تونس تتعطل بسبب أزمة الحزب الحاكم - مختار الدبابي

mainThumb

17-07-2018 03:39 PM

 تونس التي تكافح للخروج من أزمة اقتصادية واجتماعية هيكلية بسبب فشل خيارات ما بعد 2011 تجد كل مؤسساتها متوقفة ومشاريعها مؤجلة بانتظار حل أزمة الحزب الحاكم الذي شهد الكثير من الانشقاقات والأزمات بسبب من يمسك بالقيادة.

 
حمل الحوار الذي أجراه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لقناة محلية خاصة صورة واضحة عن وجود أزمة حكم في تونس، وأن الطبقة السياسية التي استلمت السلطة بعد احتجاجات 2011 فشلت في أن تتحول إلى طبقة حاكمة، وظلت تتعاطى مع الحكم كمسرح للصراع السياسي وليس كفرصة لتنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية المغايرة لتلك التي انتفض ضدها الشعب.
 
ملخص حوار السبسي أن البلاد في حالة انسداد سياسي كامل، وأن الخروج منه أمر شبه مستحيل طالما أن الأزمة مرتبطة بمزاج السياسيين وحساباتهم الشخصية والحزبية. وبدا الرئيس التونسي في وضع من لا يمسك بالحل بشكل بات، رغم ما عرف عن الرجل من قوة في التكتيك وربط التحالفات واستدراج الخصوم إلى مربعه.
 
وأعتقد أن روحية الحوار القائمة على التسليم بالأمر الواقع وانتظار أن يتنازل الخصوم لجسر الهوة والخروج من الأزمة ستزيد من التشاؤم في ساحة سياسية لم تنجح في شيء مثل نجاحها في مراكمة التشاؤم والإحباط بأدائها.
 
الرئيس الواقع تحت تأثير النظام السياسي الهجين الذي يفتت السلطات بين البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وجد نفسه في وضع المحلل السياسي، حيث غلب على إجاباته الاستنتاج واستقراء مواقف الآخرين، أكثر من امتلاك رؤية واضحة للحل، أو اتهام صريح لهذه الجهة أو تلك بالتسبب في التعطيل.
 
ورغم أنه صارح التونسيين بأن حركة النهضة الإسلامية هي التي تقف لوحدها وراء رئيس الحكومة يوسف الشاهد وترفض استقالة حكومته، فإن الرئيس السبسي وجد نفسه يمتدح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي راهنا الحل بيده ومراهنا على عقلانيته.
 
وإذا بحثنا في عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة، والتي تعطل كل شيء في مؤسسات الدولة، سنجد أن السبب لا علاقة له بمقاربة الحلول، أو بالتحالفات الحزبية. كل الخلاف واقع داخل حزب نداء تونس، الحزب الذي يُفترض أن يكون الحزب الحاكم، بين شخصين محوريين فيه؛ مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي، وهو نجل الرئيس، والشخص الثاني هو رئيس الحكومة، وهو ابن الحزب وأحد المقربين من الدائرة الضيقة الخاصة بالرئيس التونسي ونجله، وهو ما يعني أن القصة لا تتجاوز الصراع على الزعامة الحزبية داخل “النداء”، وهي مرتبطة أيضا بالانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019.
 
الرئيس السبسي لم يذكر رئيس الحكومة بالاسم أو الصفة، لكن جاء في الحوار اتهام واضح له بأنه سبب تعطيل الحكومة، وأنه وراء الأزمة التي يعيشها نداء تونس من خلال الانشقاق الجديد الذي يعيشه بين شقيْ السبسي الابن، ورئيس الكتلة البرلمانية للنداء سفيان طوبال وفريقه وأغلبهم أعضاء في البرلمان.
 
وجاء تلميح واضح بأن الشاهد لا يفكر في حل الأزمة الحكومية الآن بقدر تفكيره في 2019، أي أنه يفكر بالترشح للانتخابات الرئاسية ربما منافسا للرئيس الحالي الذي ألقى بالمزيد من الغموض على موقفه من الترشح للمرحلة القادمة، بشكل يتعارض مع ما سربه بعض من التقى بهم من عناصر النداء منذ أيام من أنه لا يفكر في 2019، وربما منافسا لنجل الرئيس إذا قرر والده عدم الترشح.
 
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل ستظل تونس مرتهنة لتنافس محموم بين قياديين في الحزب الحاكم؟ وهل ستسلم الطبقة السياسية بالأمر الواقع، وتترك للوقت حل الأزمة مع ما يتبعها من تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد يعيش أسوأ مراحله من حيث المديونية ونسبة التضخم وارتفاع الأسعار وغياب الحلول في أزمة البطالة؟
 
يجدر التذكير بأن توافقا حصل بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي على أخذ تعهد من الشاهد بعدم الترشح لانتخابات 2019، وجاء ذلك في تصريح للغنوشي منذ عام، حين حث الشاهد على الإعلان رسميا عن أنه “غير معني بانتخابات 2019″، فما الذي غيّر رأي رئيس حركة النهضة ليصبح حاميا للشاهد ومشجعا لأحلامه في الرئاسة؟
 
وربما قد يكون الباجي قائد السبسي قد نجح في اجتماع أمس، الذي ضم أبرز الفاعلين السياسيين، بإعادة الحرارة لسياسة التوافق بشأن استمرار الحكومة من عدمه باستمالة حركة النهضة، لكن المشكلة ستظل مرتبطة برغبة الشاهد في الترشح لانتخابات 2019، وهي القضية التي تقسم نداء تونس، وليس ورادا أن يتم حلها أو تطويق تداعياتها إلا عبر حوار حزبي داخلي بين فرقاء الأزمة.
 
لقد صدّر النداء أزمته إلى الحكومة وحولها إلى أزمة تونس بأكملها، وصار من اللازم اشتراك الجميع في حلها وإلا ستجد البلاد نفسها في وضع صعب، فالتجاذب الحزبي تحول إلى تجاذب أشمل، والشاهد نجح في كسر محاولات تطويقه عبر استمالة اتحاد الشغل وترضيته عبر اتفاق لزيادة أجور القطاع العام، كما دفع بمهدي بن غربية، أحد الوزراء الذين يتحفظ عليهم الاتحاد، إلى الاستقالة. وقد يعمد رئيس الحكومة إلى تعديل وزاري يبعد من خلاله كل المغضوب عليهم من الاتحاد، طبعا دون إغضاب سنده الرئيسي حركة النهضة.
 
مناورة الشاهد قد لا تقف هنا، فالرجل يحوز على دعم دول أوروبية معنية بالشأن التونسي وتدعم الاستقرار الحكومي، فضلا عن المؤسسات المالية الدولية التي وافقت منذ أيام على تمتيع حكومة الشاهد بشريحة جديدة قيمتها 249.1 مليون دولار. وما يزيد الأزمة تعقيدا أن رئيس الحكومة حرر وزيره بن غربية، ليبدأ جهوده في بناء حزب جديد من نفس الأرضية التي يقوم عليها نداء تونس، أي سيتم رسميا وقانونيا تقسيم جمهور الحزب الحاكم والروافد التي دعمته في 2013 لتحقيق الفوز أمام النهضة في الانتخابات التشريعية وأمام الرئيس السابق المنصف المرزوقي في الرئاسية.
 
الرئيس السبسي لوّح في حوار الليلة قبل الماضية بأنه قادر على إعادة تجميع الروافد التي شكلت النداء في 2013 ليس لمواجهة النهضة، ولكن في سياق لجم غرور الشاهد. وإذا كانت الروافد الأربعة (الدساترة واتحاد الشغل واليسار والمستقلون) جاهزة للعودة ليس للجم الشاهد ولكن لمنع انفراد النهضة بالمشهد السياسي، فإن الزخم لن يكون كما كان في 2013 لأسباب أهمها أن نداء تونس خيّب جزءا كبيرا من جمهوره وأغفل أهم شعاراته التي كانت وراء “التصويت المفيد” بشكل واسع للوقوف بوجه مشروع حركة النهضة الاجتماعي في ضوء تخوف كبير من تغيير المكاسب المدنية التي تحققت، وهو ما يفسر حصول الرئيس التونسي في انتخابات 2014 على أصوات أكثر من مليون امرأة.
 
الآن حصلت اختراقات كثيرة في المشهد لن تسمح بالتأكيد باستعادة حماس 2013/ 2014، لكن إعادة تجميع الروافد الأربعة، وخاصة الوجوه القيادية التي أسست النداء بما تحمله من رؤى وقدرة على تقديم خطاب سياسي عقلاني، خطوة مهمة للحفاظ على حد أدنى من التوازن في المشهد، ذلك أن انفراط عقد النداء كتيار ليبرالي براغماتي سيفتح المجال أمام حركة النهضة للسيطرة على المشهد السياسي وعلى المؤسسات المختلفة من بوابة الانتخابات، وخاصة لقدرتها على الاستقطاب وملء الفراغات، وهو أمر تعجز أمامه الأحزاب التقليدية المنافسة لها مثل الجبهة الشعبية (اليسارية) أو المجموعات القومية، وبقية أحزاب الوسط التي تقوم على الأشخاص وليس على برامج.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد