرقام، فإن الشق المتحمس للانتخابات الرئاسية يريد أن يثأر من انتخابات 2014 التي خسرت فيها حركة النهضة الأغلبية النّسبيّة، التي تحصلت عليها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. وللتذكير فإن حصول حركة النهضة في انتخابات 2014 على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية كان يدخل في إطار ما عرفه آنذاك تنظيم الإخوان من تأزم بلغ أوجه في حل الإخوان في مصر وسجن محمد مرسي. وبالنظر إلى التأزمات التي عرفها الإخوان والإسلام السياسي في تلك الفترة فإن حصول النهضة على الترتيب الثاني يعد في ذلك السياق، وفي ظل تلك الظروف نجاحا في البقاء أكثر منه تراجعا.
 
السؤال الآن: ما دام الوضع رغم تأزمه سياسياً واقتصادياً يشير إلى أن منافس حركة النهضة يعرف تأزماً قوياً، وأن الحقل السياسي من ناحية الأحزاب يبشر النّهضة بحظوظ وافرة في الموعد الانتخابي المقبل، لماذا يصدر بعض قيادات النهضة تنبيهات ويُظهر مخاوف؟
 
هناك جواب معروف وسبق أن لمحنا إليه وهو ما وصفه القيادي في حركة النهضة السيد محمد بن سالم بسيناريو محمد مرسي. فهو سيناريو سيئ الذكر بالنسبة إلى حركة النهضة التونسيّة، وفهمت منه أن الوصول إلى كرسي الحكم هو الوصول إلى باب الخروج من السياسة. لذلك فإن عقلاء الحركة لديهم من الحكمة التي تجعلهم يدركون أن الانتخابات الرئاسية محرقة للإسلام السياسي، خاصة في بلد مثل تونس يهيمن عليه الفكر الحداثي والدولة قائمة على مشروع تحديثي طموح لا يعرف نقطة توقف. كما أن النخبة التحديثية ذات تنشئة فكرية وسياسية تجعلها لا تقبل أن يدخل الإسلام السياسي قصر قرطاج ذلك القصر البورقيبي في مخيال التونسيين.
 
أيضا في صورة فوز حركة النهضة في الانتخابات الرئاسيّة، فإن ذلك سيجعلها في إحراجات وأمام ضغط مضاعف من النخب التحديثية. وهنا نضرب مثالا: تقرير الحريات الفردية الذي أثار جدلا وينتظر أن يناقش مسائل مثل المساواة في الميراث بين الجنسين وغير ذلك من المواضيع الخلافية.
 
أما السبب الآخر الذي يجعل أمثال السيّد محمد بن سالم يحذرون من خطأ الترشح للانتخابات الرّئاسيّة، فهو أن الوضع الاقتصادي الذي يعرف مشكلات عدة وأرقام البطالة والفقر وغير ذلك، لم تؤمن النّجاح لأي فريق حاكم. لذلك فإن البقاء في الحكم من خلال السلطة التشريعيّة وفرض حصة في تركيبة الحكومة هي الطريقة الذكية الفاعلة الأقل سلبيات ومتاعب في ممارسة الحكم بالنسبة إلى حركة النّهضة. ونعتقد أن حتى من هم وراء بث أخبار نية النهضة الترشح للانتخابات الرئاسيّة لا تنقصهم القراءة الحذرة لكل خصائص الحقول الاجتماعية في تونس. فهي أخبار من أجل الضغط على حركة النداء وتندرج في إطار جس النبض، وهل إن النبض التونسي بشكل عام بصدد التغير في علاقته بالإسلام السياسي، وكيف ولماذا وإلى أي حد؟
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد