فتح شاخت في مواقعها وحماس تناور بشبابها - محمد أبوالفضل

mainThumb

13-08-2018 01:31 PM

 لم يكن أشد أعداء فتح يتوقع أن تصل الحركة إلى هذه المرحلة من الشيخوخة، التي جعلت مفاصل القضية الفلسطينية تبتعد عنها تدريجيا، بعد سنوات من الكفاح والنضال، وبدلا من تصحيح الأخطاء يصمم من ارتاحوا طويلا في مواقعهم على البقاء على مقاعدهم.

 
ولم يكن أشد المتفائلين بحركة حماس ينتظر أن تتحلى بهذه الدرجة من المرونة التي مكنتها من الانفتاح على العديد من القوى الإقليمية والدولية، للتوصل إلى تهدئة قصيرة أو طويلة المدى مع إسرائيل، ما يساهم في تجاوز رفع الحصار عن قطاع غزة، إلى أن تصبح الرقم الرئيسي في أي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.
 
التوجهات التي تعتمل داخل فتح، أثبتت عقم التفكير السياسي، ما جعلها تلفظ الكثير من قياداتها الحيوية لمجرد وجود خلافات حركية أو شخصية. أخفقت في تحويل هؤلاء لعنصر قوة قبل أن يتحولوا لعامل ضعف. رضخ قادتها لجملة من الحسابات الضيقة، ورفضوا التحلي بالمرونة لإنقاذ ما تبقى من عافية سياسية واستيعاب الأطياف المختلفة.
 
في المقابل، نجحت حماس في الاستفادة من أخطاء السلطة الفلسطينية، وفي القلب منها حركة فتح، بل تجنبت الكوارث التي وقع فيها التيار الإسلامي، وانفتحت مصر التي ترفض التعامل مع رموزه في الداخل عليها دون غيرها. هضمت الحركة الإخوانية الدروس والتصورات وأنكرت وجود خلافات داخلها.
 
قيادة الحركة قدمت نفسها للعالم على أنها تملك ناصية القرار، وتحولت خلافاتها المعروفة للجميع، والتصنيفات التي تتردد حول وجود صقور وحمائم في صفوفها إلى عنصر قوة، وليس ضعفا، كما هو الحال في فتح. دخلت مفاوضات مضنية للتهدئة واستثمرت رغبة المجتمع الدولي في حل المعضلة الإنسانية، بما يوحي أنها مضطرة للحوار نزولا على مطلب أممي، وتنكر أنها جاءت رضوخا لضغوط إسرائيلية.
 
الواقع يفرض تقييم ما يحدث بصورة موضوعية، ولن يعمينا الخلاف المبدئي مع حماس عن الاعتراف بما أنجزته عبر انتهازيتها السياسية، كما هو الحال لدى جميع الحركات الإسلامية. تمكنت من تحقيق تفوق جعلها تتقدم خطوات على جسد فتح، وتبدو كأنها حركة أكثر مرونة مما توقع كثيرون.
 
الميزة التي تملكها حركة حماس وجعلتها تتفاعل مع التطورات الأخيرة، أن قيادتها توظف خلافاتها على الطريقة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها، ولا تعطل مسيرتها على الطريقة الفتحاوية وتحقيق أهداف غيرها. قد تتقزم حماس عسكريا، لكن ربما تتضخم سياسيا وهي تستثمر الزخم الدولي الحالي، وتكون ممارساتها سببا في إنقاذ قطاع غزة ورأس حربة لانفراجة كبيرة.
 
التفكير الذي تتبعه حماس يقوم على ديناميكية القفز والتنقل من النقض إلى النقيض، دون أن تتخلى عن الأوراق التي تملكها دفعة واحدة. فوسط انخراطها في حوارات متعددة مع مصر للتهدئة والمصالحة وإصلاح اقتصاد غزة، لم تفقد علاقتها مع كل من قطر وتركيا وإيران.
 
قد تكون التطورات المتلاحقة في المنطقة فرضت هذه الحالة الإيجابية، وجعلت حماس جزءا منها، لكن القراءة البراغماتية للأحداث ساعدتها على التجاوب، ومكنتها من تقديم نفسها على أنها حركة منفتحة وليست جامدة، الأمر الذي انعكس سلبا على فتح المناوئة، وبدت الأخيرة أسيرة خلافاتها الداخلية، ورافضة التفكير في إيجاد حلول عملية.
 
كيف يمكن تحقيق مصالحة وطنية ومن يقبضون على زمام هذا الملف في فتح من ألد أعدائها؟ هل يمكن أن يتفاوض قيادي فتحاوي على طريقة عزله أو تهميشه؟ من أين تأتيه الجرأة على تجاوز العقبات، إذا كان من فوضوه يراهنون على ضعف الآخر وليس قوتهم؟ هل تستطيع القيادة التي فشلت في احتواء معارضيها الحوار بعقل مفتوح مع المنافسين؟
 
الإجابة بالنفي الكبير، تؤكد أن حركة فتح أصابها الكثير من الترهل، وما لم تتمكن من لملمة عناصرها، فسوف تكون الفرصة مهيأة للمزيد من التفسخ، وربما تتحول إلى أشلاء حركة تاريخية، وهنا تتجلى نتائج التجارب التي أثبتت أن وجود قوى منافسة متعددة يضعف القضية الوطنية، فلا بد من وجود قوة رئيسية واحدة.
 
كانت فتح قائدة وحيدة وبلا منازع، وخلفها حماس وعدد كبير من الفصائل، لفترة طويلة. كان الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) يستثمر الحركات الهامشية والمصطنعة في تحقيق مكاسب على حساب إسرائيل.
 
التخلص من أبوعمار، كان بداية التدهور في حركة فتح والقضية الفلسطينية، لأن من جاؤوا بعده لم يهمهم إنصاف القضية وحلم بناء الدولة، بقدر الجري وراء الاستحواذ على السلطة. كل من التقيتهم وكانوا قريبين من أبوعمار، أكدوا أنهم رفضوا التعامل مع الرئيس محمود عباس (أبومازن). ومن قبلوا بعروضه السياسية والإنسانية ندموا ووجدوا أنفسهم خارج دائرته.
 
جلهم لم يشككوا في وطنية الرجل، لكنهم أبدوا قلقهم مبكرا من المحيطين به. قلقهم كان مضاعفا بعد فقدانه السيطرة على الكثير من الأمور في فتح، لأنه تركها لمن أدمنوا السلطة وغواياتها، ويصعب عليهم تخيل الابتعاد عنها. أصبحوا على استعداد للتضحية بأي قيادة تقف في طريقهم.
 
لذلك كلما انفرجت طاقة في ملف المصالحة سعوا لسدها، وكلما فتحت نافذة لتجميع القيادات التي تسربت من فتح، عملوا على غلقها. أصيبت الحركة الأم بجميع أمراض السلطة وأوشكت على فقدانها.
 
حماس أجادت قراءة المشهد وراهنت على ترهل فتح أكثر من رهانها على قوتها الذاتية. تمترست في قطاع غزة وفرضت سطوتها بالقوة الغاشمة. استثمرت المعاناة وتاجرت بها. طرقت أبوابا كثيرة، غالبيتها أغلق في وجهها.
 
انتظرت حتى جاء إليها من أغلقوا أبوابهم. تجاوبت معهم ليس لحل مشكلة إنسانية تؤرقهم، لكن لحل أزمتها كي تصبح رقما مهما على الساحة الفلسطينية.،عنوانا للتسوية الغائبة وأملا في تغيير التعامل معها من حركة توضع على قوائم الإرهاب، إلى حركة سياسية على استعداد للتعايش مع خصومها، بمن فيهم إسرائيل.
 
صمود التهدئة التي دخلتها حماس وتتحدى بها العواصف، يفتح لها الطريق الذي حلمت به منذ فترة. فقد يرى فيها المجتمع الدولي ضابط إيقاع بدلا من عنصر توتر. استوعبت تجارب حزب الله في لبنان، ولم تستجب لجميع إغراءات إيران، ولم تنسق وراء مشاغبات قطر وتركيا. انفتحت عليهم بقدر، وتلكأت أيضا بقدر عندما وجدت مصلحة في التلكؤ.
 
الجهة الوحيدة التي لم تجرؤ على خصامها هي مصر. نعم كانت تناكفها من قبل، لكن لم تصل المناكفة حد الخصومة، لأنها تدرك أن الكثير من مفاتيح غزة في يد القاهرة، التي لن تسمح لأي جهة خارجية بتحويل القطاع إلى وسيلة ضغط عليها أو ابتزاز لها.
 
بينما ذهبت فتح بعيدا، ولم تستفد من حرص مصر على وجود السلطة الوطنية كقناة وحيدة لفرض السيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية معا، وتفرغ بعض قادتها لاتهام القاهرة بمساندة حماس ضد فتح.
 
الفرص التي واتت حركة فتح كثيرة. والفرص التي واتت حماس قليلة. والفرق بينهما، أن الأولى تريد أن تأتي إليها السلطة لذلك شاخت قياداتها في مقاعدها، في حين تسعى الثانية لها بكل ما تمتلك من مناورات، ولذلك جددت شبابها، مع أنها تبطن عدم التخلي عن أيديولوجيتها السياسية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد