أسماء الملكة بلقيس التي شوشت المؤرخين

mainThumb

16-08-2018 09:58 AM

الحلقة التاسعة
 
وأما ما يتعلق بالاسم (بلقيس) ومعناه، فقد ذكر المؤرخ الجغرافي العربي اليمني أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (280-بعد 336هـ)، رحمه الله، عن الاسم الشخصي لهذه الملكة، أنه: (بلقه/ بلقمة/ بلمقة). وواضح أن هذا تصحيف من النساخ للفظة (بلق)، او هو اللهجات المتعددة للقبائل.
 
 فالشطر الأول من اسم بلقيس هو: (بلق) ونضيف عليه مقطعا اخر وهو + (يس/إيس)، والبلق هو اللون الأبيض، وهو لون حجر البلق المعروف، وهو لون حجر الجندل الذي في مملكة سبأ الشمال. واما (يس/ إيس) فهو اسم للشمس، والاغلب انه اسم لإله الشمس، فيكون معنى الاسم إذن: (بياض الشمس او وهج الشمس)، او عبدة الشمس أي عبيد المس، لأنها وقومها كانوا يعبدون الشمس قبل اسلامها (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) سورة النمل).
 
ويمكن أن نقول وبصيغة أدبية، أن الاسم بلقيس يعني (وهج الشمس او عبدة الشمس (كما نقول عبد شمس للمذكر وعبدة شمس للمؤنث). وجاء هذا الاسم في لغة المسند اليمنية العربية، كما اعترف المؤرخ الأميركي المختص بتاريخ اليمن، د. ويندل فيلبس (1811-1884) وكما قلنا أعلاه فان لفظ (بلقس)، حيث يكتب بالمسندية بدون ياء في وسطه لأنه حرف لين ساكن لم يكن يكتب إذا جاء في وسط الكلمة ولكن يقرأ بإضافة حرف اللين الساكن وهو هنا الياء في وسطه فيكون بلقيس. ومع هذا يلفظ بالياء او بدونها والمعنى واحد.
 
 ويرى الباحث اليمني بدر احمد با محرز، أن الاسم الحقيقي لملكة سبأ الأردنية، هو (شمس) والأصل فيه (قيس)، الذي يعني من الناحية اللغوية: إشعال النار، ومنه في عربيتنا الحالية (كز) بتحويل السين الى زاي وهو قبس النور.  ويقول أيضا: ان اسم بلقيس هو اسم الشمس، وان كل ما ورد في العربية باسم امرؤ القيس إنما يعني عبد شمس، ومن الأدلة التي أوردها با محرز، فيما ذهب إليه، ما أورده الاخباريون العرب، من أسماء لتلك الملكة السبئية بلقيس، وهو اسم (بلمقه)، وحسب القاموس اللغوي السبئي فإن (المقه) تعني الشمس.
 
ونحن لا نتفق مع الباحث اليمني با محرز الذي يرى ان: (الادلة التي بين يديه توضح أن الملكة شمس هي التي ورد ذكرها في المصادر البابلية كملكة عريبي لان عريبى تعنى عربي،)، لان عريبي جاءت متأخرة عن بلقيس ولان اشور صارت قوية وصارت سبا الشمال تابعة لها بعد ان الحال هو العكس تماما.
 
وهذا يقودنا الى اثبات ما قلناه في نظريتنا هذه: أن الملكة (شمس/ شمسي ملكة أدوماتو) هي التي ورد ذكرها في المصادر البابلية كملكة عريبي، أي ملكة العرب، لان ما ورد من كلمات في الوثائق الاشورية مثل: عريبي وتعني عربي. وان عبابيدي تعني العبابيد / العبادي وهي القبيلة التي لا زالت في الأردن وتفرقت في سائر انحاء جزيرة العرب واطرافا والى شمال افريقيا والسودان.
 
وكانت كلمة شمسي تطلق على ملكة الجوف المحاذية لبلاد الرافدين من جهة الأردن. ومن ثم فهي ملكة دومة الجندل او أدوماتو الأردنية، التي هي: سبأ الشمال أيضا، وهي دومة الجندل، والجوف. والمعنى واحد والمكان واحد وهو الأردن التاريخي وان اختلفت التسميات.
 
ونحن نرى ونرجح ما نطمئن اليه ان شمسي التي تذكر الاخبار انها ملكة أدوماتو الواردة في الوثائق الاشورية، جاءت متأخرة عن بلقيس وان اخذت اسمها بلفظ اخر وهو المعنى الحقيقي لكلمة بلقيس وهي الشمس ولكن بلفظ اخر وهو شمسي التي جاءت بعد بلقيس وخضعت للإمبراطورية الاشورية، وان وجود شمسي ومن ثم زبيبي وعريبي يدل على ان الأردنيين في سبا الشمال لم يتحرجوا من تولية المرأة عرش المملكة، كما ان تكرار التسمية يدل على تعظيم اسم بلقيس عبر الأجيال وانه الاسم الذي يكرس شرعية الملك رم موتها منذ قرون.
 
    وفي العصر الحديث نجد كثيرا من القادة الأموات يكرسون شرعيتهم للأحياء ولا يستطيع الحاكم الحي ان يرفض شرعية القائد الميت مثلما هو حال الطاغية كمال اتاتورك الذي بقي مقدسا لدى العلمانيين من الاتراك لحقب طويلة بعد هلاكه. ومن الواضح ان مملكة سبأ بلقيس قد تقلصت وتقطعت اوصالها بعد موتها، وأنها خضعت للأشوريين، ودفعت الجزية بعد ان كانت اشور مقاطعة من مقاطعات مملكة بلقيس.  
 
    رغم الاجتهادات البشرية في تفسير التاريخ، الا القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد حسم هذا الامر، اذ بين لنا بنصوص صريحة، وجود بلقيس في سبأ، وان مكانها غير بعيد عن مملكة سليمان (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) سورة النمل)، فضلا عن قصر الزمن الذي يتطلب قطع المسافة منها واليها، كما يبين الحديث الشريف ان سبأ هما سباءان: سبأ الشمال، وسبأ اليمن.
 
    ومن خلال المعطيات والزمن، فان بلقيس هي ملكة سبأ الشمال، أي ملكة سبأ الأردنية في الجوف / أدوماتو/ دومة الجندل، كما ان الوثائق الاشورية والبابلية، تتحدث عن الملكة بلقيس بجوارهم، وأقرب ما يكون إليهم هي الجوف / أي سبأ الشمال وليس الين وسبأ الجنوب. وبين القران الكريم أيضا: عفة وحشمة وعظمة وحكمة ورجاحة عقل هذه الملكة الأردنية العربية العظيمة المسلمة، وذكرها الله سبحانه بذكر جميل في سورة النمل، في أصدق وأعظم الكتب المنزلة من رب العالمين، وهو القران الكريم.
 
    فدخلت هذه الملكة من حينها، في صلب عقيدة المسلمين من كل الجنسيات، أينما كانوا في كل أنحاء العالم، كما دخلت الملكة بلقيس في عقيدة المسيحيين أيضاً– وصار إنكار وجودها في التاريخ أو تشويه ذكرها، تكذيب صريح لكلام الله سبحانه وتعالى في أصدق وأعظم الكتب المنزلة من رب العالمين.
 
ننتقل إلى محطة المسرح الجغرافي الذي شهد مجريات هذه القصة وأين توجد مملكة سبأ؟ تحدث الجغرافي اليوناني اراتوستين 200 ق. م عن تقسيم جنوب شبه الجزيرة إلى أربع ممالك مستقلة، هى ممالك السبأيين والمعينيين والقتبائيين والحضارمة وقد أشار المؤرخ الأغريقي القديم تيودور الصقلي فى كتابه "مكتبة تاريخية" إلى السبأيين باعتبارهم أكبر القبائل العربية، وأنهم يقطنون ذلك الجزء من الجزيرة العربية المسمى بـ “السعيد" .
 
 كما ورد ذكر مملكة سبأ وشعبها فى موسوعة "الجغرافيا" للمؤرخ الجغرافي الأغريقي سترابون (عام 63 ق. م -21 بعد الميلاد) فى الجزء 17 والأخير منه فى إطار الحملة التي رافق فيها القائد الروماني "إيليوس غالوس" التي حاول فيها احتلال الجنوب العربي. كما أشاد المؤرخ الروماني بلينوس الأكبر بالبخور الذي يأتي من "العربية السعيدة" فى إشارة إلى مملكة سبأ الشمال. لان اصطلاح العرب السعيدة تعني الأردن واما اليمن السعيد فتعني اليمن، وان الأولى بالمؤنث والثانية بالمذكر / أي العرب السعيدة، واليمن السعيد على التوالي .
 
وعلى الرغم من ذلك إلا أن خلافا بين الباحثين يدور حول موطن مملكة سبأ وقد ادّعت شعوب كثيرة أنها موطن هذه المملكة وملكتها الشهيرة؛ وتدور الأبحاث الأثرية الحديثة على فرضيتين لا ثالث لهما، وهي اما انها كانت باليمن أو الحبشة وإن لم يُعثر لهذه الملكة بحد ذاتها على أثر فى أيا من المكانين. وهذا مغاير للبحث العلمي الدقيق ان توضع نظرية محددة لنتائج البحث بل كان يجب ان تكون الأمور مفتوحة على سائر الاتجاهات الى ان يستقر الامر على موقع جغرافي محدد 
وغالبا ما ترجح كفة اليمن لدى الغالبية من الباحثين ولا تضع الجوف / أدوماتو ضمن الاعتبارات والنظرية، إلى أن نجحت عالمة الآثار البريطانية والمديرة السابقة للمتحف البريطاني لويز شوفيلد فى العثور على أحد مناجم الذهب، ومعبد وأرض معركة يعودوا إلى مملكة سبأ فى موقع هضبة غرلتا فى شمال إثيوبيا التي كانت تمتد بين إثيوبيا واليمن بين القرن الثامن ق. م والقرن الثاني الميلادي مما يقوى الاعتقاد أن الملكة بلقيس ملكة سبأ حكمت الحبشة أيضاً. وان عدم فتح الفرضيات يعتبر منقصة وخللا في البحث لا يتفق مع الأصول العلمية .
 
   وخلصت عالمة الاثار البريطانية الى فرضية ان بلقيس كانت ملكة جنوب الجزيرة العربية ومرتفعات الحبشة على حد سواء وكانت تدير حكم مملكتها من سبأ التي فى الحبشة ولها حكام تابعين لها فى اليمن ولها معابد منتشرة على طول وعرض مملكتها منها معبد (بران) الشهير جنوب مدينة مآرب.
 
ونحن لا نتفق مع الباحثة البريطانية في تحديد موقع وعاصمة بلقيس ولكن نتفق معها ان بلقيس حكمت الحبشة وارتيريا كما سبق وتوصلنا اليها من نتيجة ذكرناها أعلاه في هذا البحث. ولكن وجود معركة يبين ان احتلال الحبشة او تحريرها تم بالقوة وليس بالسياسة، وهذا يتفق مع قول رجالات الدولة والجيش لدى بلقيس (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) سورة النمل: فهم اولو قوة وألو بأس شديد، وبالتالي لا يستطيعون الكذب على الملكة ولا خداعها وما قالوا ذلك الا وهم صادقون أي كما نقول باللهجة الأردنية (قول وفعل أو قول بفعل) .
 
 اما مناجم الذهب في الحبشة فاعتقد انها السبب الرئيس التي ساقت بلقيس وجيشها لاحتلال الجبشة واستخراج المعدن الأصفر الثمين الذي ساهم في غنى وازدهار واستقرار مملكة بلقيس واغناها عن جباية الضرائب من شعبها مما جعلها محبوبة جدا لديهم. 
 
   وبمعنى اخر فان العثور على اثار للملكة بلقيس في كل من اليمن والحبشة يثبت نظريتنا انها كانت تحكم هذه البلدان، وأنها أشادت في كل مقاطعة قصرا للحكم يستقر فيه الحاكم الذي ينوب عنها ويحكم باسمها وكأنها موجودة هناك. 
 
   وقبل اسلامها تم بناء معابد للشمس في كل مقاطعة أيضا، وحيث ان الحرية الدينية كانت مكفولة فلم تجبر أيا من شعبها على اعتناق الإسلام الذي اعتنقته مما يبين ان الكثير من المقاطعات بقيت على دين الوثنية السابق القائم على عبادة الشمس، دون ان يؤدي ذلك الى حرمان أهلها من حقوق المواطنة والتمتع بخيرات البلاد وموارد الدولة والامن والأمان الذي توفره الجولة وحماية المقاطعة من أي عدوان خارجي.  
 
   وهكذا   نروى القصص برمتها تقريبا تولي (الملكة بلقيس) الملك كامرأة، وتضعها في أعلى درجات التاريخ بالجدارة وليس بالوراثة؟ انما هو تقييم عظيم لها حيث (أنها خلصت شعبها من الحكم الجائر). كما   اتشرت أسطورة بلقيس في كل مكان، حيث نجد في تراث الفرس أسطورة خسروا وشيرين والسد التي تشبه قصة سمير واميس ونينوى وبالتالي تشبه قصة بلقيس. وفي تركيا نجد منارة بلقيس، وفي مسرح سوري تمثال روماني لفتاة العسل (بل كيز أي بلقيس). 
 
  اما الموقف التوراتي فيربط أصل (الملكة بلقيس) بالشيطان ويجعل لها حافر حمار ويفصل بين النظام الاجتماعي وبين عالم الأنس، أما الإسلاميون المعادون للمرأة فقد استرجلوا (الملكة بلقيس) بـ (القول إن رجلاها كانتا مشعرتين وادخلوا قصة النّورة والحمام أي اقتلاع الشعر وتنظيفه بخلطة النورة). وهذه كلها خرافات واسرائيليات كاذبة لا تتفق مع عقل ولا نقل واستغرب كيف ان كبار المؤرخين العرب اخذوا الروايات بدون توقف وتمحيص مثلما نفعل الان.
 
    واما موضوع الشعر على ساقيها فهو سخافة ولا يليق بملكة بهذا المستوى من الرقي والأخلاق والانفة والحكمة، وجاءت لتقابل ملكا نبيا ان تكون على هذا الحال من عدم النظافة ولديها من الجواري والخادمات ما يجعلها تعيش حياة النعيم، حتى ولو كانت حقيقة عليها شعر فلا يمكن ان تجهل ازالته قبل وصولها وقد بلغت شأوا عظيما من الحضارة ولا يعجزها وقومها اختراع وسيلة لإزالة شعر المرأة. ان قصة الشعر سخافة لا يقبلها عقل ابدا .
 
 اما (محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، أحد أشهر المتصوفين لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين "بالشيخ الأكبر" ولذا تُنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية. ولد في مرسية في الأندلس في شهر رمضان عام 558 هـ الموافق 1164م قبل عامين من وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني. وتوفي في دمشق عام 638هـ الموافق 1240م. ودفن في سفح جبل قاسيون. ي) في شعره فيجعل الملكة بلقيس مثالا للمرأة الكاملة حيث يقول عنها (اسقفة من بلاد الروم).
 
    كما يؤكد نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 -30 أغسطس 2006) روائي مصري، هو أول عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب على المعنى الرمزي لبلقيس في (ترجمان الأشواق) بوصفها مثالاً للحكمة الإلهية التي تجمع بين العلم والعمل ولطف الجن وعمل الإنسان والروح والبدن.
 
    اما الشاعر (محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري [7القرشي الذي ينتهي نسبه بسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، (بالفارسي: جلال الدين محمد بلخي) (604 هـ -672 هـ = 1207 -1273 م) عرف أيضا باسم مولانا جَلَال الدِّين الرُّومي: شاعر، عالم بفقه الحنفية والخلاف وأنواع العلوم، ثم متصوف (ترك الدنيا والتصنيف) كما يقول مؤرخو العرب.). ابن الرومي جعل الملكة بلقيس جعلها مثالا للنبل والجمال.
 
    اما (حافظ الشيرازي شمس الدين محمد حافظ الشيرازي (نحو 725 -792 هـ) ( 1326ال -1390) الملقب ب «خواجة حافظ الشيرازي» والشهير ب «لسان الغيب» من أشهر الشعراء الإيرانيين ونجم ساطع في سماء العلم والادب في إيران. يعتبر أشهر شعراء الفرس الغنائيين غير منازع، مولده ووفاته بشيراز. لقب بـ «حافظ» لحفظه القرآن الكريم بقراءاته الأربع عشر، وكان من الشيعة الإثني عشرية. له أشعار بالفارسية والعربية وتُرجمت آثاره إلى كثير من اللغات العالمية. فهو يعتبر الملكة بلقيس مثالا للجمال.
 
  بعض المدونين دمجوا (الملكة بلقيس) مع (الزباء) و (زنوبيا) فكلتاهما كانتا رمزا للحكمة والجمال، وكلتاهما تسلمتا الملك بعد قتل الغريم بالحيلة، واعتزلتا الرجال، وكان لهما وصيفات، قيل عن (الملكة بلقيس) انها بنت (سد مأرب) وأنها اتخذت لباسا يجمع بين البسة الرجال والنساء. انتشرت أسطورة (الملكة بلقيس) عبر الشرق ففي تراث الفرس نجد أسطورة (خسروا وشيرين) وفي تركيا تقوم منارة بلقيس، في إيران بين مدينتي تبريز وهمدان يتواجد جبل يعرف بـ (تختي بلقيس) اي (عرش بلقيس).
 
     وقد اختلطت (الملكة بلقيس) بقصة كليوباترا ملكة مصر الشهيرة التي انتحرت بسم ثعبان وهو حيوان جنوبي مقدس أيضا، وفي التراث القبطي، ترد بلقيس كمثال للعفاف وستعود يوم الساعة لمحاسبة العصاة!!. في التراث الحبشي المسيحي في ملحمة (كبرا نجست) أي (عظمة الملوك) تذكر (الملكة بلقيس) كمثال للجمال والذكاء.
 
ولقد ساعد مناخ اليمن (التي كانت مقاطعة تابعة للملكة بلقيس في دومة الجندل / أدوماتو) علي نمو اللبان في منطقة المهرة وظفار، تميزت هذه المناطق بإنتاجها أفضل وأجود أنواع اللبان. أسهم اللبان في ازدهار تجارة ذاك الزمان فنشطت معه تجارة التوابل كالمر والكركم وغيرهما من التوابل. 
 
   كان طريق اللبان العربي اليمني يمتد من ميناء قنا في مصب وادي ميفعة على بحر العرب إلى غزة على البحر المتوسط، مروراّ بمدينة شبوة ومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين. كان طريق اللبان يمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوب وادي الرافدين وطريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال، ماراّ بيثرب، ثم ددان في شمال الحجاز، ومنه إلى البتراء.
 
    ويتجه الطريق الرئيس بعدها من البتراء نحو ميناء غزة. بينما يتجه فرع آخر إلى دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي. وكان الجمل الواسطة في القرون الخوالي من الألف الثاني قبل الميلاد ولعب دورا بارزا في ازدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال لمسافات طويلة.
 
     وتتوافق تواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة (ملكة سبأ) للنبي سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد. (الملكة بلقيس) ملكة مملكة سبأ مملكة العربية قديمة .
 
  كما قامت في الألفية الثانية قبل الميلاد في جنوب جزيرة العرب في اليمن مملكة أخرى بنفس الاسم وهو سبأ اليمن السعيد بينما في الشمال كانت سبأ الأرض السعيدة كما شرحنا وأشرنا من قبل. واستمرت سبأ اليمن في الحكم حتى قيام الدولة الحميرية. بدأت المملكة بالازدهار فيما يقرب من القرن الثامن ق.م. اشتهرت سبأ بغناها وقد تاجرت بالعطور والدرر والبخور واللبان. وقد ذكر انتاجها للعطور في عدة مصادر مثل العهد القديم والإلياذة.
 
   ولا علاقة لسبأ اليمن بسبأ التي ورد ذكرها في التوراة، ولكن سبا اليمن التي قامت بها مملكة سبأ الثانية هنا باليمن ومملكة حمير فهي اقتطاع من مملكة سبأ الجوف الواسعة الارجاء زمن بلقيس. كما ان سبا اليمن جاءت بعد سبأ الشمال بحوالي خمسة قرون. وظهرت باليمن على انقاذ سبأ الجنوب مملكة هي من السبئيين ولكن باسم اخر وهي المملكة الحميرية / مملكة حمير (110 ق. م – واستمرت الى عامي 525 -527 م)، وقد نشأت في ظفار يريم واستطاعت القضاء على ممالك اليمن القديمة الأربعة وضمها وقبائلها في مملكة واحدة هي مملكة حمير وكانت آخر مملكة يمنية قبل الإسلام وكانت لهم علاقة وثيقة بمملكة كندة في نجد وشمال جزيرة العرب عن طريق تحالف بينهم يعود للقرن الثاني ق.م.
 
 اذن نجد ان حمير اليمن كانوا قبائل سبئية اعتنقت الديانة اليهودية، وكانت تقطن في إب وكانوا متحالفين مع قبائل مملكة قتبان (حلفاً) وفق نصوص المسند، وكانت تنتشر في مناطق ريمة -تعز -إب -ذمار وأجزاء من صنعاء ومأرب، وعاصمتهم ظفار في محافظة إب.
 
كما أشاد المؤرخ الروماني بلينوس الاكبر بالبخور الذي يأتي من “العربية السعيدة” ولم يقل: (اليمن السعيد) في اشارة الي مملكة سبأ الشمال. وعلى الرغم من ذلك الا أن خلافا بين الباحثين يدور حول موطن مملكة سبأ وقد ادّعت شعوب كثيرة أنها موطن هذه المملكة وملكتها الشهيرة؛ وتدور الأبحاث الأثرية الحديثة حول كونها أما باليمن أو الحبشة وإن لم يُعثر لهذه الملكة بحد ذاتها على أثر في أيا من المكانين.
 
  وقد أثبتنا في بحثنا هذا ان موطنها كان في سبا الشمال وليس اليمن ولا الحبشة، وانما كانت تحكم اليمن والحبشة معا ضمن مملكتها الواسعة الارجاء كما بينا أعلاه ولا داعي للتكرار.
 
وغالبا ما ترجح كفة اليمن لدي الغالبية من الباحثين الي أن نجحت عالمة الآثار البريطانية والمديرة السابقة للمتحف البريطاني لويز شوفيلد في العثور على أحد مناجم الذهب، ومعبد وأرض معركة يعودوا الي مملكة سبأ في موقع هضبة غرلتا في شمال إثيوبيا التي كانت تمتد بين إثيوبيا واليمن بين القرن الثامن ق.م والقرن الثاني الميلادي مما  يقوي الاعتقاد أن الملكة بلقيس ملكة سبأ حكمت الحبشة أيضاً وانها كانت ملكة جنوب الجزيرة العربية برمتها  ومرتفعات الحبشة وكان لها حكام تابعين لها في اليمن والحبشة كما الامر في سائر المقاطعات التابعة لها , كما كان لها معابد منتشرة على طول وعرض مملكتها منها معبد (بران) الشهير جنوب مدينة مآرب. وستظل الملكة بلقيس معينا لا ينضب للباحثين على مر العصور.. (وللحديث بقية باذن الله تعالى )


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد